بايدن وبوتين نحو صراع مفتوح

30.04.2022
الرئيسان بوتين وبايدن
قنبلة ناكازاكي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

د. وليد صافي*

تعاملت كل من اميركا والاتحاد السوفياتي بمسؤولية عالية مع قواعد اللعبة اثناء الحرب الباردة ، وذلك تفادياً لوقوع المواجهة المباشرة بين القوتين النوويتين والحفاظ على السلم والامن الدوليين . واثناء ازمة الصواريخ الروسية التي نشرت في كوبا في العام ١٩٦٢ ، قرر الرئيس الاميركي جون كينيدي ، فرض الحصار على كوبا رغم وجود خيارت متعددة على الطاولة لاجتثاث الصواريخ وقتل طواقمها من الجيش الاحمر . ولدى سؤال احد الصحفيين الاميركيين له عن فلسفة هذا القرار، أجابه "إنه يترك فرصة للخصم كي يتراجع ". ادرك الجميع أن الخيار هذا الذي تبناه الرئيس الاميركي لمعالجة هذه الازمة التي هددت الامن القومي الاميركي، جاء بهدف إيجاد المخرج اللائق للقيادة السوفياتية ، للتراجع وسحب الصواريخ . وبالتالي نجحت القوتين العظمتين في الحفاظ على قواعد اللعبة التي تهدف إلى عدم الانجرار الى حرب،  قد تستعمل فيها اسلحة التدمير الشامل ، وتتسبب بنهاية مأساوية للبشرية. قبل غزو اوكرانيا ، مارس بايدن الضغوط الكبيرة على بوتين من خلال التهديد بالعقوبات ، والعواقب الوخيمة اذا ما تمت مهاجمة اوكرانيا. والاجوبة التي قدمتها الولايات المتحدة الاميركية وحلف شمالي الاطلسي لبوتين، حول مطالبه التي يعتبرها تلبي شروط الحفاظ على الامن القومي الروسي، لم يجد فيها الكرملين ما يثنيه عن قرار الغزو . لم يظهر بايدن أنه كان على استعداد لايجاد اي مخرج لبوتين ، ولا في ارتكاب خطأ التضحية باوكرانيا على غرار ما فعلته فرنسا وبريطانيا في العام ١٩٣٨ ، حين وافقتا على طلب هتلر ضم النمسا الى المانيا مقابل وعده بوقف شهيته التوسعية في اوروبا ، فكانت النتيجة أن طارت النمسا وسحقت تشيكوسلوفاكيا وفتحت الطريق نحو اندلاع الحرب العالمية الثانية . ويبدو أن بايدن الذي يختزن ما يكفي من الخبث السياسي للديمقراطيين ، كان ينتظر بفارغ الصبر  هذا الخطأ الاستراتيجي من بوتين،  فاعلن في اللحظات الاولى من الغزو ، عن استراتيجيته بعدم التورط المباشر وتوحيد الصفوف الغربية وتعزيز قوات حلف شمالي الاطلسي في اوروبا الشرقية ، وكذلك فرض العقوبات على روسيا وعزلها عن النظام المالي، وتقديم الدعم العسكري لاوكرانيا من اجل تكبيد بوتين ثمناً باهضاً . وبعد اقل من ثلاثة اشهر على الغزو الروسي لاوكرانيا تسير العلاقات الروسية - الغربية ، والروسية- الاميركية بشكل خاص نحو اخطر المحطات التي لم تشهدها اثناء الحرب الباردة، حيث تحولت اوكرانيا الى منازلة اميركية - روسية ، تسعى فيها ادارة بايدن إلى استنزاف روسيا واضعافها، مستفيدة من استعداد الاوكرانيين للاستمرار في مقاومة الجيش الروسي ، الذي تكبد خسائر كبيرة في المرحلة الاولى من الحرب ، وباتت هيبته على المحك . في المقابل ، بوتين لم يترك للرئيس الفرنسي ماكرون أن يرمي له "بطوق النجاة"، إذ مارس وفقاً للتقليد القيصري غموضاً كبيراً في استراتيجيته وفي نواياه تجاه اوكرانيا قبل الغزو ، وقدم له وعوداً فارغة وذلك بهدف كسب الوقت، ورفع من سقف مطالبه مع الناتو والاميركيين ، ولم يستنفذ المسار الديبلوماسي لتحديد سقف التسوية التي يقبل بها لمنع وقوع الحرب ، والتي يبدو أنها كانت خياره الوحيد.  وبعد اقل من ثلاثة اشهر على غزو اوكرانيا وفشل استراتيجيته في السيطرة على كييف والمدن الرئيسية الاخرى ، ورغم الخسائر الفادحة في الارواح والمعدات التي مني بها الجيش الروسي ، وكان آخرها الضربة المعنوية المتمثلة بغرق " موسكفا "، ايقونة الاسطول الروسي في البحر الاسود، لا يبدو أن بوتين يفكر بالتراجع عن اهدافه،لا بل أنه يجد في استراتيجية التحول نحو اقليم دونباس ، فرصة لا تعوض لتحقيق بعض الانجازات الميدانية ، قبل عيد النصر على النازية في التاسع من ايار القادم. لكن الوقائع تشير، إلى أن معركة الشرق لن تكون نزهة امام الجيش الروسي، في ظل حشد الدعم العسكري لاوكرانيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين . الحشد الغربي يكتمل مع خروج المستشار الالماني شولتز عن التقليد السياسي القائم منذ اكثر من خمسين عاماً ، فيغادر مربع "التعامل مع روسيا" الى المواجهة ، من خلال قرار تزويد اوكرانيا بالاسلحة الثقيلة والنوعية ، قبل ساعات من انعقاد الاجتماع الذي دعا اليه وزير الدفاع الاميركي وضم اربعين وزير دفاع في قاعدة لحلف الناتو غرب المانيا . بوتين من جهته ، يتوعد ويهدد بالاسلحة النووية ، وبالردود الصاعقة اذا ما استهدفت روسيا ، والقصف الصاروخي الذي طاول كييف اثناء زيارة الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس، يشكل رسالة مباشرة للمجتمع الدولي . رسالة جاءت بتوقيعه وخاتمه ، إذ تعبر عن مدى غضبه والافق الذي يمكن أن تتدحرج اليه التطورات القادمة. لا يبدو أن المعسكر الغربي يريد تلقف هذه الرسائل ، فبريطانيا تصعد وتعد بتزويد اوكرانيا بالسلاح لاستعادة القرم ، واوكرانيا تبني على هذا التصعيد وتهدد باستهداف البنية التحتية للجيش الروسي. وبالطبع بايدن ، لا يكترث لتهديدات بوتين إذ أن اجهزة استخباراته تجري تقييماً دقيقاً للوضع، وكما يقول مسؤولون اميركيون بأنه "تراجعت المخاوف بشأن توريد الأسلحة التي قد تعتبرها روسيا "تصعيدية" - كما هو الحال مع القلق الأولي من أن أوكرانيا ستستخدم أسلحة بعيدة المدى ، مثل المقاتلات النفاثة ، لمهاجمة موسكو نفسها وإطلاق حرب أكبر" . ويبدو أن ما يشبه الجسر الجوي بين الولايات المتحدة الاميركية  واوروبا اصبح قائماً لنقل المساعدات الثقيلة والنوعية الى الجيش الاوكراني. ويتهيأ بايدن حالياً مع الكونغرس ، لتخصيص مساعدات عسكرية جديدة لاوكرانيا بقيمة تتجاوز العشرين مليار دولار ،الامر الذي يعكس حجم رهانات ادارته على الحرب في اوكرانيا ، بهدف اضعاف روسيا والحاق الهزيمة ببوتين الذي سار على قدميه في هذه المغامرة غير المحسوبة. يؤكد التاريخ أن هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الاولى ، وهزيمة هتلر واليابان في الحرب العالمية الثانية ، لم تكن لتتحقق لولا التفوق العسكري الاميركي. ومن غير المحتمل أن يتعامل بوتين -الذي يبني الآمال على اجتياز خنادق الشرق الاوكراني لتفتح له الطريق نحو مولدوفا ، والذي يمسك بمفتاح القدرة الصاروخية والنووية الروسية- بنعومة مع الاستراتيجية الاميركية الهادفة الى اضعافه وعودته الى روسيا خالي الوفاض او ، "طارحاً ذيله بين ساقيه "على حد قول المثل الفرنسي ( Il rentre la queue entre les jambes). الصين غائبة عن المشهد وقد تلاشت الآمال في أن تلعب اي دور لوقف التدهور ، ولا يوجد اي نافذة كي يطرح اي طرف اوروبي مخرجاً لائقاً لتراجع بوتين. وبالتالي يبقى السؤال هل يفعلها بايدن وبوتين ويذهبا بالعالم الى حربٍ طاحنة؟ 

*استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية وباحث في المسائل الجيوسياسية