عصر الرقمنة يعيد صياغة المسؤولية الاجتماعية للشركات

30.08.2022
عمار طبا، نائب رئيس شركة هواوي للعلاقات العامة والإعلام في الشرق الأوسط
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم عمار طبا، نائب رئيس شركة هواوي للعلاقات العامة والإعلام في الشرق الأوسط

خلال العصر الرقمي الحالي الذي يتسارع فيه انتشار التقنيات الحديثة ويزداد تأثيرها على حياتنا اليومية، لم يعد بإمكان مبادرات وبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات أن تقتصر على أسلوبها التقليدي المتمثل بمجرد تقديم رعاية حدث أو تبرع. وانطلاقاً من مبدأ "الإنسان أولاً" الذي تبنته الشعوب منذ الأزل، بات من المهم النظر في أولويات مستقبل الدول، تحديداً فيما يتعلق بقدرات كوادرها البشرية على مواكبة التطورات المتسارعة كما هو الحال بالنسبة لعصر الرقمنة وعالم التكنولوجيا الحالي. 
 
ينطبق ذلك بشكل خاص على دول منطقة الشرق الأوسط التي حددت ضمن استراتيجياتها ورؤاها الوطنية أولوية تطوير منظومة كوادرها البشرية الوطنية بالتزامن مع حرصها على الاستفادة القصوى من ميزات التحول الرقمي والتقنيات الحديثة لدفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية.  
 
في عصر تقنية الجيل الخامس وميزات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبلوك تشين والروبوتات والقيادة الذاتية للمركبات والمدن الذكية والميتافيرس، بات لزاماً على الشركات - خصوصاً العالمية منها - أن تعيد صياغة مسؤوليتها الاجتماعية وتتبع نهجاً جديداً يغير مجراها من الأسلوب التقليدي المتعارف عليه كالرعايات والدعم المادي والفني وغيرها، وتستفيد من إمكانياتها وخبراتها في تبنى نسخة عصرية مطورة من واجبات المسؤولية الاجتماعية للشركات. ويجب أن يصب ذلك في صالح تحقيق أهداف وطموحات دول المنطقة في بناء اقتصادات رقمية مستدامة مبنية على المعرفة بالعمل الجاد على إعداد الكوادر الوطنية التقنية من خلال مبادرات وبرامج التدريب وتحفيز المواهب وصقل الخبرات ورفع الكفاءات وإعداد قادة المستقبل التقنيين الذين ستقع على عاتقهم قيادة دفة التكنولوجيا.
 

استراتيجية طويلة الأمد

اليوم، يمكن لتضافر جهود القطاعين العام والخاص أكثر من أي يوم مضي أن يسهم في إعادة صياغة نهج المسؤولية الاجتماعية للشركات ليرتقي لطموحات قيادة دول المنطقة وشعوبها في مواكبة التطور التكنولوجي والاستفادة منه في شتى مناحي الحياة من خلال عقول وأيادي وطنية. فقد أصبح معروفاً للجميع ازدياد أهمية تقنيات المعلومات والاتصالات في تعزيز الاقتصادات وتحفيز الشركات الناشئة المبتكرة، وتلبية احتياجات نمو الأعمال والخدمات للشركات والأفراد على حد سواء، إذ يبين الاتحاد الدولي للاتصالات أن زيادة الرقمنة بنسبة 10% تؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 2.49%.
 
على ضوء واقع الاقتصاد الرقمي المتنامي في دول المنطقة، تصبح مهارات تقنية المعلومات والاتصالات أمراً جوهرياً لدعم الخطط الوطنية طويلة الأجل وزيادة فرص تنويع الاقتصاد ونموه، وهذا يستدعي استراتيجية طويلة الأمد لتزويد الشباب بالمهارات والخبرات التي تمكنهم من تحقيق التغيير المطلوب. ولهذا السبب، تعتبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الإلمام بالمهارات الرقمية كإحدى الكفاءات الأساسية للتعليم في المستقبل.
 
 
التعامل مع الفجوة الرقمية وتحقيق النموذج المطلوب لتنمية المواهب التقنية يحتم على شركات التكنولوجيا التركيز على أولوية رفد منظومة التعليم بمبادرات وبرامج التدريب العملي والعناية بالمواهب. ويتعين على القطاعين العام والخاص التعاون الوثيق في مجال تحديد الفجوات الرقمية بين المواهب الموجودة ضمن نظام التعليم التقليدي من جهة، والاحتياجات الفعلية لسوق العمل من جهة أخرى. وتمتاز الشركات المتخصصة بالتكنولوجيا - التي تقدم خدماتها لمختلف القطاعات - بأنها المرشح الأفضل للربط ما بين المؤسسات التعليمية المنتجة للمواهب والمؤسسات التي تحتاج هذه المواهب في سوق العمل.

 

نحو سد فجوة

المواهب التقنية

"هواوي" من أوائل شركات التكنولوجيا العالمية التي غيرت نهج مسؤوليتها الاجتماعية ووظفت إمكانياتها التقنية وخبراتها المعمّقة في العمل على سد الفجوة في سوق المواهب التقنية. وأطلقنا في عام 2008 برنامج "بذور من أجل المستقبل" الذي أصبح اليوم أهم مبادراتنا للاضطلاع بالمسؤولية المجتمعية المؤسسية. ويدعم هذا البرنامج تطوير المواهب المحلية في مجال تقنية المعلومات والاتصالات من خلال بعثات تدريب ميدانية تعزز تبادل المعرفة والخبرات بين الطلاب على مستوى دولي. ويكتسب هذا البرنامج أهمية أكثر من أي وقت مضى على ضوء الفرص الغير كافية للمؤسسات والشركات في مجال تبني تقنيات الجيل التالي مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، وتقنيات الجيل الخامس بناء على الشح الذي يواجهه سوق المهارات الرقمية والنقص العالمي الحاد في توافر المواهب التقنية. وبحسب استطلاع أجرته شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC) عام 2020، أفاد 70% من قادة الأعمال في الشرق الأوسط بأن النقص في المهارات الرقمية الأساسية يمثل تهديداً لمستقبل للشركات.
 
بحلول يوليو 2022، تم تنفيذ برنامج "بذور من أجل المستقبل" في 137 دولة ومنطقة وشارك فيه ما يزيد عن 12000 طالب من أكثر من 500 جامعة بدعم من أكثر من 180 شخصية من رؤساء الدول وكبار المسؤولين الحكوميين على مستوى العالم. ومن خلال هذا البرنامج ومبادرات وبرامج أخرى كمسابقة هواوي للاتصالات وتقنية المعلومات ومسابقات الابتكار والمطورين وأكاديميات هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات ومختبرات ومراكز الابتكار المشتركة مع الجامعات والهيئات الحكومية في المنطقة، يتلقى المشاركون دورات تمهيدية للمبتدئين وأخرى متوسطة ومتقدمة تتمحور حول رفع خبراتهم العملية في تقنيات حيوية كالجيل الخامس والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. ويتم من خلال هذه البرامج تشارك الأفكار والرؤى بين خبراء الشركة ورواد الأعمال والأساتذة الجامعيون والطلاب والموظفين الموهوبين حول مجموعة واسعة من الموضوعات الحيوية كتحديات ومستقبل الأمن السيبراني وخصوصية المستخدم وأمن الفضاء الالكتروني. ويتخلل البرامج منافسات لشباب المنطقة مع نظرائهم حول العالم في مشاريع ابتكارية تحصد جوائز وتلقى فرص ترجمتها على أرض الواقع.
 
النجاح الحقيقي للتكنولوجيا يُقاس من خلال تأثيره على إحداث التغيير المطلوب في المجتمعات. وهذا هو مفهوم مسابقة "هواوي" العالمية "Tech4Good" التي تستهدف استكشاف سبل استخدام التقنيات الرقمية لمعالجة القضايا الاجتماعية. ومن خلال المشاريع الجماعية، تسعى المسابقة لتعزيز الريادة الاجتماعية للمشاركين، وتطوير مهاراتهم بالتغلب على التحديات والتخطيط للمستقبل ضمن بيئة العمل الجماعي، بالإضافة إلى ترسيخ الشعور بالمسؤولية الاجتماعية. 
 
من اللافت تزايد الطلب على المواهب في مجال تقنية المعلومات والاتصالات يوماً بعد يوم، مما يكثف الحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتنمية المهارات التقنية. وللمساهمة في ذلك، أنشأت "هواوي" 163 أكاديمية لتقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة، تنظم من خلالها مسابقة سنوية لتقنية المعلومات والاتصالات. وقد حصل أكثر من 37000 طالب على شهادة "هواوي" المعتمدة وارتفع العدد الإجمالي للموهوبين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الشرق الأوسط الذين دربتهم "هواوي" إلى أكثر من 120,000. 
     
متدربو اليوم هم قادة الغد ورواد تطوير أعمال وخدمات سائر القطاعات والصناعات، والرافد الأهم لمسيرة تحقيق رؤى أوطانهم وطموحات شعوبهم في مستقبل أفضل، ولهذا فإن الاستثمار في تطوير المهارات هو النهج الجديد والطريق الأمثل للمسؤولية الاجتماعية للشركات.