الجزائر: موازنة العام 2023
تحمل رسالة سياسية

28.11.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

ميزانية 2023 التي قدمتها الحكومة الجزائرية هي ميزانية سياسية بامتياز. وتقديمها في هذه المرحلة التي تعيشها الجزائر يحمل رسالة سياسية واضحة على اعتبار أن هناك اجماعاً على أن الميزانية هي الاضخم في الجزائر منذ الاستقلال.

 إنها رسالة تؤكد ان الحكومة الجزائرية تريد الخروج من سنوات التقشف السابقة والتداعيات المرتبطة بأزمة كورونا والتي أدت الى انكماش اقتصادي غير مسبوق للاقتصاد الجزائري ويظهر هذا بصورة واضحة في الإعلان عن رفع الأجور والمعاشات ورصد مبالغ كبيرة للاستمرار في سياسة الدعم التي تعد سمة في مسار السياسة الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر.

على صعيد اخر فإن الميزانية الجديدة تحمل مغزى سياسي اخر ويتعلق الامر بالإشارة الى العودة القوية للجزائر الى الساحة الاقتصادية،  إذ أن لسان حال الحكومة الجزائرية يقول إن الجزائر مستعدة لاستقبال الراغبين في الاستثمار مهما كانت وجهتهم من خلال تحضير ميزانية تفترض عودة النمو بقوة وكل الإجراءات المتخذة أنما المراد منها هو تحسين مناخ الاعمال.

صندوق النقد الدولي في اول تعليق على السياسة الاقتصادية المنتهجة في الجزائر اعتبر ان أمام الجزائر فرصة تاريخية ولكن من الضروري الحذر في السنوات القادمة على اعتبار أن مسار الاقتصاد الجزائري مرتبط مباشرة بمتغير خارجي هو المحروقات والتي تظل عامل الضبط الأساسي في الجزائر.

 صندوق النقد الدولي اعتبر أن سعر التوازن بالنسبة للجزائر يكون في حدود 149 دولار للبرميل علما أن السعر المرجعي بالنسبة للميزانية 2023 في الجزائر هو60 دولار هو السعر البعيد عن الأسعار المطبقة في الأسواق في هذه المرحلة.

اعتماد سعر مرجعي بعيد عن سعر السوق هو سياسة تعتمدها الجزائر منذ عدة سنوات للقيام بضبط أفضل للحسابات والحد من التأثيرات المحتملة لأسواق البترول المتقلبة باستمرار.

من جهته صندوق النقد الدولي حذر من تنامي عجز الميزانية والمقدر في 2023 بـ 43 مليار دولار وهو رقم ضخم فنفقات الميزانية تصل الى 99 مليار دولار بينما تقدر الإيرادات ب 56 مليار دولار. ولكن على ارتفاع حجم العجز فإنه في الواقع غير معبر بالنظر الى مسألة الفرق الكبير بين السعر المرجعي الذي تعتمده الجزائر في حسابتها وسعر السوق.

مسألة أخرى اثارت اهتمام صندوق النقد الدولي والذي يعتبرها من النقاط الإيجابية في الاقتصاد الجزائري وهي المسألة المتعلقة بارتفاع مستمر لاحتياطات الصرف والتي انتقلت من 46 مليار دولار الى 53.5 مليار دولار في نهاية الشهر التاسع أي بزيادة 9 بالمائة عما كان متوقعا (من المنتظر ان تصل الى 59.7 مليار دولار).

 هذه الميزانية والتي تعد الاضخم في تاريخ الجزائر دفعت بخبراء صندوق النقد الدولي الى التأكيد على ضرورة تنويع وتقوية الصادرات خارج المحروقات والتي تعتبر التحدي الأكبر بالنسبة للجزائر في السنوات القادمة بالإضافة الى الرفع من مداخل الجبائية العادية أي تحصيل أفضل للضرائب خارج الجبائية النفطية.

التحدي الاخر والذي يركز عليه خبراء صندوق النقد الدولي في تحليله للأوضاع الاقتصادية والمالية في الجزائر هو تحدي التضخم والذي وصل الى 9,4 بالمائة وهو المعدل الأكبر في الجزائر منذ أكثر من 5 سنوات.

محاربة التضخم والحد من اثاره على الاقتصاد يعتبر من أولويات السلطات الجزائرية وقد تمكنت من تخفيض هذا المعدل الى حوالي 8 بالمائة في الأشهر القليلة القادمة بعد المستوى القياسي الذي وصل اليه.

ميزانية 2023 تحمل في واقع الامر عدة رسائل لكل المتعاملين الاقتصادين داخلياً وخارجياً و تتعلق هذه الرسائل بالأساس برغبة السلطات في توفير أرضية ماكرو اقتصادية صلبة للمستثمرين على أساس ان ارتفاع الانفاق العمومي لا يتم بالتضحية بالتوازنات الكبرى للاقتصاد و اللجوء الى التمويل غير التقليدي أي طباعة النقود كما حدث فيما سبق و الذي دفعت الجزائر ثمنه عاليا و ترفض السلطات الجزائرية إعادة التجربة القاسية مرة أخرى وقد ثمن صندوق النقد الدولي هذا التوجه المعلن من قبل السلطات الجزائرية معتبرا المسعى ذا دلالة هامة لتحسن مناخ الإعمال في الجزائر.

                      مارسيلي فارس