رشـاد الشـوا
يطلق بنك المياه الدولـي

25.08.2022
رشاد الشوا
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

حاوره وليد شميط 

الماء أساس الوجود وعماد حياة البشر، ولا غرابة في ظل ندرته وتزايد النمو السكاني ومعدلات الاستهلاك، أن يتحول إلى مادة استراتيجية وأحد مرادفات الأمن القومي ومحور أساسي من محاور الصراع الدولي منذ نهاية القرن الماضي، حتى أن البعض بات يتنبأ بنشوب حروب جديدة بين الدول سعياً إلى الماء في ظل شحّه وعدم ترشيد استهلاكه والتسابق المحموم على موارده. والمنطقة العربية، وبحسب لغة الأرقام، هي في قلب الأزمة. وتذهب استراتيجية الأمن المائي العربي إلى نتيجة مخيفة، وهي أنه في حال استمرار الوضع المائي والزراعي في الاقليم على ما عليه، ومن دون الأخذ في الاعتبار التأثيرات المحتملة لظاهرة تغير المناخ العالمي، يتوقع ألا تستطيع المنطقة العربية تأمين سوى ربع احتياجاتها من الماء والغذاء، ولأن أغلب المصادر الرئيسية للمياه ولاسيما في الدول العربية تشترك فيها بلدان عدة، ولأن الدول المتشاطئة غالباً لا توافق على الإجراءات التفاوضية الخاصة باقتسام الإمداد المتاح من المياه، فإن ذلك يعني زيادة الخلاف وربما إثارة الصراع وسيكون هذا الخطر شديداً بشكل خاص في المناطق التي ينخفض فيها هطول المطر، كما هي حال معظم الدول العربية المعتمدة على الأنهار كمصدر رئيسي للمياه (نهرا دجلة والفرات، نهر النيل، نهر الأردن) لتلبية حاجاتها الأساسية.

المصرفى الكويتي الدولي السابق، رشاد الشوا والذي شغل مناصب تنفيذية عليا في عدد من البنوك العالمية في سويسرا وبريطانيا لأكثر من 30 عاماً، كان سبّاقاً في التنبيه إلى المخاطر المستقبلية لضعف القدرة الذاتية العربية في توفير الأمن المائي لشعوبها بسبب تواضع الاستثمارات العربية وامتناع البنوك التجارية عن تمويلها، فأطلق فكرة إنشاء بنك دولي متخصص لتمويل قطاع المياه دولياً مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط، وتلقف البنك الدولي والمجلس العالمي للمياه الفكرة، وصارت دولية، بعد تقديمه لهذه المبادرة لمجموعة البنك الدولي في واشنطن والذي قام بدعمها لأهميتها الكبرى للعالم ولأهداف التنمية المستدامة. وكانت حصيلتها تأسيس «بنك دولي للمياه» وكذلك تأسيس الهيئة العليا للمياه نتيجة مبادرته الدولية برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي، واتخاذ هولندا مقراً وراعياً له. والمهمة الرئيسية لهذا البنك المساهمة في تقديم الحلول والتمويل لتوفير المياه للدول المحتاجة وكيفية العمل على تكريس إدارة حكيمة لمصادر المياه على المستوى الدولي ومشاركة القطاع الخاص من خلال خلق شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص على المستوى الدولي لتمويل والاستثمار في أهم قطاع للحياة والبقاء والتنمية المستدامة على مستوى العالم.

الشوا يرى أن الماء هو نفط القرن الواحد والعشرين ومن يملك مصادره ولديه اكتفاء ذاتي، فسيكون سيد قراره والمطمئن لمستقبل حياة المجتمع والاقتصاد والدولة في آن، ويتنبأ بأن حجم الاستثمار في قطاع المياه سيكون ضعفي حجم الاقتصاد العالمي بعد عشرين سنة، وسيكون الماء أثمن سلعة على الأرض تتداول في الأسواق العالمية، وقد كتب عنها مقالاً منذ ست سنوات وأصبحت حقيقة في سوق المال في شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية. «الاقتصاد والأعمال» أجرت مقابلة مع رشاد الشوا، نوردها هنا:

عملت في البنوك الدولية طيلة 31 عاماً، ومنذ عشر سنوات تركت هذا القطاع وترأست شركة متخصصة بإدارة مصادر المياه وتملّكها ونقلها في سويسرا. وجدت اليوم أن كل أنواع البنوك موجودة: البنوك التقليدية التجارية، الاستثمارية، الصناعية، الزراعية، العقارية، الإسلامية وغيرها، ولكن لا يوجد بنك متخصص في تمويل قطاع المياه ودعمه وتطويره، وهو أهم قطاع ليس فقط للحياة وإنما أيضاً للتنمية المستدامة، فوضعت تصوراً ورؤية لهذا البنك. بالطبع طرحت الموضوع على الأمين العام المساعد لشؤون البيئة والمياه في مجلس التعاون الخليجي بهدف أن يقوموا بتأسيس البنك واستضافته في إحدى دول مجلس التعاون، فوضعني على اتصال مع البنك الدولي، وأنا أشكره على هذه المبادرة.

المبادرة والبنك الدولي

للأسف أقول إن دولنا طاردة لمعظم المشاريع المهمة التي تلبي احتياجات أساسية في الحياة والوجود، ولماذا لا نكون المبادرين في ذلك وهذا سيعطينا تميزاً دولياً كبيراً. المهم أنني بدأت المبادرة مع البنك الدولي وأنا أفتخر وأعتز، كإنسان عربي أنني كنت الشخص الوحيد في العالم الذي وافق البنك الدولي، وهو أكبر مؤسسة مالية في العالم ويتعامل مع حكومات فقط، على دعم هذه المبادرة نظراً الى أهميتها الكبيرة في تمويل قطاع المياه. وبعد تقييمه للمبادرة شكّل البنك في واشنطن مجلس إدارة استشارياً لدعم هذا المشروع الكبير برئاستهم وعينت نائباً للرئيس وذلك للإشراف على دراسة الجدوى الاقتصادية ووضع هيكلة البنك، واختاروا هولندا مقراً له، وذلك لأسباب عدة أهمها أن ملك البلاد نفسه يهتم جداً بقطاع المياه، وكذلك نظراً الى توفر الحوكمة والشفافية والخبرة الكبيرة في مجال قطاع المياه. ومن أسباب اختيار هولندا أيضاً متطلبات رأس المال، فلكي تؤسس بنكاً استثمارياً في كثير من دول العالم يصل رأس المال المطلوب إلى 50 مليون دولار، بينما في هولندا هو خمسة ملايين يورو. وبعد إتمام الإشراف على دراسة الجدوى الاقتصادية في هذا المجال والتي استغرقت 18 شهراً، بدأت مراحل التأسيس الرسمي حسب متطلبات البنك المركزي في هولندا، وأسسنا الشركة القابضة كشركة مساهمة عامة لتملك وتأسيس البنك حالياً، كما شكلنا مجلساً دولياً يتألف من شخصيات معروفة خبيرة في مجال المياه وتمويل قطاع المياه وفي مجال البنوك أيضاً. الآن وقد انتهينا من وضع كل الملفات والسياسات التي سنقدمها للبنك المركزي الهولندي، بدأنا بدعوة المؤسسين للدخول في رأس مال البنك الذي يبلغ في المرحلة الأولى مئة مليون يورو، كما وضعنا خطة يرتفع بموجبها رأس مال البنك خلال ثماني سنوات ليصل إلى نحو خمسة مليارات يورو، وذلك بغية تأمين تواجد قوي على الساحة الدولية، خصوصاً أن المطلوب لقطاع المياه عالمياً من الآن إلى العام 2050 مبلغ لا يقل عن 22 تريليون دولار. طبعاً هذا مبلغ كبير جداً لا يستطيع أن يؤمنه لا بنك المياه ولا البنك الدولي، لكننا نحن سنساعد كثيراً على تطوير هذا القطاع وعلى خلق شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، وخلق بنية أو منصة لاستقطاب الأموال الكبيرة الموجودة حالياً لدى القطاع الخاص الذي كان يفتقر إلى منصة مناسبة لاستقطاب هذا الاستثمار، «بنك المياه الدولي»، الذي سيوفر هذه المنصة للتمويل.

إنه مشروع طموح وفي غاية الأهمية من دون أدنى شك وخصوصاً في العالم العربي الذي يعاني، كما ذكرت، من شحّ أو نقص في مصادر المياه على الرغم من وجود موارد مائية كبيرة في المنطقة التي عانت من حروب عدة بسبب المياه وثمة من يتحدث إليهم عن حروب جديدة ستقع بسبب النقص في المياه. ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه البنك في هذا المجال؟

- طبعاً، إذا لم نصل إلى اتفاقات عادلة بشكل منظم ستنشب حروب، ولكن في واقع الأمر الحروب قد وقعت وأكبر مثال على ذلك هي إسرائيل. على باب الكنيسيت في اسرائيل رفعوا شعار «حدودك يا اسرائيل من الفرات إلى النيل». لم يقولوا من العراق إلى مصر. ووضعوا على العلم الإسرائيلي خطين باللون الأزرق إشارة إلى المياه، وسبق لإسرائيل أن خاضت حروباً بسبب المياه، في احتلال مرتفعات الجولان السورية الغنية في جوفها بكميات هائلة من المياه، وفي لبنان طمعاً بمياه نهري الليطاني والعاصي، وفي الأردن في تحويلها إلى نهر الأردن، وكذلك في الوصول حتى نهر النيل.

الحروب موجودة اليوم، وكذلك التوتر السياسي الكبير الذي كاد يؤدي إلى نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا.

سوء الإدارة

وقعت حروب ويمكن أن يقع غيرها، المشكلة باقية في عالم اليوم.

- صحيح المشكلة مستمرة وأنا أطلق عليها مشكلة المثلث، إذ إنها ناتجة عن ثلاثة عوامل رئيسية أولها سوء إدارة مصادر المياه والنقص في الموارد المالية لتمويل هذا القطاع الحيوي المهم والسياسة. ثمة أمثلة كثيرة عن سوء إدارة مصادر المياه، أكتفي منها بمثلين: الأول إثيوبيا، وهي إحدى الدول التي ينبع منها نهر النيل. في الجنوب والجنوب الشرقي هناك كميات هائلة من المياه، ولكن في الغرب لا يزال الناس يحملون الغالونات ويسيرون 10 أو 15 كليو متراً لكي يملؤوها بالمياه ثم يعودون إلى بيوتهم. هذا مثال على سوء إدارة مصادر المياه. في لبنان يهدر سنوياً ما لا يقل عن مليار و 250 مليون متر مكعب من المياه في البحر، وتتوفر في لبنان أيضاً مصادر مائية حتى في أعماق البحر قريبة من السواحل اللبنانية. إنها هدية من رب العالمين يمكن أن توفر للبنان الكثير مما يحتاجه من مياه وتعود عليه بموارد مالية من خلال بيع المياه لدول مجاورة، وهذا دليل على سوء إدارة مصادر المياه.

لا أريد أن أدخل في صلب الموضوع ومشاكله، فالكل يعرف الأسباب والحلول موجودة ولكننا نفتقر إلى القرارات والتنفيذ والرؤية الاستراتيجية.

هناك أيضاً نقص التمويل في هذا المجال. لا يوجد اليوم منصة حقيقية لاستقطاب الأموال. لا بدّ من إرساء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص.

اليوم، وبكل أسف، القادة يفتقرون إلى المعلومات الكافية عن حجم هذا الموضوع بتفاصيله وخطورته، وهناك تعتيم تتعمده مجموعات معينة بهدف حجب الصورة الحقيقية لواقع الحال. مثلاً يقولون إن كل الأمور بخير وهي في الحقيقة ليست بخير. لا بد اليوم من مشاركة أصحاب القرار واتخاذ القرارات المناسبة في هذا الشأن.

«بنك المياه الدولي»

ماذا عن البنك الدولي؟

في البنك الدولي 181 مساهماً يمثلون دول العالم. كيف يمكن التوفيق بين هذه الدول واتخاذ قرارات مناسبة بوجود هذا العدد الكبير من المساهمين! ثم إن أكبر المساهمين، وهي الولايات المتحدة الأميركية، تربط مسألة التمويل باستجابة دول معنية بمتطلبات أو قرارات سياسية يطلب منها تنفيذها، وإذا لم يتم التنفيذ يُلغى المشروع أو يتم تأجيله.

واضح أن ثمة عوامل سياسية تلعب دورها في البنك الدولي، ماذا عن مثل هذه العوامل في «بنك المياه الدولي»، علماً أنكم أكدتم أكثر من مرة على «نفي الهوية السياسية للبنك»؟

- «بنك المياه الدولي» بنك مستقل تماماً ولا يخضع لأي تأثير سياسي أو استثماري من أي جهة كانت. إن من يمول مشاريع المياه في العالم اليوم، جهتين: البنوك، وفي مقدمها البنك الدولي، البنك الإسلامي، البنك الأوروبي للتنمية وغيرها من المؤسسات الدولية، فضلاً عن القطاع المصرفي أي البنوك التجارية والاستثمارية ولكن كلها تمارس عدداً كبيراً من الأعمال الأخرى بحيث إن حجم تمويل مشاريع المياه لا يمثل إلا جزءاً بسيطاً من أعمالها الأساسية، لذلك فإن «بنك المياه الدولي» سيكون مخصصاً مئة في المئة في هذا المجال وهدفه هو توفير عائدات مجدية للمساهمين وللمستثمرين، مع الأخذ في الاعتبار وهذا هدف رئيسي لتأسيس البنك، المسؤولية الاجتماعية وتوفير المياه للجميع وإيجاد الحلول المناسبة في كافة المجالات بحيث يكون المرجع الأساسي في العالم لتمويل قطاع المياه على المستوى الدولي.

أهمية المبادرة

حازت هذه المبادرة على دعم البنك الدولي الذي يتعامل مع دول وليس مع أفراد. كيف تفسرون هذا؟

- التفسير بسيط جداً: أهمية الموضوع والتصور المبني عليه جعلا البنك الدولي يبادر ويتفاعل، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون شكرني على هذه المبادرة والمشروع العظيم، وأنا أفخر بأن أعلى سلطة مائية في العالم نشأت بعد تقديمي لهذه المبادرة وهي «الهيئة العليا للمياه» التي يرأسها أمين عام الأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي ويشارك فيها عشرة رؤساء دول. أنا أفخر أيضاً بهذا الأمر بأنني الشخص الوحيد في العالم الذي قامت أكبر مؤسسة مالية في العالم بدعم مبادرته ومبادرة تأسيس أول بنك استثماري في العالم لتمويل قطاع المياه لأهميته الكبرى، لأن المياه هي العمود الفقري للتنمية المستدامة. أعطيك مثلاً على ذلك: ألمانيا واليابان دمرتا في الحرب العالمية، وبعد 20 سنة أصبحتا القوة الاقتصادية الثانية والثالثة في العالم، علماً أنه لا يوجد لديهم لا نفط ولا غاز، ولكن عندهم المياه.

لماذا أفريقيا متأخرة؟ لأن 40 في المئة من الناتج القومي عندهم يصرف على معالجة الأطفال الذين يعانون على كافة المستويات من الأمراض الناتجة عن تلوث المياه. الأطفال والشباب هم عماد البلاد، وإذا كانوا يعانون من الأمراض فالدولة أيضاً تعاني بالتالي من جراء هذا الأمر ولن تتطور.

تكوين رأس المال

أثارت مبادرتكم في تأسيس هذا البنك اهتماماً واسعاً. رأس مال البنك في المرحلة الأولى هو مئة مليون يورو وتسعون إلى أن يصل في غضون سنوات عدة إلى خمسة مليارات يورو. كيف السبيل إلى ذلك؟

- أنا متفائل جداً، وأعطيك السبب: المرحلة الأولى مئة مليون يورو، وهي مرحلة التأسيس وتستغرق نحو سبعة أشهر. قمنا خلالها بإنهاء وتحضير كافة المستندات والملفات لتقديمها للبنك المركزي الهولندي، وبعد التأسيس سنذهب بالطبع إلى الإكتتاب في المرحلة الأولى إلى مليار يورو، ثم سيتم تسجيل البنك في إحدى البورصات العالمية الكبرى. بعد ذلك سنعمل على رفع رأس المال تدريجياً على مرحلتين بحيث يصل إلى خمسة مليارات خلال ثماني سنوات بعد تأسيسه. أعطيك مثلاً على أسباب تفاؤلي، أنظر حولك اليوم تجد عدداً من الشركات الكبرى مثل «فيس بوك» التي تصل قيمتها السوقية إلى 650 مليار دولار، وأبل APPLE، وهي الشركة الأولى في العالم، تصل قيمتها إلى 2,4 تريليون دولار، وتأتي بعدها أرامكو السعودية. وأنا أتساءل: إذا توقفت شركة «فيس بوك» عن العمل ماذا سيحدث؟ لا شيء. ولكن هل يستطيع أحد البقاء 72 ساعة من دون ماء!! هذا القطاع مهمل وحان الوقت للاهتمام به لأنه أساس الحياة والتنمية المستدامة وإن لم نقم بذلك فالكارثة مقبلة لا محالة.

اليوم المياه التي هي أهم شيء في الحياة لا قيمة لها؟ نحن نتعامل مع المياه كموضوع ثانوي، فالمياه عندنا هي فقط للشرب والزراعة والطبخ. نحن للأسف لا نعرف قيمة المياه كما يجب. لذلك أنا متفائل وهذه طبيعتي دائماً في الحياة، خصوصاً أن حجم الأموال المطلوبة لقطاع المياه دولياً، أي لكل شبكات المياه ومشاريع التحلية والسدود والصرف الصحي، من اليوم ولغاية العام 2050، هو 22 تريليون دولار. وهو مبلغ هائل، طبعاً لا نحن ولا البنك الدولي يمكنه أن يغطي هذا المبلغ. «بنك المياه الدولي» سيكون المرجع الأساسي لأي تمويل مطلوب في قطاع المياه.

الدول العربية في خطر

طموحاتكم كبيرة جداً. في ضوء اتصالاتكم مع رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء للمياه مع الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية المعنية، ومنها البلدان العربية، ما هي في تقديركم فرص النجاح في تحقيق هذه الطموحات؟

- كما سبق وذكرت المشكلة تكمن في ما أسميته المثلث: سوء إدارة مصادر المياه، النقص في التمويل والسياسة. المياه متوفرة بكميات هائلة في العالم، إذ يهطل على الكرة الأرضية في الثانية الواحدة ما لا يقل عن 16 مليون طن من المطر، ثلثه يتبخر وثلثه الآخر يتساقط على الأرض والثلث الأخير يذهب في باطن الأرض وهذا قائم منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى هذه الأرض ولغاية نهاية الحياة، فهذه الموارد تعاني من سوء الإدارة. نحو 80 في المئة من مصادر المياه في العالم العربي نابعة من بلدان أخرى وليس من بلداننا، وهذا يشكل خطراً كبيراً. الدول العربية كلها ستعاني من أزمة مياه وخصوصاً، بكل اسف، بلدان مجلس التعاون الخليجي. اعتماد هذه البلدان على تحلية المياه فحسب من دون وجود مصادر أخرى لدعم هذه العملية، يشكل خطراً كبيراً. كنت قد تقدمت بمنظومة مائية لدولة الكويت وللأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، وتلقيت أجوبة إيجابية تؤكد على أهمية المشروع. إذا كان المشروع مهماً لماذا لا تقوم الجهات الرسمية المعنية بخطوات عملية فعالة في هذا المجال الخطير والحيوي؟ الناس يمكن أن يقبلوا بكل شيء من حكومات بلادهم ومن سوء إدارة الخدمات وغيرهما، لكن أن لا تقوم بتوفير المياه لهم فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة جداً، لذلك طلبت وأطلب من أصحاب القرار في جميع بلداننا العربية الإلتفات إلى هذا الموضوع بشكل حيوي وسريع لأنهم للأسف، يفتقرون إلى الصورة الكاملة. هناك تعتيم تام حول الموضوع من قبل بعض المستفيدين والذين يعملون، للأسف، على إبقاء الحال على وضعه لأن الاستفادة المادية بالنسبة لهم أهم من مصير البلد. وقد واجهت هذا الأمر في بلدي الكويت وللأسف الشديد هو موجود في عدد كبير من الدول العربية وغيرها. هناك تعتيم أو عدم إطلاع مباشر من أصحاب القرار في السلطات العليا على واقع الحال، لأن المسألة لا تشكل أولوية لهم.

خيبة أمل

واضح أنكم تشعرون بخيبة أمل كبيرة..

- صحيح، وأقول دائماً في المؤتمرات الدولية التي أشارك فيها: إننا جميعاً نعرف الحقائق والأرقام والمعلومات، ولا داعي للتكرار. المطلوب عمل جدي على أرض الواقع ولو بالقليل، ولكن لنفعل شيئاً ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة. وهذا ما حصل مع إنشاء «بنك المياه الدولي». عندما يُذكر هذا البنك في المؤتمرات والندوات الدولية التي أشارك فيها، لا تتصور مدى اهتمام الخبراء الضالعين والمعنيين بالأمر، حتى أن رئيس دائرة المياه في البنك الدولي قال لي مرة: «أنت فتحت أعيننا على أمر لم نكن نراه». طبعاً وبكل تواضع من أكون أنا مقارنة بالبنك الدولي لأفتح أعينهم على أمر بهذه الأهمية، والأكيد أن السبب في ذلك يعود لإنشغال البنك الدولي في أعماله بأمور أخرى كثيرة غير المياه.

ماذا عن أصحاب الأموال والمصارف والمؤسسات المالية؟

- هذه الجهات تتجنب إنشاء بنك للمياه لأن هذا يتطلب حوكمة كبيرة وشفافية وما الخطأ في ذلك!! اختاروا للأسف أقصر الطرق والإكتفاء بتأسيس صناديق استثمارية للمياه لتحقيق عوائد مالية من دون أي دور فعال في قطاع المياه، أي أنهم اختاروا جمع المال من المستثمرين لاستثماره من خلال هذا الصندوق في شراء أسهم للشركات المائية، والاستثمار في هذه الشركات، وانتظار ما تحققه آخر السنة من أرباح للمساهمين. وللأسف، من يعمل في هذه الصناديق ليست لهم أية دراية حقيقية في قطاع المياه، وتطوير هذا القطاع همهم الأخير، ولكن تحقيق الأموال هو هدفهم وهمهم الأول. نحن الآن أمام تحد كبير وكارثة مقبلة ستؤثر علينا وعلى الأجيال من بعدنا.

استقلالية البنك

أكدتم في أكثر من مناسبة على «نفي الهوية السياسية لبنك المياه الدولي»؟

- لأننا نريده أن يكون مستقلاً فعلاً لا يتبع لأي دولة أو جهة أو مؤسسة أو بنك، فالمساهمون من القطاع الخاص. إذا نظرت مثلاً إلى البنك الدولي ماذا ترى؟ هناك 181 دولة مساهمة فيه. يمكن لنا أن نتخيل مدى صعوبة التوصل إلى اتخاذ قرارات حول مشاريع وسياسات معنية بوجود مثل هذا العدد الكبير من المساهمين مع تضارب المصالح. نحن في «بنك المياه الدولي» بعيدون تماماً عن السياسة وما يهمنا هو المساعدة على توفير المياه وإيجاد الحلول المناسبة والتمويل بطرق حديثة جداً غير تقليدية وسنراها عند التأسيس الرسمي المتوقع بأقصى تقدير في الربع الثاني من العام 2023.ولا يسعني في نهاية الأمر إلا أن أطلب من الجميع، وخصوصاً من المسؤولين وأصحاب القرار في عالمنا العربي، التفاعل والاهتمام بجدية بموضوع المياه وتوفير الموارد المالية لأنه سيشكل خطراً دائماً، وإذا لم نقم اليوم وليس غداً بالإجراءات الضرورية المناسبة، سنواجه كارثة كبرى في بلداننا العربية وبالأخص في دول الخليج التي تعتمد فقط على تحلية المياه من دون الأخذ في الاعتبار أهمية التنويع في مصادر المياه والذي قدمت في شأنه منظومة كاملة لدول مجلس التعاون، ولكن للأسف لم ألق التفاعل الحقيقي والعملي الاستراتيجي المطلوب في هذا الشأن، وهذا ما دفعني إلى التوجة دولياً، وقد وجدت ترحيباً وتقديراً على كافة المستويات، وهذا ما نفتقر إليه، وبكل أسف، في عالمنا العربي.

نحن الآن في المرحلة الأخيرة من تأسيس البنك، وقد تأخرنا نسبياً بسبب جائحة كورونا وأنا فخور بهذا الإنجاز. واجهتني عقبات وتحديات كثيرة صحيح، ولكنني تغلبت عليها وتجاوزتها جميعاً. الإصرار والعمل الجاد والحقيقي هما ما قمت وما أقوم بهما ومعي فريق عمل من الخبراء والمستشارين الماليين والقانونيين الدوليين الذين يعملون معي ليلاً نهاراً لتحقيق هذا الأمر الذي سيفخر به الجميع، وستكون فائدته للعالم أجمع ولعالمنا العربي بالدرجة الأولى في حال تفاعلوا معنا وعملوا بصدق وإخلاص لمصلحة بلادهم وشعوبهم.

وماذا عن الجدوى الاقتصادية للبنك وللمؤسسين والمساهمين؟

- في البداية، أريد أن أذكر شياً مهماً وهو أنه كون أكبر مؤسسة مالية في العالم وهي مجموعة البنك الدولي تقوم بدعم مبادرة بهذا الشأن وهي مبادرة فردية وليست حكومية، فهذه إشارة كبرى إلى أهمية هذا الأمر من الناحية الاقتصادية أولاً ومن الناحية الواقعية ثانياً في أنه أفضل مشروع تمّ تقديمه على الساحة الدولية لدعم وتطوير قطاع المياه عالمياً.

أما بشأن العوائد الاستثمارية للمؤسسين والمساهمين في البنك فهي ستكون بمعدل يتراوح ما بين 12 و 15  في المئة كمعدل عائد على الاستثمار ناتج من العوائد التي سيحققها البنك مباشرة أو من خلال صندوق بنك المياه الدولي والذي تمّ تأسيسه في لوكسمبورغ، وسيكون كل مشروع للمياه تحت صندوق مستقل ومنفصل تحت الصندوق الرئيسي وهو صندوق بنك المياه الدولي (IWB Fund).

ما يميز بنك المياه الدولي عن غيره (وهذا سينعكس إيجاباً على الفوائد الاستثمارية للمساهمين) بأن البنوك التجارية والاستثمارية تقوم فقط بتقديم التمويل لأي مشروع عند وصوله للمرحلة النهائية وهو الإغلاق المالي أو ما يسمى (Financial Closing) أي أنهم لا يقومون بأخذ المشروع منذ بدايته وعمل كل ما يلزم ووضع هيكلية المشروع من جميع النواحي الفنية والتجارية والمالية وهو ما يسمى بالإغلاق التجاري (Commercial Closing).

وهذا ما يفتقر إليه قطاع المياه دولياً لعدم وجود هذه الهيكلة في عملية التمويل لمشاريع المياه، هذا بالإضافة إلى أن البنك سيقوم بإصدار سندات لتمويل مشاريع المياه وكذلك وضع استراتيجية وهندسة مالية حديثة ومختلفة وغير تقليدية لتمويل مشاريع المياه ودعم التكنولوجيا والإبتكار والمشاريع الصغيرة والتي بمجموعها ستكون لها عوائد مجزية للمساهمين والمستثمرين، والأهم من ذلك كله أنه سيقوم بدعم وتطوير هذا القطاع الحيوي والذي هو أساس الحياة والوجود. وسيخلق بنك المياه الدولي فرصة كبيرة للمستثمرين في تحقيق عوائد مالية من تنوع قطاعات الاستثمار في مجال المياه على المستوى الإقليمي والدولي والأهم من ذلك كله فإن أي مؤسس مساهم في البنك سيكون له إرث

حقيقي (Legacy) في كونه أحد المؤسسين لأول بنك للمياه في العالم، وهذه في حد ذاتها ميزة لا تقاس بالمال لأن هؤلاء هم من أسس هذا الصرح الدولي المميز.