"حفار كاريش"
انذار حرب ام تمهيد لتسوية؟

08.06.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

تصدر ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الواجهة في ظل التداعيات الساخنة التي اطلقها وصول وحدة التنقيب والحفر والإنتاج اليونانية "انيرجان باور" الى حقل كاريش المتنازع عليه، وتفاعلها اقله على الصعيد الديبلوماسي حتى الان.

وزاد هذا التصعيد من حالة الإرباك لدى أهل السلطة في لبنان الغارقين في المناكفات السياسية. ولعل اكثر المستهدفين بالمواقف التي تصاعدت مع وصول الحفار "اليوناني"  الى الحقل الغازي ، هو الدولة اللبنانية التي استفادت إسرائيل من حالة الارباك السياسي الموجود فيها وعدم قدرتها على اتخاذ قرار حاسم وموثوق به في شأن حقوق لبنان البحرية ، للبدء باولى خطوات استخراج الغاز الذي صار مادة مطلوبة اميركياً واوروبياً بإلحاح في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

 لكن النصيب الاكبر من السهام السياسية طال رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كرر في حديثين اعلاميين على الاقل بعد زيارة الوسيط الاميركي لترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل عاموس هوكشتين لبنان :"ان النقطة 29 كانت خط تفاوض وليست خط حدودنا البحرية . وهذا ليس تنازلاً كما قال بل حقنا الحقيقي والفعلي وتعديل المرسوم 6433 لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة . وهذا هو خط تفاوضنا الذي نتمسك به " مضيفاً " الموقف الرسمي اللبناني واضح، النقطة 29 كانت خط تفاوض وليست خط حدودنا البحرية. البعض طرح هذا الخط من دون حجج برهنته ". ويقول " لدينا حوض غاز ونفط يتداخل مع اسرائيل هو حوض قانا يصير التفاوض عليه في الوقت الحاضر (لم يقل حقل كاريش ولم يأت على ذكره) ".

لكن هذه المواقف لم تحل دون اعلان الاستنفار اللبناني الرسمي، لمواجهة المستجد البحري. وهذا المستجد يوجب ان يشكّل نقطة جامعة للبنانيين للدفاع عن سيادتهم وثروتهم البحرية، ولعلّ أولى الطرق المؤدية الى ذلك، هو ان تخرج كل الاطراف من خلف متاريسها السياسية وتتشارك في تشكيل حكومة تكون في صدارة مهمّاتها خطة مواجهة لأي عدوان اسرائيلي على السيادة اللبنانية، وأي محاولة من قِبله للسطو على ثروات لبنان في البحر من النفط والغاز.

هذا يعني أنّ لبنان مضطر إلى الحسم بين خيارين:

الاحتمال  الأول: أن يتصدّى لبنان لعملية الحفر بكل الوسائل الممكنة والمتاحة سياسياً ودبلوماسياً وحتى عسكرياً، ولو أنّها محميَّة بقوات البحر والجو الإسرائيلية، وتاليا يمكن أن يفتح ذلك أبواب لبنان والمنطقة على مجهول خطير نظراً للتماس القائم بين الصراع اللبناني الإسرائيلي وكل الملفات الساخنة في الإقليم.

الاحتمال الثاني: أن تدفع الخشية من الاحتمال الأول لانه شديد الخطورة على الجميع، إلى تثبيت قواعد تفاوض جديدة بمرونة أكبر في المفاوضات، ما يتيح التوصل إلى اتفاق «واقعي». وهذا الأمر هو الذي يميل إليه لبنان الرسمي، بدعوته الموجهة إلى واشنطن لإرسال موفدها عاموس هوكشتاين في جولة جديدة. وقد يتمكن فيها الوسيط الأميركي من الضغط لإمرار طرحه القاضي بترسيم خطّ حدودي متعرِّج يتيح لإسرائيل الافادة من حقل «كاريش» بكامله، مقابل افادة لبنان من حقل «قانا» بكامله.

ومع أي استئناف محتمل للمفاوضات، تمتلك واشنطن وإسرائيل ، أدوات ضغط يمكن ان تمارس ضد الجانب اللبناني، واهمها السلاح المالي والاقتصادي في ظل الانهيار المتعدد الأوجه الذي ينهك لبنان وشعبه، فلا مجال لاتفاق مع صندوق النقد الدولي ولا لمساعدات ولا تغطية سياسية واقتصادية دولية وغربية خصوصاً  للبنان إذا قرّر السير في مواجهة الحلف الإسرائيلي - الغربي. والدليل هو الانتظار بلا أمل لإمدادات الكهرباء من الأردن والغاز من مصر. كما ان الوضع نفسه ينطبق على الناحية المعيشية، حيث لا قدرة لأحد في الداخل اللبناني على تحمل تبعات تداعيات حرب جديدة على غرار حرب تموز 2006 ، تدمر ما بقي من بنية تحتية مهلهلة وقدرة معيشية على الصمود.

لكن، في المقابل أيضا، فان الحكومة الإسرائيلية بدورها تغرق في مزايدات سياسية كبيرة وتستند الى غالبية شديدة الهشاشة، وتعاني إسرائيل منذ سنوات مشكلة سياسية عميقة بدليل قصر عمر الحكومات وتكرار الانتخابات المبكرة في تعبير واضح عن ازمة الهوية السياسية، كما ان انتفاضة الأقصى والحرب الأخيرة مع غزة أظهرت نقاط ضعف كبيرة في الجبهة الداخلية، وتالياً فان أي حرب جديدة من شانها ان ترتب تداعيات داخلية شديدة الخطورة. والاهم من ذلك ان التنقيب عن الغاز والنفط لاسيما في البحار، يحتاج الى استقرار سياسي قبل أي شيء ذلك ان طائرة مسيرة واحدة كفيلة بتهريب شركات النتقيب الأجنبية ووقف العمليات برمتها. ومن شأن امر كهذا ان يقلب راساً على عقب كل الحسابات الأميركية والإسرائيلية ، للبحث عن بدائل لاوروبا عن الغاز الروسي وخطط زيادة الإنتاج لخفض الأسعار الباهظة للطاقة التي صارت مصدر القلق الأكبر في البيت الأبيض.   

من هنا ربما ، كان تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، إن الخلاف مع لبنان بشأن احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية مسألة مدنية ستُحل دبلوماسياً بوساطة أميركية، ومن هنا أيضا ، اعلان "حزب الله"، انه يقف خلف الدولة اللبنانية في ما تتخذه من قرارات وإجراءات في هذا الشأن وليس قبلها، فهل ان ما يجري حول كاريش مقدمة لتسوية اكبر ؟