ماكرون في الجزائر ....
ذاكرة وغاز ورغبة في بناء صفحة جديدة

30.08.2022
الرئيسان تبون وماكرون
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

يجمع المراقبون على أن زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر كانت ناجحة بامتياز. البعض وصفها بالتاريخية بينما يرى البعض الاخر على أنها نادرة في مسار العلاقات الجزائرية الفرنسية. هذه الاوصاف جاءت بالنظر الى أن كل شيء في زيارة الرئيس ماكرون كان مدروسا بدقة: الكلمات الابتسامات وحتى الإماءات كل ذاك كان متفقاً عليه لتفادي الانزلاق في مسار علاقات جزائرية فرنسية يسعى كل من تبون وماكرون لجعلها ذات طابع تاريخي متجدد.

وبعيداً عن الابتسامات والطابع البروتوكولي فإن زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر في هذا الظرف الخاص و الاجماع بل الإصرار على نجاحها مهما كانت الصعاب يعبر عن قراءة دقيقة لكل من العاصمتين الجزائر وباريس لمعطيات الواقع الجيوسياسي لعالم ما بعد أزمة "كوفيد" والنظر الى عالم يعاد تشكيله اهم مميزاته عودة أجواء الحرب الى القارة العجوز وندرة الطاقة وتضخم زاحف وأزمة غذائية في الأفق المنظور. وقد كانت الخلفية السابقة تشكل عالماً جديداً حاضرة بقوة في هذه الزيارة ذات الابعاد التاريخية والاقتصادية والأمنية ورغبة الطرفين تجاوز خلافاتهم العديدة. 

 وكأن لسان حال كل من الفرنسي ماكرون والجزائري تبون يقول نحن أمام معطيات جيوسياسية جديدة وعلى كل واحد منا أن يخطو بنصف خطوة نحو الطرف الاخر. ويظهر هذا المسعى بوضوح من خلال معالجة الطرفين لكافة الملفات المطروحة على طاولة العلاقات الجزائرية الفرنسية.

وفي هذا الصدد تذكر ثلاث ملفات رئيسية تهيكل العلاقات بين الطرفين، ففي الملف الأمني وما يدور بصورة عامة في منطقة الساحل كان لافتا الاجتماع الذي ضم القيادات الأمنية للجزائر وفرنسا برئاسة كل من الرئيس الجزائري والرئيس الفرنسي وإصرار هذا الأخير في أكثر من مناسبة خلال هذه الزيارة على أن الإطار المرجعي لحل أزمة مالي والساحل بصورة عامة يمر بتطبيق اتفاق الجزائر الموقع من كافة الأطراف السياسية في مالي. هذا الإصرار الفرنسي يعطي الانطباع على أهمية الدور الجزائري من وجهة نظر فرنسا على اعتبار ان الحل في الساحل يمر حتما من البوابة الجزائرية.

ملف أخر كان له الحظ الكبير في زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر والملف المتعلق بما يعرف في أدبيات العلاقات الجزائرية الفرنسية بملف الذاكرة أي التاريخ المشترك للطرفين خلال الفترة الاستعمارية الطويلة.

 وهنا كذلك نلاحظ رغبة فرنسية في تجاوز هذا الملف الشائك والذي كثيرا ما أزم العلاقات الجزائرية الفرنسية. الرئيس ماكرون عند تناوله لهذا الملف اختار الكلمات بدقة في محاولة لكسب الطرف الجزائري من جهة وعدم المساس بأطراف فرنسية مازالت لم تهضم استقلال الجزائر الذي مضى عليه ستون عاماً كاملة. الرئيس الفرنسي اقترح تشكيل لجنة من المؤرخين من الطرفين لدراسة المرحلة الاستعمارية برمتها من خلال فتح مشترك للأرشيف الجزائري والفرنسي وقد حظي المسعى بموافقة جزائرية خاصة أن الرئيس الفرنسي استعمل لأول مرة على هذا المستوى جملة حرب التحرير بعد أن كانت فرنسا تستعمل دائما جملة حرب الجزائر.

الملف الثالث والأخير كان الحاضر الغائب في الزيارة وهو ملف الغاز الطبيعي وهنا كان واضحاً أن الرئيس الفرنسي لم يكن يريد الظهور بمظهر المحتاج للغاز الطبيعي الجزائري والذي يساهم حاليا في 8 في المئة من الحاجيات الفرنسية ولكن ماكرون حاول التأكيد على أن مساهمة الجزائر في الامداد الأوروبي من الطاقة مسألة حاسمة من خلال استجابة الجزائر للطلب الإيطالي.

غير أن حضور المؤسسة الأساسية للطاقة في فرنسا ضمن الوفد الرسمي يعطي الانطباع على أن مسألة الغاز كانت حاضرة بقوة في المحادثات خاصة أن وزيراً فرنسياً أكد ان الجزائر قد وافقت على ضخ كميات إضافية من الغاز الطبيعي نحو فرنسا قدرها البعض بخمسين في المئة قياساً لما هو قائم في هذه المرحلة.

باختصار إن زيارة ماكرون للجزائر وبإجماع المراقبين هي التقاء رغبة الطرفين في إعادة صياغة العلاقات بينهما على أسس جديدة تأخذ بعين الإعتبار العالم الجديد الذي تظهر معالمه ببطء.

                                                 مارسيلي فارس