الجزائر: ثنائية الشراكة والتجارة
في تصدير الغاز إلى أوروبا

15.09.2022
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

تبدو الجزائر هذه الأيام كقبلة يتوجه صوبها كل من شعر أو اعتقد أن شتاء هذا العام يكون صعباً على مستوى الطاقة. كلمة السر في هذه التحركات هي الغاز الطبيعي بدون منازع. لا يمكن في هذا المقام تعدد الزيارات واللقاءات التي شهدتها الجزائر في الأيام الأخيرة لأكثر من مسؤول أوروبي من مختلف المستويات والكل يريد أو يهدف إلى تعزيز أو الرفع من حصته من الغاز الطبيعي الجزائري. وإذا كانت كل هذه التحركات مفهومة بالنظر إلى عمق مشكلة الطاقة في العالم وفي أوروبا على وجه الخصوص فإنه من المفيد النظر إلى إستراتيجية الجزائر في هذه المرحلة الدقيقة من مسار الطاقة الدولي.

في البداية من الضروري التأكيد على حقيقة أساسية وهي أنه مهما كانت القدرات الجزائرية الكامنة فإنها لن تتمكن من تعويض الغياب الكلي للغاز الروسي في حالة حدوثه في الأشهر القادمة وهذه انطلاقاً من حجم إجمالي الصادرات الروسية نحو القارة العجوز والمقدر 155 مليار متر مكعب علما أن إجمالي استهلاك أوروبا من الغاز الطبيعي وصل إلى 400 مليار متر مكعب. ولكن هذا لا يعني أن انحصارا للدور الجزائري في سوق الطاقة بل على العكس من ذلك يدرك كافة قادة أوروبا أن للجزائر دورا أساسيا في المرحلة القادمة لتغطية العجز في تدفق الغاز الروسي على المستوى القريب والمتوسط والطويل وحقيقة الدور الجزائري المنتظر واضحة في كافة الوثائق الأوروبية الصادرة حديثا خاصة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية.

في الجزائر هناك إدراك تام بأهمية الدور المنوط بقطاع الطاقة في هذه المرحلة المتميزة بندرة الغاز الطبيعي من جراء خروج أو إخراج الغاز الطبيعي الروسي من السوق الأوروبية بل هناك استعداد معلن من طرف السلطات الجزائرية في المساهمة في رفع  حصة الجزائر من السوق الأوروبية والتي وصلت إلى 12.6 في المئة من أجمالي السوق مما يمثل ثالث مورد للدول الأوروبية بعد كل من روسيا (45 بالمائة من السوق) والنرويج. وقد شرعت الجزائر فعليا في عملية الرفع من حصتها من السوق من خلال ضح كميات إضافية لإيطاليا بالإضافة الى التفاوض على حصص إضافية لفرنسا.

ولكن من خلال مختلف التصريحات الصادرة عن السلطات الجزائرية يمكن قراءة حقيقة المسعى الجزائري في هذه المرحلة وهو مسعى يقوم على ثنائية الأمد القصير أو المدى المتوسط وحتى الطويل. الرسائل التي تريد الجزائر إيصالها إلى الطرف الأوروبي هي أن الجزائر مستعدة للمساهمة في حل أزمة الطاقة الظرفية ولكن تخت عنوان الشريك في العملية برمتها أي بعبارة أوضح تضخ كميات جديدة هذا الشتاء مقابل القيام باستثمارات في الصناعة الغازية الجزائرية في كافة المستويات من استكشاف وتطوير وتنمية الحقول الموجودة أو المكتشفة بالإضافة إلى المساهمة في المحافظة على الهياكل القاعدية المرتبطة بالنقل. وتظهر هذه الإستراتيجية الجزائرية في مختلف الاتفاقيات و العقود المبرمة مع إيطاليا وتريد الجزائر تعميم هذا التوجه مع كافة الأطراف الأخرى وكأن لسان حال مسؤولي قطاع الطاقة في الجزائر يقول نريد شركاء لا تجار.

ومن خلال هذا التوجه والمتمثل في البحث عن شركاء في كل مسار صناعة الغاز الطبيعي تحاول الجزائر لعب كافة أوراقها الرابحة من اجل الوصول الى هدفين: تطوير وتنمية الحقول من اجل فائض قابل للتصدير مع كميات مستمرة من الغاز الطبيعي لاستهلاك المحلي وهو استهلاك ينمو باستمرار وبصورة متزايدة حيث وصل الى 45 مليار متر مكعب سنويا أي بزيادة تفوق 71 في المائة منذ 2011.

السلطات الجزائرية تعتقد أن التحولات التي تعرفها أسواق الطاقة ليست بالتحولات الظرفية بل تعتبرها الجزائر بالتحولات الهيكلية وبالتالي من الضروري حسب النظرة الجزائرية تغيير قواعد اللعبة والنظر الى المسألة من زاوية المدى الطويل وتفضيل جانب الشراكة بدلا من الجانب التجاري البحت.

وترى الجزائر أن لديها من الأوراق ما يمكنها من ضمان التصدير والاستهلاك الداخلي من خلال جملة من العوامل أهمها على الإطلاق:

1 - تعتبر الجزائر من الدول الرائدة في مجال صناعة وتجارة الغاز الطبيعي في العالم. فالجزائر تملك شبكة متنوعة ومكثفة من الأنابيب لنقل الغاز الطبيعي على مسافات طويلة من الصحراء الى أوروبا مرورا بالبحر المتوسط (تتوفر الجزائر ثلاثة أنابيب لنقل الغاز أحدهما نحو إيطاليا عبر تونس وأخر نحو اسبانيا مباشرة وأخر عبر المغرب بالإضافة الى مشروع ابوب اخر نحو إيطاليا مباشرة معروف باسم غالسي وأنبوب أخر يربط ا ارزيو الجزائرية بأبوجا النيجرية).

2 - تمتلك الجزائر صناعة غازية عريقة وهي الصناعة التي تمكنها من التواجد بقوة في سوق الغاز الطبيعي بشقه المسال والغازي حيث لدى الجزائر قطبان صناعيان لإسالة الغاز الطبيعي في كل من ارزيو قرب وهران في الغرب ومصنع في سكيكدة في الشرق وقد وصلت الصادرات الجزائرية في السنة المنصرمة الى 11.48 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال (علما ان اول مركب لإسالة الغاز في العالم تم إقامته في ارزيو في 1964 أي غداة الاستقلال مباشرة).  قدرات إسالة الغاز الطبيعي تعززها قدرات النقل بالبواخر العملاقة انطلاقا من الموانئ الجزائرية حيث تحوز الجزائر على 08 بواخر عملاقة.

3 - تشير العديد من المصادر أن الجزائر من الدول الواعدة في مجال المحروقات على اعتبار ان الاكتشافات الأخيرة في مختلف مناطق البلاد أظهرت باطن الأرض الجزائرية لم تكشف كل أسرارها ومن الضروري فتح المجال للشراكة المتجددة للاستثمار في الاستكشاف والتطوير دون ذكر الاحتياطات الهائلة من المحروقات غير التقليدية والتي تعتبر ثالث احتياطات في العالم.

هذه العناصر الثلاثة تشكل الأرضية لفهم إستراتيجية الجزائر في هذه المرحلة وهي إستراتيجية تؤكد أن الأهم بالنسبة للسلطات الجزائرية هو الاستثمار في تطوير القدرات الجزائرية خاصة ان قانون المحروقات الجزائري الجديد يعتبر أكثر مرونة وجاذبية من القانون السابق.

في المجمل تفضل الجزائر منطق الشراكة الطويلة المدى على المسائل الظرفية الحالية وكل مسؤول جزائري يقول نساهم في حل أزمة الشتاء القادم بشرط تواجدكم الدائم معنا كشركاء.

مارسيلي فارس