الحرب على أوكرانيا
هل من دور للغاز العربي لتعويض الغاز الروسي؟

17.03.2022
أحمد طالب
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب: أحمد طالب

مع تصاعد الحرب  الروسية  على أوكرانيا والتوسع التدريجي للعقوبات الغربية على روسيا بدأت تتضح الآثار الخطيرة على أسواق الطاقة ، خاصة وان روسيا تعتبر لاعبا أساسيا في معادلة الطاقة الدولية. وما الدور الذي يمكن ان تلعبه الدول العربية للتقليل من حدة نقص الإمدادات.

فمعروف ان روسيا تهيمن على سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي  بنحو 39 في المئة من إجمالي المعروض، مما يشكل معضلة للحكومات الأوروبية لتعويض هذه النسبة الكبيرة من الطاقة التي سيتركها  توقف إمدادات الغاز الروسي  والذي قد ينجم عن العقوبات على روسيا من جهة ورفض هذه الأخيرة إمداد الدول الأوروبية بالغاز عقابا لها لمواقفها المساندة لأوكرانيا. و منذ تعليق خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 ، الذي يربط روسيا بألمانيا ، بمبادرة من برلين ، أصبح اعتماد أوروبا على الغاز الروسي محسوما تمامًا. 

ما هي البدائل ؟

في هذا المشهد، يمكن أن تلعب الدول العربية دورا بارزا في إمداد القارة العجوز بالغاز اللازم لسد عجزها ، لكن المسألة تكمن أساسا في توفر البنى التحتية لنقل الغاز أو إسالته في بعض الأحيان أكثر من وجود الغاز نفسه.

يبدو جليا أن حل الإمدادات لن يكون قادما من دول الخليج العربي ويعزز هذه الفرضية ما أكدته قطر أنها لا هي ولا أي دولة أخرى لديها القدرة على استبدال الإمدادات الروسية. ويأتي هذا التصريح بعد إتصالات قامت بها الولايات المتحدة بقطر واليابان ودول أخرى لإعادة توجيه إمدادات الغاز إلى أوروبا.

أما  بالنسبة مصر فقد يكون الوضع أحسن قليلا لتصبح أحد الموردين الأساسيين إلي أوروبا، لكن الإمكانيات العملية لزيادة معتبرة لكميات الغاز التي يمكن تصديرها ستبقى محدودة حتى سنة 2025 على أقرب تقدير لإرتباطها بنقله إلى أوروبا. يذكر أن مصر تحتل المرتبة 14 عالمياً من حيث إنتاج الغاز ، حيث استخرجت 58.5 مليار متر مكعب عام 2020.

ويبدو أن منطقة المغرب العربي التي توجد على أعتاب أوروبا تمثل منفذًا واضحًا لشحنات الغاز الطبيعي البديلة. و على الرغم من الاحتياطيات الكبيرة التي توجد في ليبيا، لا يسمح عدم الاستقرار السياسي بلعب ذلك الدور  وستندم حتما الدول الأوروبية التي ساهمت في عدم استقرار البلد الذي كان بإمكانه تخفيف صدمة الطاقة في أوروبا. وفي المغرب و موريتانيا، يسعى البلدان للتسريع من إستغلال حقول الغاز الكبيرة المكتشفة حديثا و التي يتوقع بدأ تشغيلها في ظرف عامين تقريبا.

و تبقى الجزائر أهم الدول العربية لسد بعض الفراغ الذي سيتركه انعدام تدفق الغاز الروسي وذلك لتوفرها على أحد أكبر احتياطيات الطاقة في العالم ، حيث تحتل المرتبة العاشرة للغاز والمرتبة السادسة عشرة للنفط وأهم من ذلك أنها سادس أكبر مصدر للغاز في العالم و قد يجد البلد المغاربي، الذي يمثل ثالث أكبر مزود لأوروبا  بعد روسيا والنرويج، الفرصة لزيادة شحناته إليها. 

على المستوى الأوروبي، تساهم الجزائر بنسبة 11 في المئة من إجمالي واردات الغاز، حيث تقوم بتزويدها بالغاز عبر شبكة من الأنابيب التي من بينها شبكة "ترانسميد"  القادرة على نقل ما يصل إلى 32 مليار متر مكعب سنويًا ، وهي سعة أكبر أربع مرات من قدرة خط أنابيب الغاز "ميدغاز"  الذي يغذي إسبانيا  و تصدر ترانسميد حاليًا 22 مليار متر مكعب كحد أقصى ، وهي قدرة يمكن زيادتها بمقدار 10 مليار متر مكعب إضافية.

و قد شهدت الأيام الأخيرة تكثيف الإتصالات و الزيارات للمسؤولين الغربيين من إجل الإمداد الجزائري لأوروبا، كان آخرها زيارة وزير خارجية إيطاليا إلى العاصمة الجزائر للتباحث مع نظيره بشأن إمدادات الغاز الجزائري.

الجزائر بين روسيا وأوروبا

ساهم الغزو الروسي لأوكرانيا في قفزة حادة في أسعار النفط ، والتي تجاوزت  في مطلع شهر مارس 111  دولار للبرميل لخام برانت، والتي يعتبر النفط الجزائري (صحاري بلاند) أحد مكوناته.

ويتوقع أن تزيد تلك الأسعار إلى مستويات قياسية ، كما قفزت أسعار الغاز بنحو 35 في المئة مع بداية الإجتياح الروسي لأوكرانيا لتصل إلى  نحو 1600 دولار لكل ألف متر مكعب في أوروبا. و يتوقع أن تجني الجزائر مكاسب غير متوقعة من هذه الزيادة. و

لكن قد تكون لها إعتبارات أخرى غير إيجاد حلول لمشاكل أوروبا. فيجب التذكير بأن الجزائر إحدى القوى الرئيسية في حركة عدم الانحياز خلال حقبة التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، و قد تحافظ على ذلك التوجه في الحرب الحالية ، خاصة أنها ترتبط مع روسيا بعلاقة إستراتيجية و حيوية. كما أن ارتباطها   بأوروبا قوي و متين.

للتذكير، ترتبط شركة سوناتراك الجزائرية مع شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم بمشروع هام في إنتاج ونقل الغاز في الجزائر، الذي يرتقب أن يبدأ الإنتاج فيه عام 2025

و تعتمد الجزائر كذلك على روسيا في ما يقرب من 30  من إحتياجاتها البترولية المكررة وتستورد منها سنويا كميات معتبرة من الحبوب.

فرصة للتقارب المغاربي

الحرب الأوكرانية أصبحت تشكل حافزا للدول للتكتل ومجابهة تداعياتها وقد رأينا بعضا منها تتخلى عن مصالحها من أجل مؤازرة دول أخرى حليفة أو صديقة. و في المغرب العربي شهد شهر أكتوبر 2021، إغلاق خط الغاز المغاربي - الأوروبي الذي يربط الجزائر بأوروبا عبر الأراضي المغربية، الذي يغطي أكثر من 97في المئة من احتياجات المغرب من الغاز و اكثر من 60 في المئة من الغاز المستهلك في إسبانيا. و كان السبب هو تحديات و مواقف سياسية مرتبطة بالتقارب الذي حصل بين المغرب وإسرائيل و المواقف المتباينة بين الدولتين من المسألة الصحراوية وقد أدى ذلك  في آخر المطاف إلى قطع العلاقات بين الدولتين الشقيقتين.

بعد ذلك بأسابيع لم تتردد إسبانيا بتوقيع عقد مع المملكة المغربية لتزويدها بالغاز رغم التوترات التي تشهدها العلاقات الثنائية بين البلدين في ذلك الوقت، عقب استقبال إسبانيا ، في أبريل 2021 ، لزعيم جبهة البوليساريو للعلاج هناك وتفاقم الأزمة بوصول ما مئات المهاجرين إلى مدينة سبتة التي تطالب بها المملكة المغربية ، و ذلك بسبب تخفيف القيود من قبل السلطات المغربية.

فهل ستحذو الجزائر و المغرب، على غرار ما فعلته إسبانيا، نحو التقارب و تقديم بعض التنازلات لبعضهما البعض، لعودة المياه إلى مجاريها والتلاحم في هذه الفترة التي قد يكون لتداعياتها عواقب  كبيرة على المستوى العالمي والإقليمي ؟

بينما يمكن للجزائر زيادة إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا ، فإن الكميات المتاحة لن تقترب من سد الفجوة الناتجة عن انخفاض إمدادات الغاز الروسي ، خاصة على المدى القصير.   و كحد أقصى ، يمكن أن تزود  الجزائر دول الاتحاد الأوروبي  بـ 2 أو 3 مليارات متر مكعب إضافية، مما يجعل معضلة الحرب الأوكرانية إشكالا كبيرا، خاصة إذا طالت الحرب حتى الشتاء المقبل.

في هذا الخضم، قد تضطر الجزائر إلى الإختيار بين أوروبا وروسيا في المواجهة ، و سيكون إتخاذ قرار بهذا الشأن صعب ولكن قد يفهم من تصريحات رئيس شركة سوناتراك توفيق حكار ، الذي اشترط توفير الغاز إلي أوروبا "بتوفر الكميات الفائضة  بعد تلبية احتياجات السوق الوطنية وإرضاء الشركاء الأجانب".

فهل سترجح كفة الحاجة إلى الإيرادات و بقاء الجزائر كأحد أهم المصدرين للطاقة لأوروبا و إنقاذ القارة العجوز مقابل تعريض روابطها الدائمة مع روسيا للخطر أم أنها ستوازن كما كانت تفعل سابقا بين أقطاب الصراعات العالمية ؟