الإستثمار في الجزائر
مشكلة قوانين أم مشكلة إدارة؟

28.11.2022
الرئيس عبد المجيد تبون
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

الجزائر- فارس مارسيلي

تبذل الجزائر مجهوداً كبيراً على المستوى السياسي والقانوني لترقية الفعل الاستثماري في الحياة الاقتصادية وجلب مزيد من الاستثمارات الأجنبية الى الجزائر. ولا أحد من المتتبعين ينكر جدية وتقدم محتوى قانون الاستثمار الجديد عن الصيغ السابقة والتي كانت عدة أوساط ترى أن الممارسات الناجمة عن هذه القوانين أدت الى عرقلة الفعل الاستثماري.

الجزائر على المستوى الاقتصادي عملاق بقدرات هائلة على كافة المستويات البشرية والمادية ولكن الفعالية الاستثمارية اقل من الهدف المنشود قياساً للموارد المتوافرة وللجهد المبذول. فعلى سبيل المقارنة نجد أن اجمالي الاستثمارات قياسا للناتج الداخلي الخام تصل في الجزائر الى 44.9 في المئة من اجل الوصول الى معدل نمو سنوي يقدر بـ 2 في المئة بينما تخصص الصين 44.6 في المئة للاستثمار من ناتجها الداخلي للوصول الى نمو يفوق 7.2 بالمائة ونفس التحليل ينطبق عندما نقارن مع المجاور المباشر للجزائر و مدى فعالية الاستثمار فيه كمصر مثلا والتي تخصص 15.8 في المئة للاستثمار من اجل معدل اكبر من المعدل الجزائري أي 3,2 في المئة ونفس الوضع ينطق على المغرب والذي يصل حجم الاستثمار فيها قياساً للناتج الداخلي الخام الى 32.2 في المئة من اجل معدل نمو يقدر بـ 3.4 في المئة.

هذه الأرقام عن نقص الفعالية الإستثمارية في الجزائر محتاجة الى وقفة تحليلية لمعرفة الأسباب والعمل على إضفاء مزيد من الفعالية الاقتصادية والمالية على كل دينار/ دولار يتم استثماره في المشاريع التي تقام في الجزائر.

تحليل الواقع الاستثماري في الجزائر يؤكد مسألتين أساسيتين: وجود إرادة سياسية عليا لترقية الاستثمارات الأجنبية والمحلية من جهة ومن جهة أخرى وجود معوقات هيكلية تقف في وجه المستثمر.

مسألة إرادة سياسية واضحة عن التطرق الى مسار قانون الاستثمار الأخير في دواليب الإدارة الجزائرية حيث أن مسار القانون خضع لأكثر من قراءة بل اعيد صياغة متن القانون في ثلاث مرات وكلها كانت بطلب من رئاسة الجمهورية ومن الرئيس شخصياً الذي عمل على وضع حد لكل ما يعيق الاستثمار في الجزائر. وهذه الإرادة السياسية تعبر عن وعي سياسي بإن الاستثمار الأجنبي في الجزائر يواجه مشاكل عديدة وعميقة مع التأكيد على أن جل هذه المشاكل تتجاوز المسألة الاقتصادية برمتها لتطرح مسائل أخرى أعقد لطالما كانت تنخر جسد المستثمر الأجنبي وحتى المحلي وتعيق الاستثمار وفعاليته في الساحة الاقتصادية الجزائرية.

المتتبع للمسار الاقتصادي الجزائري يدرك أن الراغب في الاستثمار في الجزائر لابد أن يواجه ثلاث عوائق كبيرة في إتمام عملية الاستثمار او الاستمرار فيها او حتى نجاحها وديمومتها في المكان.

هذه المعوقات متعددة الأوجه والقيادة السياسية على إدراك بهذه المسائل وخير دليل على هذه القضية سلسلة التعديلات التي اقرها الرئيس تبون أثناء عملية صياغة قانون الاستثمار في صيغته الحالية.

من الناحية العملية يمكن حصر معوقات الاستثمار في الجزائر في أمرين أساسيين:

1) تسلط رهيب للإدارة بكل فروعها على الفعل الاقتصادي في الجزائر. فكل قرار مهما كان للإدارة نصيب فيه من حيث المحتوى والتوجيه. ولأن منطق الإدارة يختلف في جوهره عن منطقة الاقتصاد والاستثمار بصورة عامة فأن فعالية الاستثمار تقل في أحيان عدة وقد تنعدم في أحيان أخرى. هيمنة الإدارة بمختلف فروعها إن على المستوى المركزي أو المحلي يعتبر سمة أساسية في الاقتصاد الجزائري ويعبر عن أرث تاريخي يعود الى فترة النموذج الاشتراكي الذي كان سائداً في الجزائر ولم تتمكن السلطات رغم كل السياسات والإجراءات من إبعاد الإدارة عن الاقتصاد.

 ولعل هنا نفهم الحاح السلطات وعلى رأسها رئيس الجمهورية على البحث عن أليات جديدة تسعى لحصر تدخل الجهات الإدارية محلياً ومركزياً في مسائل فنية بحتة بعيدة عن محتوى الاستثمار كتحديد تدخل الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار. وحتى دور المجلس الوطني للاستثمار والذي ظل بيد الإدارة في كل ما يتعلق بالإستثمار لم يعد بتلك الأهمية. وهذا الالحاح على تحييد دور أدوات الإدارة في الحياة الاقتصادية يعتبر بداية جيدة وإدراك من لدن السلطات أن التدخل المستمر للإدارة بضر بالمصالح العليا للاقتصاد وللبلد بصورة عامة.  

2) وضعية الجهاز المصرفي في الجزائر والذي يهيمن عليه القطاع العام يعتبر هو الاخر احد أهم معوقات الاستثمار الخارجي في الجزائر وذلك انطلاقا من ممارساته التي هي الأخرى ذات طابع اداري بالدرجة الأولى و هي الممارسات البعيدة على منطق البنوك القائمة على المخاطرة و الموازنة بين منطق الربح و الخسارة.

تدخل منطق الإدارة في توجيه عمل البنوك بصورة عامة يجعل العملية الاستثمارية في الجزائر رهن منطق الإدارة لا منطق الاقتصاد خاصة في مسألة التمويل والقروض وتحويل الأرباح المحققة.

تحييد الإدارة وابعادها عن عمل البنوك وعودة هذه الأخيرة الى جوهر عملية في الوساطة المالية يعد من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد الجزائري في مرحلة التحول الاقتصادي.

إصرار السلطات الجزائرية في مختلف التصريحات الصادرة عن اكثر من مسؤول و في مستويات عليا على تحييد الإدارة نهائيا من السيرورة الاقتصادية في الجزائر هو في واقع الامر ضمانات إضافية غير مشفرة ترسلها السلطات الجزائرية لكل من أراد الولوج الى السوق الجزائرية و لعل ابعاد الإدارة عن كل ما يتعلق بحل المنازعات بين الإدارة و المستثمرين و اخضاع هذه المنازعات الى رئاسة الجمهورية يعد إشارة قوية الى ادراك السلطات أن نجاح العملية الاستثمارية في الجزائر مرهون بالحد من تسلط الإدارة في مجمل الحياة الاقتصادية في الجزائر.