المبادرة الأميركية للشبكات المفتوحة Open RAN:
بايدن يستكمل مسيرة ترامب الاقصائية

11.01.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني

تمضي وكالة الاتصالات والمعلوماتية القومية (NTIA) التابعة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتنفيذ اجراءات إشكالية في قطاع شبكات الاتصالات النقالة الدولي، وتبدو جهودها كاستكمال أمين للسياسات المتطرّفة لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي لم يتردد في الانسحاب من "اتفاقية باريس لتغيّر المناخ". فقد أطلقت هذه الوكالة ومعها مجموعة من السياسيين والمشرّعين والشركات وجماعات الضغط في الولايات المتحدة جهودا واسعة تحت عنوان "مبادرة الشبكات المفتوحة" Open RAN في قطاع الاتصالات الأميركي، لإجراء تغييرات تقنية وفرض معايير دولية أحادية على شبكات الاتصالات النقالة في جيليها الرابع والخامس.

وأُلحقت المبادرة بالإعلان عن قيام "تحالف الشبكات المفتوحة" الذي شمل مجموعة من الشركات الأميركية والأجنبية. ويتمثل المشروع الجديد في إدخال تغييرات على البنية التقنية الراديوية التي تعدّ أساسية في محطات الاتصالات النقالة وتُدعى (شبكة الوصول الراديوية) RAN (Radio Access Network). ولم تتردد بعض وسائل الإعلام الأميركية بوصف مبادرة الـ Open RAN بأنها هجوم جديد ضد التوسّع الصيني العالمي في عالم الاتصالات، فيما التقى معظم اللاعبون في قطاع الاتصالات الدولي عند السؤال التالي: هل تفتح مبادرة الشبكات الراديوية المفتوحة OpenRan الأمريكية أفقا جديدا لصناعة الاتصالات، أم أنها مجرد محاولة لكبح جماح ريادة الصين في تكنولوجيا الجيل الخامس؟

 

تشكيك عالمي

أثارت الخطوة الجديدة للإدارة الأميركية اعتراضات وردود فعل واسعة في الولايات المتحدة وأوروبا قبل الصين، ذلك أنها لا تتسبب بمشاكل وإرباكات تقنية لصانعي ومشغلي شبكات الاتصالات فحسب، بل تشكل خروجا على الإجماع الدولي الخاص بمعايير ومواصفات شبكات الاتصالات النقالة.

ومن المعروف أن قطاع الاتصالات النقالة الدولي يعمل بشكل متناغم ومتناسق على مستوى المواصفات والمقاييس، لكي تتمكن كل الشبكات من العمل مع بعضها بأسلوب موحّد تقنيا. ومجرد أن يبادر أي طرف وبشكل أحادي لطرح مبادرات تقنية لتشغيل الشبكات يعدّ خرقا للاتفاقات وخروجا على الإجماع والشراكات والمرجعيات العالمية المعنية بتشغيل وأمن وسلامة الشبكات. وتتمثّل المرجعيات الأساسية في هذا المجال برابطة "جي اس ام أيه" GSMA التي تشرف بالتعاون مع "مشروع شراكة الجيل الثالث" 3GPP على "نظام ضمان أمن معدات الشبكة" أو ما يعرف اختصارا بـ NESAS وهو مخصص لضمان تمتع المعدات والتجهيزات الخاصة بالشبكات بأعلى مقاييس ومعايير الأمن الرقمي.

مبادرة الـ Open RAN الأميركية الأحادية وانعكاساتها ليست أمرا جديدا في تصرفات الولايات المتحدة، إذ أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، سبق أن وصفت ومن دون دليل شبكات الجيل الخامس من هواوي بأنها تفتقد للمعايير الأمنية ومعرّضة للاختراق. ويبدو أن أي مجال تكنولوجي دولي يتمتع بالإجماع لن ينال رضا الإدارة الأميركية إلا إذا قادته شركات أميركية أو شركات تحمل جنسيات دول حليفة للولايات المتحدة.

 

ردود فعل دولية

تركز وكالة الاتصالات والمعلوماتية القومية الأميركية على الأهمية التي تتمتع بها مبادرة الشبكات المفتوحة خصوصا عندما يتعلق الأمر بتخفيض التكاليف وأمن الشبكات، إلا أن رئيس قسم التكنولوجيا في شركة T-Mobile في الولايات المتحدة نيفل راي أثار شكوكا حول ما وصفه بـ "نضج" مشروع الشبكات المفتوحة، وقدرته على تحقيق وُفر في التكاليف المتعلقة بالشبكات. واعتبر أن هناك العديد من الأسئلة التي تبقى من دون اجابات. أما المكتب الفدرالي الألماني الخاص بالأمن المعلوماتي فاعتبر في تقرير أصدره حول المشروع، أن المبادرة لا تتضمن جهدا ونتيجة واضحة في مجال المقاييس التي تضمن أمن الشبكات.

من جهته قال الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في هواوي بول سكانلان إن المشروع لن يجري بالطريقة التي قد يريدها الجميع، وأن ثمة حماسة مفرطة تجاهه. وأضاف: "الجميع يتحدثون عن توفير التكاليف والانفاق الاستثماري. بينما مشكلة مشغلي شبكات الاتصالات ليست في الانفاق الاستثماري بل في الانفاق التشغيلي".  

مساعدة نائب الرئيس وعضوة الفريق التقني في شركة الاتصالات الأميركية AT&T لوري بيغلير، قالت من جهتها: "توفير المواصفات فحسب لا يضمن التشغيل المشترك أو الأداء. ونعتقد أن تنفيذ المشروع ضمن الشبكات سيشكل التحدي الأكبر". فيما قال الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا والمعلوماتية في "بريتيش تيليكوم" هوارد واتسون: "كما هو الحال دائما، القضية الرئيسية هنا هي التوقيت. وأقصد بذلك الوقت الذي تصبح فيه أنظمة الشبكات المفتوحة وباقي المكونات قادرة على العمل وفقا للمعايير والمواصفات". ولا تقتصر التعليقات المشككة على AT&T وT-Mobile وهواوي بل تشمل أيضا شركات عالمية مثل فودافون التي قال رئيس الشبكات فيها أندريا دونا: "لن اراهن على استغراقها (المبادرة) ثماني سنوات كاملة، للحصول على فرصة استخدام للشبكات المفتوحة".

ردود الفعل العالمية هذه تجعلنا نعود إلى السؤال المركزي: لماذا لا يحتكم صراع النفوذ على تكنولوجيا شبكات الاتصالات وغيرها من المجالات كالطاقة والنقل والتجارة والأمن إلى المعايير والاتفاقيات الدولية؟ وثانيا، ما الهدف والفائدة من الاتفاقيات والمرجعيات الدولية الناظمة لقطاع الاتصالات والتكنولوجيا، إذا لم تلتزم الأطراف بتعهداتها ونظرت إلى توقيعها على الاتفاقيات باعتباره مجرد "حبر على ورق"؟