رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين سليم الزعني:
الصناعة الوطنية خفضت فاتورة الإستيراد

05.09.2022
سليم الزعني
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

الفترة التي أعقبت انتخابات جمعية الصناعيين اللبنانيين لم تكن ملائمة للجمعية لتنفيذ استراتيجية تحرّك باتجاه مُعالجة المشاكل التي يواجهها القطاع الصناعي. فمنذ أن تولى سليم الزعني مهمّة رئاسة جمعية الصناعيين حتى بدأ التحضير الجدّي للإنتخابات النيابية التي أعقبها استقالة الحكومة وتأخير في إجراء الإستشارات المُلزمة وصولاً إلى التكليف الذي لم يسفر عن تشكيل حكومة جديدة فاستمرّ الوضع على شكل حكومة تصريف أعمال التي استمرّت في التعاطي مع الملفات الشائكة من دون صلاحيات. غير أن رئيس جمعية الصناعيين سليم الزعني داوم على إجراء المتابعات اليومية وملاحقة القضايا الطارئة ومعالجة كلّ حالة على حِده يهدف التخفيف من المعاناة وتيسير الأعمال ضمن الممكن.

الحوار مع رئيس جمعية الصناعيين كان بمثابة جولة أفق صناعية تطرّقت إلى قضايا ماكروية في محاولة لرسم صورة تعكس إلى حدّ بعيد المشهد الصناعي بصورة عامة. في مُستهلّ الحوار كان لا بدّ من السؤال حول الوضع الصناعي بصورة عامة في هذه المرحلة فقال الزعني:

«في الواقع لا يمكن القول أن الوضع سيّء بل هو وضع مقبول ومرضٍ عن الفترة الممتدة من العام 2019 حتى اليوم والذي يعكس الوضع على مستوى السوق المحلّي وليس على مستوى التصدير. فقد تمكن القطاع الصناعي من استبدال قسم كبير من المستوردات بصناعات محلية وقد حصل هذا التطور بصورة سريعة لم يكن بعد يتوقعها. وقد كان ثمة تجاوب سريع مع المعطيات المستجدة التي اتسمت بحصول أزمة اقتصادية ومالية على كلّ الأصعدة وما رافقها من ارتفاع في الأسعار نتيجة هبوط العملة».

صناعة الـ MASK

وتابع الزعني: «وكردة فعل من جانب الصناعيين نعطي مثالاً واضحاً حول تصنيع الأقنعة للحماية من وباء الكورونا وفي فترة لا تتعدى الأسبوع كان هناك مصانع عدّة استحضرت ماكينات خياطة عادية وبدأت بتأمين حاجات السوق في وقت كان هناك دول عدة عريقة صناعياً لم تتمكن من هذه الإستجابة فصارت تستورد الأقنعة بالطيارات.

والواقع أن الإنتاج ذهب إلى أبعد من الأقنعة وصولاً إلى أجهزة التنفس التي تتطلب تجهيزات تقنية فبدأت بعض المصانع في إنتاج هذه الآلات التي تتطلب وقتاً لإجراء أبحاث حولها. وبالإجمالي فإن الصناعة اللبنانية تمكّنت من إحداث بدائل احلالية للمستوردات بجودة متفاوتة بين ما هو جيّد وما هو أقلّ جودة، لكن السوق استمرّ في ذلك وحصلت عملية «غربلة» للمنتجات».

أما إذا كانت هذه المنتجات بأسعار تنافسية فأقول انها كذلك في ظلّ حاجة الصناعيين إلى استيراد المواد الأولية ناهيك عن ارتفاع أسعار المحروقات والمشاكل المزمنة في توفير الطاقة. ولم يكن الدعم في هذه الأثناء مرتكزاً إلى اعتبارات موضوعية وإلى ضرورات الحياة، وكلّ ما يمكن قوله أن الدعم كان ينبغي أن يكون بطريقة أذكى.

صناعة الأدوية

وفي سياق الإحلال محل المستوردات هل يمكن إعتبار أن صناعة الأدوية  لعبت دورها في هذا المجال؟ يجيب سليم الزعني:

« بالطبع أن قطاع الأدوية هو من أفضل القطاعات وهي بنوعية محترمة عالمياً، صحيح أن ثمة قوانين وضعتها الحكومة، لكن الصناعيين أنفسهم حريصون على عدم التفريط بالنوعية. ولكن الأسعار عالية بعض الشيء فيقول: طبيعي في ظلّ غياب الدعم فقبل المحروقات هناك المواد الأولية التي تستوردها بالعملة الصعبة فنحن لا نملك الدولار بل تشتريه بسعر السوق ورغم ذلك أسعار الأدوية المصنّعة في لبنان ما زالت ممتازة ومقبولة ومنافسة مقارنة مع الأدوية المستوردة. وفي هذا المجال من رأي شخصي يتعلّق بسياسة التسعير في سوق الأدوية. الذي ينبغي أن يكون سوقاً حرّة فصناعة الأدوية متاحة للجميع بعد مضي فترة زمنية على إطلاقها، فلماذا لا تترك اللشركات حرّية التسعير فيبقى للدولة الرقابة على النوعية  ففي لبنان لدينا 13 إلى 15 مصنعاً للأدوية ولم يعدْ هناك شيء إسمه «مونوبول»، فإذا حصل هناك إحتكار فليفتح السوق أمام الجميع فدور الدولة المُراقبة وإذا حصل إحتكار نتدخل وليس «عالطالعة والنازلة» وليس على طريقة البوليس والحرامي».

المنافسة

إنطلاقاً من ذلك هناك قانون في مجلس النواب حول المنافسة التي يفتح الباب أمام القطاع الخاص ما رأيك؟ يقول الزعني: «هذا ما نتحدّث عنه من خلال توفير المنافسة. فنحن عشنا مرحلة ما قبل الـ 1975. يوم كان الدواء الأرخص في العالم عندما كان مستوردو الأدوية يتنافسون».

اليوم الحاصل هو أن المستورد يتوجّه إلى الجهة الرسمية المخول بالتسعير فتسأل عن سعر الدواء في بلد المنشأ فإذا كان سعره مثلاً 10 آلاف يجاز له البيع بسعر 9 آلاف في حين أن المستورد قادر على البيع بسعر أقلّ. لذا فلتكتفي الدولة بالحفاظ على النوعية ونترك السعر ونحن لسنا أشطر من الأوروبيين والأميركيين واليابانيين.

وأضاف رئيس جمعية الصناعيين قائلاً: «اليوم في أوروبا هناك قانون ضد الإحتكار فإذا كان أحدهم ينتج صنفاً هو الأكثر مبيعاً فذلك يعني أن المستهلك هو الذي اختار. أما أن يتوجه هذا الصناعي ويشتري كلّ الماركات المنافسة فهذا أمر مرفوض وممنوع».

التصدير والأسواق

هذا الوضع الصناعي على المستوى المحلي وقد تمّ كل ذلك بمُبادرات ذاتية من دون أيّ دعم. ولكن ماذا على مستوى التصدير؟ يجيب رئيس جمعية الصناعيين:

على مستوى التصدير من المفترض أن يكون الوضع أفضل، وليس ثمة إحصاءات يتعلق بالفترة الأخيرة. فقد زادت صادراتنا ويمكن القول أن العام 2021 كان من أفضل السنوات من حيث التصدير إذ بلغ حجم الصادرات نحو 4.12 مليارات دولار ونتوقع أن نحافظ على هذا الحجم خلال العام الحالي، لأن القطاع يحقق نمواً مطرداً. ولكن أريد أن أسمي الأشياء بأسمائها. ففي وقت يقفل أمام الصناعة أهم سوق لدينا لأسباب سياسية معروفة فماذا نعمل؟ دول العالم كله عاكفة على فتح الأسواق أمام منتجاتها وسفاراتها تعمل على تسهيل ذلك ولكن في لبنان تمارس شطارة إقفال الأسواق، لأننا نسير في الإتجاه المُعاكس. مهمة الدولة الأولى هي فتح الأسواق، فليس من مهام الدولة تأمين المازوت والرغيف للمواطنين، إذ أن مسؤوليتها خلق فرص النمو لزيادة المداخيل التي تمكنني من شراء المازوت والرغيف. أضفْ إلى ذلك ليس مفروضاً على الدولة شراء المازوت بل عليها أن تؤمن لي الكهرباء وزيادة النمو الذي يوفر القدرة للناس، والعمل على خلق فرص العمل.

القدرة الإنتاجية

وفي مثل هذه الظروف هل هناك فرص أمام الصناعة ؟ يوضح سليم الزعني: «اليوم ليست قصة أولويات فالفرص موجودة دائماً بعكس ما يفكر البعض. ليس هناك في العالم بلد مُفلس وجائع لا سيما لبنان الذي يعيش قسم من أبنائه في الخارج وهم يتدبرون معيشة القسم الموجود في لبنان. إذاً الفرص موجودة ويمكن إستغلالها من قبل الصناعة أو سواها».

وتابع الزعني: «هم الصناعيين الأساسي اليوم هو الحفاظ على قدرتهم الإنتاجية في ظلّ الظروف الراهنة. لاسيما في ما يتعلّق بالعمال. فالقطاع العام كله يعيش على سعير صرف الـ 1500 ليرة للدولار، صحيح أن المصانع فقدت بعض الأشخاص الأكفياء لكنها استطاعت بطرق أو بأخرى الحفاظ على عمالها. فكل حالة على حدة تمكنت من معالجة أوضاعها وهذا ما يعيق القدرة على مزيد من النمو. فلنتصور مثلاً لو أن سوق السعودية ما زال مفتوحاً، إلى ذلك هناك مشاغل أخرى تتعلّق بأجور النقل إذ أن نقل بعض الكونترات يكلف أكثر من قيمة البضاعة التي في داخله».

القطاع المصرفي غائب

ولكن ماذا عن التمويل وهل القطاع المصرفي ما زال مصدراً لذلك؟ يقول رئيس الصناعيين: «القطاع المصرفي غير موجود بالنسبة لنا ولا يعمل كمصرف وكل شيء قد تغير في العلاقة معه. إذ أصبح بمثابة جهاز ATM. ويقتصر دوره على استيفاء العمولات على الدولارات الـ Fresh التي تأتيه من الخارج. فلم يعدْ في الإمكان إعتبار المصرف أداة تنمية بل بات وسيطاً، والصناعيون يتدبرون أمورهم المالية كلّ على طريقته البعض يستعين بمصارف عاملة في الخارج عن طريق شركات والآن هناك شركة «سيدرز أوكسجين» التي تقوم بعمليات التمويل وهذه الشركة بدأت بتطوير نشاطها في هذه المرحلة وعلى رأسها أشخاص ذوو كفاءة ولديهم القدرة للمزيد من النشاط الذي يشكّل بالنسبة لنا مرحلة إنتقالية في انتظار عودة النشاط إلى المصارف وهي تُساهم في توفير التمويل للمؤسسات الصناعية».

في ضوء ذلك كله، هل للجمعية خطة تحرّك وما هي أولوياتها يقول سليم الزعني: «التحرك بصورة يومية وعند بروز مشاكل نحاول معالجتها ضمن الممكن من خلال مُواكبة الصناعيين وتحرّكهم لأن الصناعة لا يمكن أن تبقى في مكانها بل عليها التطور باستمرار وفي حال توقف التطور يبدأ التراجع. هناك حقيقة واضحة أن الصناعي عليه التطلع إلى الأمام، والصناعي أمواله ليست في جيبه بلْ في توظيفاته، بخلاف التاجر مع احترامي له، عندما يبيع السلعة يضع الربح في جيبه. فالرؤية هي سمة كل صناعي والرؤية الجماعية سهلة وقادرة على تخفيف الكلفة على الصناعة لتكون تنافسية وتحافظ على نوعيتها بأفضل الأسعار ويمكنها الدخول إلى الأسواق العالمية، باعتبار أن لبنان سوق ضيّق بعدد المستهلكين فيه الذي لا يمكنه توفير الإستمرار والإزدهار للصناعة.

عما يمكن القيام به من أجل خفض كلفة الإنتاج يقول الزعني:

«يمكننا أن لا نزيد الرسوم الجمركية ويمكننا أن لا نرفع ضريبة القيمة المُضافة، ولا نفرض ضرائب. وللأسف ثمة طريقتان للسياسة الضريبية: إما استيفاء ضرائب شرط إعادة إنفاقها بصورة إنمائية، وإما خفض للضرائب وترك السوق ساعياً لاجتذاب إستثمارات جديدة. وللأسف نحن نعتمد النظام الأول أيّ فرض الضرائب في وقت لا المنتج ولا المُستهلك قادر على تحمّلها».

وتابع، «أضفْ إلى ذلك هناك إقتصادان في لبنان الأول شرعي والآخر غير شرعي (مواز) فعندما يتم تحميل الاقتصاد الشرعي أعباء إضافية يكون ذلك بمثابة تشجيع للأقتصاد غير الشرعي. فنحن علينا أن نحدد خيارات هذا الاقتصاد ونعمل على بناء دولة قادرة .