بلدية بيروت
أزمة مثلثة الأوجه

24.06.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

عشية أي استحقاق انتخابي، لاسيما أكان نيابيا او بلديا ، يعود الى الواجهة مطلب تقسيم بلدية بيروت الى بلديتين اواكثر . واخذ الجدل هذه المرة، بعدا سياسيا لاسيما انه جاء على لسان نائب القوات اللبنانية غسان حاصباني عن دائرة بيروت الأولى عندما غرد قائلا: "لا يمكن لأهل بيروت والدائرة الأولى أن يتحملوا هذا الكم من الاهمال في الطرقات والبنى التحتية والنفايات وغيرها من الملفات. جعلوا الدائرة الأولى "بورة" خلفية لبيروت لذا نطالب بمجلس بلدي محلي لبيروت الأولى". واكد حاصباني اكثر من مرة  أن ثمة غياباً تاماً للبلدية في دائرة بيروت الأولى وأكبر دليل انها لم تهتم إطلاقاً بعد انفجار المرفأ ومشدّداً ان الاستنسابية غير مقبولة”. وأضاف، “لم يكن هناك تنظيم للمساعدات الدولية التي وصلت الى بيروت بعيد الانفجار ولم يجر مسح للمنطقة المنكوبة إذ هناك مبان مهددة بالانهيار”.

اثار هذا الطرح ردود فعل متناقضة خصوصا ان ماقاله حاصباني هو لسان حال كل القوى السياسية الفاعلة في بيروت الأولى مثل التيار الوطني الحر والكتائب اللبنانية والطاشناق وحتى هيئات المجتمع المدني . البعض ايده ورأى فيه حلا لتفشي الازمات في بلدية بيروت وفرصة لاحياء المدينة وبث روح التنافسية الإيجابية بين احيائها وتعويض بيروت عما تتعرض اليه .البعض الأخرى لاحظ فيه منطقا تقسيميا يمثل عودة مرفوضة الى زمن الحرب الاهلية والاقتتال الداخلي وعودة لمفردات سيئة الذكر مثل بيروت الغربية وبيروت الشرقية. البعض الثالث وجد في هذه الدعوة مناسبة لاعادة النظر في الوضع البلدي لبلدية بيروت برمته  حيث لايختلف اثنان على أن ثمة غياباً تاماً للبلدية بسلطتيها التشريعية والتنفيذية عن المشهد العام في العاصمة بيروت. لذا عندما يطرح التقسيم فان ذلك يعكس شعوراً لدى شرائح واسعة من المجتمع البيروتي بالنقمة تجاه كل من محافظة بيروت والمجلس البلدي، لاهمالهما حاجات المدينة وأهلها وابداء المحسوبية على المصلحة العامة والتمييز بين حي واخر.

وترافق هذا الجدل مع اعلان عدد من أعضاء المجلس البلدي لاسيما من ممثلي الطوائف المسيحية استقالاتهم، بعضهم لاسباب شخصية وبعضهم احتجاجا على إجراءات بلدية لاسيما في منطقتي المدور والكرنتينا.

وفي أي حال فان ما يجري في أروقة المجلس يسلط الضوء على الوضع المزري في البلدية والدور المفترض الذي يتعين عليها القيام به لتطوير العاصمة وانمائها وتكريس مكانتها جوهرة المدن في شرق المتوسط.

وبالفعل فان المدينة تعاني منذ سنوات انهيارا في مرافقها ومؤسساها وموازنتها، ولم تبذل البلدية أي جهد جدي في سبيل الحد من معاناة أهلها والسكان. فالمشاريع معدومة والإنارة مقطوعة والنفايات متراكمة والحفر تتفوق على الزفت في الطرق في حين ان المرافق الباقية زفت بزفت. اما لجنة المناقصات التي صرفت ملايين الدولارات هباء لم تصرف جهدا صغيرا بالتفكير في التنمية المستدامة ورعاية سكان المدينة في الظروف الكارثية التي يعيشونها.

واذا كان البعض يطمح من وراء التقسيم ، الى انشاء بلدية صغيرة نسبيا في دائرة بيروت الأولى تستفيد ماديا من وجود المرفأ في نطاقها البلدي ومساحات شاسعة تملكها البلدية في المنطقة المحيطة بهذا المرفق الحيوي ما يبشر ببحبوبة لسكان المناطق الجاورة ، فان السؤال الذي يطرح كيف يمكن تقسيم بيروت إلى منطقتين أساساً في ظل المناطق المتداخلة والمشتركة، فهل سيصبح نصف الشارع في بيروت الأولى ونصفه الثاني في بيروت الثانية؟ مثلًا شارع كورنيش المزرعة يمتد إلى منطقة بدارو وجسر العدلية، ويتصل ايضا بمنطقة الأشرفية فكيف يمكن التقسيم بهذه الحالة؟ وكيف يمكن تقسيم المجارير وانابيب جر الماء والكهرباء وما الى ذلك؟

لذا فان معالجة الوضع السيئ الذي تمرُّ به العاصمة لا يكون عبر تقسيمها، بل المطلوب انتخابات غير معلبة تاتي بوجوه كفؤة وشفافة وجريئة تحل محل  الطاقم الحالي الذي اثبت فشله وعجزه، عن تقديم للمدينة ما يحتاجه أهلها. وما يعانيه سكان الاشرفية والرميل والمدور والكرنتينا هو هو ما يعانيه سكان المزرعة والمصيطبة ورأس بيروت وزقا ق البلاط وحتى الوسط.  ولعل الأهم من الانتخابات هو الدفع في اتجاه إعادة النظر في القوانين المجحفة بحق البلديات ولاسيما بلدية بيروت وترسيم المسؤوليات بدقة بين المجلس البلدي المنتخب ديموقراطيا من الناس وبين المحافظ المعين بصفة موظف مسؤول من اجل عدم الخلط بين المهمتين وتضييع المسؤولية الحقيقية عند التفصير. اما الفيصل فهو تفعيل نظام المراقبة والمحاسبة والشفافية وجعل اعلاء شان بيروت قبل أي مهمة أخرى فهي العاصمة وهي قلب لبنان وان ضعف القلب ذبلت الأطراف.