البحث والتطوير عماد محركات التحوّل الاقتصادي
في منطقة الشرق الأوسط

21.07.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
دبي – إياد ديراني
يُجمع الخبراء خلال الحقبة الرقمية الحالية، على أن منظومة البحث والتطوير باتت تمثل أحد المقومات الرئيسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والانتقال إلى اقتصاد رقمي تنافسي مستدام قائم على المعرفة. وتساعد الاستثمارات في هذا المجال على دفع عجلة الأعمال من خلال تطوير منتجات وخدمات جديدة لمختلف القطاعات والصناعات وتوفير فرص العمل وتلبية احتياجات مستقبل المجتمعات والدول.
 
لذلك اتخذت العديد من حكومات دول المنطقة خطوات جادة لإدخال نهج الابتكار في خططها ورؤاها الوطنية للدفع بالنمو الاجتماعي والاقتصادي قدماً. وعلى سبيل المثال، أطلقت دولة الإمارات في عام 2021 سياسة حوكمة البحث والتطوير التي أدت لإنشاء مجلس الإمارات للبحث والتطوير. كما تم إطلاق الدليل الوطني لقياس الإنفاق على البحث والتطوير في القطاع الحكومي، إضافة إلى تأسيس مركز أبحاث التقنيات المتطورة. وفي المملكة العربية السعودية، تستهدف رؤية 2030 وجود ما لا يقل عن 5 جامعات سعوديّة ضمن أفضل 200 جامعة في التصنيف العالمي، لذلك فإن التركيز على البحث والتطوير يمثل مرتكزاً رئيسياً لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية. 
 

الابتكار التكنولوجي 

ولعل أهم محاور البحث والتطوير اليوم هو الابتكار التكنولوجي الذي يمهد الطريق لتطور قطاع تقنية المعلومات والاتصالات الذي يعتبر نجاحه منطلقاً رئيسياً لدفع عجلة التحول الرقمي ومعالجة التحديات الاجتماعية ودعم التعافي الاقتصادي والارتقاء بالتنافسية التجارية وتطوير قنوات جديدة لإيرادات الأعمال ومستوى جديداً من الخدمات العصرية.
 
ويمكن لدول المنطقة الاستفادة من تجربة الصين التي تعتبر مثالاً يحتذى به في هذا المجال، إذ نجحت بالتحول من مجرد دولة صناعية إلى قوة اقتصادية عظمى قائمة على الابتكار، حيث ارتقت هذه الدولة الآسيوية المتسارعة النمو بتصنيفها في مؤشر الابتكار العالمي من المركز 29 في عام 2015 لتحل في المرتبة 14 في عام 2020، وتبوأت المركز الأول في تسجيل براءات الاختراع خلال الفترة نفسها بعدما كانت في المركز الرابع. وفي مجال الابتكار التقني، برز الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس ضمن أولويات البحث والتطوير التقني واستراتيجية  الصين المستقبلية.
 
نجحت الصين بالتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية في مجال بحوث الذكاء الاصطناعي. وينشر الباحثون الصينيون عدداً كبيراً من الأوراق البحثية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ويسجلون براءات اختراع أكثر من نظرائهم الأمريكيين، وباتت الصين تقف على أعتاب التفوق وريادة الأعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعي. كما استأثرت بنحو خمس حجم تمويل الاستثمارات الخاصة العالمي في عام 2021، واستقطبت ما يقدر بنحو 18 مليار دولار على مستوى الشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي.
 

من الجيل الخامس 

إلى السادس

في تقنيات الجيل الخامس، تهيمن الصين على هذه التقنيات حجماً وابتكاراً. فقد نجحت بتأسيس أوسع بنية تحتية لشبكات الجيل الخامس وتأسيس محطات أرضية لها خلال عام 2021، ما يشكل أكثر من 60 في المئة من الإجمالي العالمي. وبفضل هذه الاستثمارات، بات مشغلو الشبكات الصينيون مدعومين بالموردين الصينيين رواداً في تطوير تقنيات الجيل الخامس عالمياً.
 
ويبدو أن الصين لن تقف عند نجاحاتها في تقنيات الجيل الخامس، بل يرجح أن تقود ثورة الجيل السادس حول العالم أيضا. فقد أعلنت عن استراتيجيتها لتقنيات الجيل السادس في عام 2019، في الوقت الذي كان فيه العالم يشهد بداية انتشار تقنيات الجيل الخامس. ويُظهر تقرير صادر عن وكالة نيكاي بأن الصين تصدرت القائمة بامتلاكها 40.6 في المئة من براءات اختراع الجيل السادس، متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك نسبة 35.2 في المئة فقط. وفي هذا المجال، أعلنت مؤسسة بربل ماونتن لابوراتوريز، المدعومة من الحكومة الصينية مطلع هذا العام عن نجاحها بتحقيق سرعة نقل بيانات لاسلكية عبر تقنيات الجيل السادس تصل إلى 206.25 جيغابت في الثانية للمرة الأولى ضمن بيئة اختبارية. 
 

نمو الخدمات السحابية 

واكب موردي التكنولوجيا الصينيين زخم الابتكار في البحث والتطوير وأهمها تقنيات الجيل الخامس، حيث تصدرت شركة هواوي الصينية السباق العالمي في هذا المجال. فخلال الفترة الممتدة من عام 2009 ولغاية 2013، استثمرت هواوي أكثر من 600 مليون دولار في بحوث تقنيات الجيل الخامس، وضخت استثمارات في تطوير منتجاتها خلال عامي 2017 و2018 قدرت بنحو 1.4 مليار دولار. ووصل حجم إنفاقها على البحث والتطوير في عام 2021 إلى 22.4 مليار دولار، ما يمثل 22.4 في المئة من إجمالي إيراداتها، وبلغ حجم إنفاقها على البحث والتطوير خلال السنوات العشر الأخيرة 132.5 مليار دولار. وتبوأت الشركة المرتبة الثانية في قائمة الاستثمار الصناعي في البحث والتطوير الصادرة عن الاتحاد الأوروبي لعام 2021، لتتفوق بذلك على كافة منافسيها الغربيين. وبلغ عدد موظفيها المتخصصين في البحث والتطوير 107 آلاف، ما يمثل 54.8 في المئة من إجمالي موظفيها. وتمتلك الشركة اليوم أحد أضخم محافظ براءات الاختراع حول العالم برصيد أكثر من 110 آلاف براءة اختراع نشطة.
 
هواوي مزود المعدات الوحيد الذي يقدم منتجات وحلول متكاملة من الجيل الخامس. وتم تصنيف محفظة منتجاتها وحلولها من شبكات الموجات الراديوية "ران" في مرتبة ريادية للعام الثالث على التوالي ضمن تقرير جلوبال داتا للنصف الثاني من عام 2021. وتولت الشركة في وقت مبكر من عام 2019 زمام المبادرة في مجال البحث والتطوير بتقنيات الجيل السادس، حيث أعلن رئيس مجلس إدارتها إريك زو العام الماضي أن الشركة تخطط لإطلاق شبكات الجيل السادس في عام 2030.
 
تستفيد هواوي اليوم من قدراتها في البحث والتطوير لتنويع أعمالها في وجه التحديات التي تعصف بها على ضوء محاربة أمريكا وعدد من دول الغرب لها،. فقد أطلقت أعمالها للطاقة الرقمية العام الماضي لتستهدف رقمنة قطاع الطاقة بتحقيق التكامل بين تقنيات الطاقة الإلكترونية والرقمية، وتطوير موارد الطاقة النظيفة واستشراف مستقبل أكثر استدامة له. وتعتبر أعمال السحابة الالكترونية من هواوي (هواوي كلاود) اليوم أسرع مزود للخدمات السحابية نمواً في العالم لكونها تمثل منصة رئيسية للشركات والمؤسسات المعتمدة على الإنترنت لدخول الفضاء الرقمي بقدرات سحابية فائقة. وعقب مرور خمس أعوام على تأسيسها، استقطبت "هواوي السحابية" 2.6 مليون مطور، و28 ألف شريك استشاري، و9 آلاف شريك تقني، وأطلق 6100 منتج في الأسواق. وفي منطقة الشرق الأوسط، تقدم "هواوي كلاود" أكثر من 220 خدمة سحابية، و19 مركز بيانات، بوجود أكثر من 200 شريك محلي، وقائمة متنامية تضم أكثر من 90 خدمة وحلاً لأسواق المنطقة. 
 
ودعماً للأنظمة السحابية في المنطقة، أعلنت "هواوي كلاود" عن إطلاق برنامج جديد لدعم الشركات الناشئة "سبارك"، يندرج ضمنه برنامج واحة هواوي السحابية الذي تم إطلاقه في شهر سبتمبر من عام 2021، حيث أعلنت الشركة عن خطتها لاستثمار 15 مليون دولار خلال ثلاث سنوات لتسريع وتيرة تطور شركات التقنية والأنظمة الإيكولوجية في الشرق الأوسط. وسيشهد "سبارك" تقديم التمويل إلى 50 شركة صغيرة ومتوسطة وتوفير التدريب السحابي وسيتلقى دعماً فنياً إضافياً من الخبراء لمساعدتها في تحويل أعمالها نحو البيئات السحابية وتطوير خدماتها الرقمية. 
 

دعم المطوّرين

ويعتبر المطورون من أبرز محفزات الابتكار المستمر في شركة هواوي، حيث أعلنت في عام 2019 عن استثمار 1.5 مليار دولار ضمن برنامج المطورين خلال خمس سنوات، لتدعم خمس ملايين مطور وتمكن الشركاء حول العالم من تطوير الجيل المقبل من التطبيقات والحلول الذكية. وأطلقت نسخة عام 2022 من مسابقة هواوي العالمية لابتكار التطبيقات Apps UP الشهر الماضي، استقطبت مشاركة حوالي 10 آلاف مطور. وتحت شعار #معاً_نبتكر، خصصت المسابقة جوائز بقيمة إجمالية تبلغ مليون دولار لتشجيع المطورين على بناء نظام إيكولوجي للتطبيقات. وشهدت نسخة العام الجاري من المسابقة إطلاق جائزة أفضل تطبيق عربي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لإثراء الابتكار في العالم العربي. وبوجود أكثر من 300 مليون متحدث باللغة العربية حول العالم، هنالك فرصة قيمة للمطورين لبناء حلول وتطبيقات مخصصة لسكان المنطقة العربية.
 
على ضوء الضغوط التي فرضتها الإجراءات الأمريكية بدوافع جيو-سياسية في وجه المنافسة المفتوحة، استجابت الصين وشركاتها المحلية للأوضاع المفاجئة وسعت لتحقيق الاكتفاء الذاتي التقني، لاسيما في مجال أشباه الموصلات التي تعتبر الصين أكبر مستورد لها حول العالم. وتستخدم الصين أشباه الموصلات في صناعاتها بدءاً من السيارات الكهربائية والهواتف الذكية إلى السلع الاستهلاكية الأخرى. ومع ذلك، شهد العام الماضي تقلص استيراد الدائرات المتكاملة، وانخفض الاستيراد بنسبة 9.6 في المئة في الربع الأول من عام 2022 مقارنة بالعام السابق، ووفقاً لبيانات الجمارك الصينية، بلغت نسبة خفض الاستيراد 33.6 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2021 بفضل جهود الصين وإصرارها على تبني نهج الاكتفاء الذاتي التقني.
 
لا شك أن الصين وشركاتها العملاقة كهواوي تعتبر مثالاً جيداً لدول المنطقة. الدول التي ستنجح في بناء نظام إيكولوجي للبحث والتطوير ستقود جهود الابتكار، وستتمكن من تأسيس اقتصادات أقوى واستشراف مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة لشعوبها. ولا شك أيضاً بأن جهود دول المنطقة لتطوير قدرات البحث والتطوير والارتقاء بمهارات جيل الشباب الابتكارية تعتبر حجر الأساس لمرحلة جديدة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية. رواد البحث والتطوير اليوم سيكونون قادة الغد المشرق، والمهم في الأمر أن تبقى التكنولوجيا بمنأى عن التموجات الجيوسياسية وتبقى الشراكات والمنافسة في مجال الابتكار حرة ومفتوحة أمام كافة اللاعبين بغض النظر عن جنسيتهم.