رئاسة جمهورية لبنان
"فخامة" الفراغ

29.08.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
اشتعلت جبهة نجيب ميقاتي/ جبران باسيل بكل أنواع الفضائح الثقيلة، ومع التراشق الناري الكثيف طارت اول حكومة مفترضة لما بعد الانتخابات النيابية والأخيرة في عهد الرئيس ميشال عون. لا حكومة جديدة في الفصل الأخير من فصول العهد العوني. وفي نهاية الفصل الأخير، ومع اقتراب المهلة الدستورية المحددة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ينتاب القلق الصهر، فيروح يضرب خبط عشواء، يسرة ويمنة، ولا يوفر في ضرباته خصماً أو صديقاً، وإن كانت الحصة الكبرى من حملاته الخارجة عن كل أصول التخاطب ، تصبّ على رئيس حكومة تصريف الاعمال والرئيس المكلف  بذريعة أنه قطع عليه الطريق لإعادة تعويم نفسه سياسياً برفضه التسليم بشروطه لتشكيل الحكومة الجديدة. باسيل يريد حكومة على قياسه للتعويض عن شطب اسمه من لائحة المتسابقين لخوض الانتخابات الرئاسية، ويريد حزمة واسعة من التعيينات الإدارية وحاكماً جديداً لمصرف لبنان وقائداً للجيش من مريديه ليضمن حصة الاسد في إدارة المستقبل. يريد كل شيء بالمجان. لم يمنح ميقاتي أي صوت اثناء مشاورات التكليف ونصبه ضعيفاً بأقل من 54 صوتاً ولم يعد حتى بمنحه الثقة !
لكن بدوره، باسيل يلعب ضعيفاً بعد ان واجه صعوبة في إقحام تكتل «لبنان القوي» في حملاته، ذلك ان عدداً من نواب التكتل بدأوا يعدون العدة لمرحلة ما بعد انتهاء ولاية عون،  كما لم يعد لدى الصهر الذي كان محظوظاً، من مرشح لرئاسة الجمهورية سوى الفراغ بعد أن تراجعت حظوظه الرئاسية، لذلك حاول حشر حليفه «حزب الله» إستباقاً لاحتمال دعم ترشح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بذريعة أنه لم يبقَ له من حليف يتمتع بثقل سياسي إلا «التيار العوني» الذي يوفر له الغطاء لسلاحه. يحارب فرنجية بذريعة انه لا يتمتع بالتمثيل الشعبي الكافي، ويستعجل اصدار دفعة تعيينات لعله يوفق بإقالة قائد الجيش العماد جوزف عون لإقصائه عن سدة الرئاسة الأولى، ولا ينفك ينصب الكمائن لـ ميقاتي لإضعافه من اجل الانصياع لمناوراته، لكنه كمن يصرخ في واد ولا مجيب. قائد الجيش باق في منصبه، لأن استهدافه بات استهدافاً للمؤسسة العسكرية التي يتعامل معها المجتمع الدولي على أنها المؤسسة الوحيدة التي لم يشملها انحلال مؤسسات الدولة. وفرنجية لن يغامر برصيده في حال قرر التسليم بشروط حليفه اللدود باسيل، وتالياً لن يجد الصهر من خيارات أمامه سوى الذهاب بعيداً في تأزيم الوضع لعله يطيح الاستحقاق الرئاسي وترحيل إنجازه خلال المهلة الدستورية، خصوصاً أنه يمتهن التعطيل بدءاً بتشكيل الحكومات منذ أول حكومة شُكلت العام 2008 وشارك فيها للمرة الأولى تياره.   
في أجواء التعطيل والمناورات والشحن، لا حكومة ميقاتية جديدة في الأفق، ولا يبدو ان رئيساً جديداً للجمهورية سينتخب، حتى الموعد الدستوري المحدد لخروج الرئيس الحالي من قصر بعبدا. 
قد يلتئم البرلمان اللبناني في شهر أيلول/سبتمبر المقبل، في أول جلسة إنتخابية رئاسية ضمن المهلة الدستورية، ومعظم التقديرات تشي بأن الجلسة الأولى ستكون مكتملة النصاب دستورياً (أي أكثر من الثلثين ـ 86 نائباً ـ سيشاركون فيها). ومجرد انعقادها يعني ان صفارة الانطلاق قد اطلقت، لكن لا تعني بالضرورة ان رئيساً جديداً سينتخب. فالمرشحون المتدوال أسماؤهم بشكل تلقائي للرئاسة: سليمان فرنجية، جبران باسيل، سمير جعجع، لن يتمكن أي منهم من حصد ثلثي الأصوات من الجلسة الأولى للفوز، وتالياً يصير رهان أيا منهم معقوداً على الجلسة الثانية، إذا توفر نصابها الدستوري، فيكون حصوله على 65 صوتاً (النصف +1) كافياً للفوز. وما ينطبق على فرنجية ينطبق أيضاً على ميشال معوض، اذا ما أراد جعجع ان يرشح  «زغرتاوي» مقابل «زغرتاوي»، لكن الأمر ليس سهلاً، طالما أن معادلة النصاب ستدفع بالجميع إلى مربع المرشح التوافقي. وعند سقوط مرشحي الصف الأول يتقدم لاعبو الاحتياط الى المقدمة ، وأبرز هؤلاء: أسماء وزراء سابقين منهم من تميز اثناء توليه المنصب ومنهم من أصاب النسيان اسمه، وتكرّ سبحة الأسماء: النائب نعمة افرام، جهاد ازعور، زياد بارود، ناصيف حتي أو شخصيات لبنانية لها امتدادات مهنية وعلاقات مع مؤسسات دولية: سمير عساف، سليم ميشال اده، ناجي ابي عاصي،  وقد يكون الفراغ هو الممر الإلزامي لشطب مرشحين وتقدّم مرشحين آخرين أبرزهم قائد الجيش أو احد لاعبي الاحتياط. بيدَ ان هؤلاء جميعاً يمنون أنفسهم بخيار التوافق الحتمي الذي سيجعل كل اللاعبين المحليين والخارجيين يختارون واحداً منهم..
وفي ظل عدم وضوح الرؤية داخلياً وانعدام التوافق، وغياب أكثرية واضحة في مجلس النواب قادرة على فرض رئيس، يصير التفاهم الخارجي هو المدخل الوحيد الى قصر بعبدا. والخارج في الحال اللبنانية لا يقتصر فقط على لاعبين رئيسيين يكفي ان يتفقا حتى يمر الاستحقاق بسلام. الخريطة اللبنانية المفتوحة على الخارج حالياً أشد تعقيداً، وتشابكاتها العربية والدولية متعرجة المسالك، فهي ليست معزولة عن الحرب على الغاز المفتوحة في شرق البحر المتوسط وما يرافقها من ألغام الترسيم الحدودي البحري والبري، وليست معزولة عن منزلقات الاتفاق النووي، ولا عن المحادثات الإيرانية السعودية، والمعنيون بهذه الملفات كثر : أوروبا ولاسيما الام الحنون فرنسا ثم الفاتيكان، اميركا وإسرائيل، ايران وسورية، السعودية والعرب. ومع احتدام التطورات ثمة فرضيتان واحدة للتسوية وواحدة لمزيد من التأزيم، والفرصتان متساويتان، والمشهد الرئاسي اللبناني يتأرجح بين كلتيهما وقد يجعل فخامة الفراغ المرشح الأول، لكن، هذا الانتظار ليس كغيره من الانتظارات الطويلة السابقة ـ فالإنتظار في ظل الانهيار العظيم ، سيجعل من عهد فخامة الفراغ أسوأ العهود التي عرفها الكيان منذ قيامه. 
«الاقتصاد والأعمال»