اليورو في أدنى مستوياته
الاقتصاد الاوروبي يئن تحت الاثقال

13.07.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

تراجعت قيمة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) لتتعادل مع الدولار الاميركي، في مستوى لم يُسجل منذ عام طرح اليورو للتداول قبل 20 عامًا، وذلك في ظل المخاطر الناجمة عن قطع إمدادات الغاز الروسي على الاقتصاد الأوروبي.

ويتأثر اليورو باحتمال انقطاع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا. ويتجنّب المستثمرون الأصول الخطرة ويفضّلون التداول بالدولار الذي ارتفع ليتساوى مع سعر صرف اليورو للمرة الاولى منذ عام 2002.

ويخيم القلق على الأسواق بسبب أزمة كبيرة في الطاقة في القارة العجوز، إذ تسري شكوك بشأن إذا ما كانت روسيا ستستأنف تسليم الغاز بعد تعليقه لإجراء أعمال صيانة في أنبوبَي غاز "نورد ستريم1". ويزيد هذا الوضع المخاوف من ركود في أوروبا.

وكانت مجموعة "غازبروم" الروسية العملاقة، بدأت الاثنين، فترة صيانة لأنبوب "نورد ستريم 1" تستمر 10 أيام. وتنتظر ألمانيا ودول أوروبية أخرى لمعرفة إذا ما كانت روسيا ستستأنف تسليم الغاز بعد هذه الفترة.

وعلى مايبدو فأن الأسواق استبقت الأحداث وأخذت قرارها، خصوصا أن وقف تسليم الغاز الروسي لأوروبا "سيسبب ركودًا في كل منطقة اليورو مع انكماش اقتصادي لثلاثة  فصول متتالية".

وكان وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير قد دعا إلى "الاستعداد للمعركة" للتعامل مع احتمال الخفض الكلي للإمدادات، قائلًا إنه "الاحتمال الأكثر ترجيحًا".

ويعتقد محللون أن فرضية الخفض الكلي للإمدادات "ستُعزّز الركود التضخّمي، المرتفع أصلًا، في أوروبا".

ويساهم ارتفاع أسعار الطاقة في زيادة التضخّم مع الدفع باتجاه ركود أو حتى انكماش اقتصاد منطقة اليورو. ولا يترك النمو البطيء مجالًا كبيرًا للبنك المركزي الأوروبي لرفع أسعار الفائدة.

ويلقي احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي أكثر حدة بظلال من الشك حول ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيكون قادرًا على تشديد السياسة النقدية بقوة كافية لكبح جماح التضخم المرتفع القياسي من دون تعميق الآلام الاقتصادية.

من الناحية العمليّة، يمكن تفسير ما يجري على مستوى سعر صرف اليورو بتقاطع عدّة عوامل في الوقت نفسه، أهمّها حصول الغزو الروسي لأوكرانيا، وتزامن الحرب مع ارتفاع الفوائد في الولايات المتحدة. أمّا خطورة ما يجري من ناحية انخفاض قيمة اليورو، على مستوى الأسواق المحليّة في أوروبا، فيكمن في أثر هذه التطوّرات على معدلات التضخّم، التي تسجّل أساسًا معدلات خطيرة. وبين أثر انخفاض قيمة اليورو، ومحدوديّة الخيارات أو المعالجات المتاحة في الوقت الراهن، يبدو البنك المركزي الأوروبي مكبّل اليدين، وهو ما دفع بعض المحللين إلى توقّع إمكانيّة بلوغ قيمة اليورو مستوى 90 سنتاً على المدى المتوسّط.

من شأن انزلاق اليورو أن يزيد من العبء على الأسر والشركات الأوروبية التي تعاني بالفعل من التضخم المرتفع إلى مستويات قياسية. ومن شأن ضعف اليورو أن يجعل الواردات، التي هي في الغالب بالدولار، أكثر تكلفة. وعندما تكون هذه المواد المستوردة مواد خام أو سلعا وسيطة، فإن تكاليفها المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى زيادة ارتفاع الأسعار المحلية.  

في الأوقات العادية، ينظر إلى العملة الضعيفة على أنها فأل حسن للمصدرين والاقتصادات الثقيلة التصدير مثل ألمانيا، لأن انخفاض العملة سيعزز من الصادرات بسبب أنها أصبحت أرخص، بيد أن هذه ليست أوقاتا طبيعية بفعل الاضطرابات التي تشهدها سلسلة التوريد العالمية والعقوبات والحرب في أوكرانيا.ونتيجة ارتفاع أسعار المحروقات ومصادر الطاقة، ونتيجة التضخّم العالمي في أسعار المواد الأوليّة، تعاني السوق الأوروبيّة أساسًا من معدلات تضخّم مرتفعة تجاوزت حدود 8.6 بالمئة لغاية شهر حزيران الماضي. وبينما يحاول البنك المركزي الأوروبي تخفيض معدّل التضخّم إلى حدود 2 بالمئة، سيؤدّي انخفاض قيمة اليورو إلى ارتفاع سريع في أسعار جميع السلع المستوردة، بل وأيضًا في أسعار المنتجات الأوروبيّة نتيجة ارتفاع كلفة استيراد المواد الأوليّة التي تدخل في عمليّة تصنيعها. وفي خلاصة الأمر، سيؤدّي تراجع قيمة اليورو إلى مفاقمة ظاهرة التضخّم التي تعاني منها أسواق أوروبا اليوم، ما سيعيق كل المحاولات التي يقوم بها البنك المركزي الأوروبي لضبط هذه الظاهرة.

أمّا أخطر ما في الامر، فهو ما يمكن أن ينتج عن تقاطع هذا التضخّم مع الركود الاقتصادي الحاصل اليوم، وهو ما سيضع السوق الأوروبيّة بأسرها في فخ الركود التضخّمي، أي الانكماش الاقتصادي الذي تصاحبه زيادة معتبرة في الأسعار وتقلص في معدلات الاستهلاك والإنفاق.