شكّل انعقاد مؤتمر أصحاب الأعمال والمستثمرين العرب، في العاصمة الليبية مناسبة لإجراء "الاقتصاد والأعمال" حوارات مع عدد من الشخصيات الليبية المؤثّرة في القطاع الاقتصادي، حيث التقت رئيس اتحاد الغرف الليبية محمّد الرعيّض الذي قال أنّ ليبيا كسرت حاجز الخوف لدى المستثمرين العرب والأجانب، في ظل الاستقرار الذي بدأ يترسّخ أكثر فأكثر، وفي ظل بدء توحيد المؤسسات وليس آخرها مصرف ليبيا المركزي. واعتبر أنّ ليبيا تحتاج إلى إصلاحات جذرية، وإلى قيادة سياسية قوية تتخذ القرارات الجريئة لترسيخ الاستقرار الأمني والسياسي من أجل التفرّغ للعمل على توفير تحقيق النهوض الاقتصادي. وهنا الحوار.
- ما هي أهمية انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت بالذات؟
- جاء انعقاد المؤتمر للمرة الأولى، بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة السيّد عبد الحميد دبيبة، حيث تمكّنت هذه الحكومة من وضع اللبنات الأولى لهوية اقتصادية جديدة، تعتمد على فتح الأبواب أمام روح ريادة الأعمال التي لطالما تجسّدت في الشخصية الليبية منذ القدم. ونأمل أن تستمر هذه المسيرة مع الحكومات الجديدة.
وشكّل انعقاد المؤتمر تحديّا كبيرا بالنسبة إلى ليبيا، وأتت المشاركة البارزة من جانب المسؤولين والوزراء المعنيين، ومن جانب عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين من الدول العربية والأجنبية، في ظل الاستقرار الذي تكرّس في الأشهر القليلة الماضية لتكسر حاجز الخوف، ولتؤكّد على أنّ ليبيا بلد آمن ومستقرّ، ومستعدّ لاستقبال الاستثمارات الخارجية، في ظل الرؤية المتجددة والتي يلعب فيها القطاع الخاص دورا طليعيا في رسم السياسات كشريك حقيقي في الاقتصاد والتنمية.
وقدشكّل المؤتمر خطوة على طريق العودة إلى الخارطة الاقتصادية العربية، حيث أنّ الحضور العربي والأجنبي الكبير، رسم معالم إيجابية وبنّاءة يمكن البناء عليها من أجل التطلّع نحو المستقبل الذي نصبو إليه في ليبيا التي تعدّ دولة "بكر" والاستثمار فيها بالتأكيد مربح، حيث الاستثمارات في مرحلة "إعادة الإعمار" بعد ترسيخ الاستقرار الأمني والسياسي المأمول بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المرتقبة، لا سيّما وأنّ ليبيا فقدت الكثير من الفرص الضائعة على مدار الـ 60 عاما الماضية.
وقال، ليبيا هي جزء مهمّ من الوطن العربي، ولا سيّما بحكم موقعها الاستراتيجي في شمال افريقيا (المغرب العربي)، الأمر الذي يشكّل حافزا للمجيء إليها والاستثمار فيها، في ظل الخيرات والموارد الطبيعية والبشرية التي تتمتع بها.
- هل ليبيا مهيأة لجذب الاستثمارات الأجنبية في ظل التحديات الأمنية والعوائق والقوانين التي تحتاج إلى التطوير؟
- لا شكّ أنّ التعافي الاقتصادي، مقرون بأمرين أساسيين: الأول ترسيخ الاستقرار الأمني والسياسي، والثاني تحديث القوانين والتشريعات التي توفّر الملاذ الآمن للمستثمرين. وهنا لا بدّ للحكومة الحالية والمرتقبة، أن تعمل على تطوير وتأهيل البنية التحتية من موانئ بحرية وجوية ومنافذ بريّة، لتسهيل حركة التجارة وتسهيل حريّة القادمين إلى ليبيا.
نحن نستبشر خيراً اليوم بالتحولات الإيجابية التي تشهدها ليبيا، ولكن في الوقت ذاته وكي لا نبيع الأوهام، يمكننا القول إنّ الوضع في ليبيا لم يكن مثاليا على مدار السنوات الماضية، ولكن في ذات الوقت الوضع ليس سيئا كما يتم تصويره، فعلى أرض الواقع هناك الكثير من القرارات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية، والتي تصبّ في إطار التحديث والتطوير التي تلبّي تطلعات القطاع الخاص الليبي والخارجي.
وقال، إنّ مجتمع الأعمال الليبي مطالب بالتحلي بروح الشراكة مع القطاع العام، وهذا يتطلّب استعدادا تاما وتضحيات مهمّة تعتمد على ترسيخ مبدأ الشراكة وتحفيز الشباب الليبي نحو العمل والبناء ونيل الحقوق بالمشاركة وليس بالمغالبة. ومن المأمول أن تساهم هذه الشراكة في خلق حلول ناجعة للكثير من الإخفاقات التي ألمّت بالاقتصاد الليبي، وأولها معضلة التوظيف غير المرشد في القطاع العام. كما أنّ هكذا شراكة من شأنها أن تحفّز رواد الأعمال الجدد والشباب للانخراط مبكرا في سوق العمل وعدم الانجرار وراء التوظيف في القطاع الحكومي. ومن شأن هذه الشراكة أيضا المساهمة في كبح جماح الانفاق الاستهلاكي، وستساعد على تدوير الأنشطة الاقتصادية في القطاع الخاص وعلى خلق المزيد من الفرص والنمو.
وقال، إن أبواب الاستثمار مفتوحة في كافة القطاعات وهناك حاجة ماسة للاستثمار في القطاع الزراعي حيث تعدّ ليبيا أرضاً خصبة وتتمتّع بمزايا طبيعية مميزة.
أن ليبيا دولة واعدة، فبالإضافة إلى قطاع الخدمات الذي يمكن الاستثمار فيه، فإنّ ليبيا بحكم موقعها الاستراتيجي، يمكنها أن تكون معبرا نحو القارة الافريقية خصوصا بالنسبة لتجارة العبور. كما أنّ الاستثمار في المناطق الحرّة والمناطق الخاصة في ليبيا أمر حيوي جدّا، حيث تشكّل هذه المناطق محور ربط استراتيجي للتصدير وإعادة التصدير نحو باقي دول القارة الافريقية والعالم، إذ لدى ليبيا حدود مغلقة ومفتوحة على البحر وتحتاج إلى منافذ وموانئ متطورة تجعل منها محورا مهمّا على صعيد قطاع النقل واللوجستيات وسلاسل التوريد الإقليمية والعالمية.
- ما هي برأيكم الإصلاحات المطلوبة لإعادة الاقتصاد الليبي إلى مرحلة التعافي؟
- تتمثّل أهم الإصلاحات المطلوبة في تغيير السياسات الريعية التي أثبتت فشلها، وتقليل التشوهات الحاصلة في الاقتصاد، ويحتاج هذا الأمر إلى تكاتف الجهود، من حكومة ومؤسسات وقطاع خاص ومجتمع مدني. وهنا لا بدّ من دعم البنية التحتية لقطاع النفط لضمان استمرار مصادر التمويل في الأمد القصير إلى المتوسط لتمكين الاقتصاد الوطني من التعافي السريع. كما لا بدّ من توجيه العائدات النفطية بشكل شفاف نحو تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وهذا يتطلّب رفع حصة الانفاق الرأسمالي وتخفيض الانفاق الاستهلاكي إلى أقل قدر ممكن. وبالتوازي لا بدّ من العمل على رفع سعر صرف الدينار مقارنة مع العملات الأجنبية إلى مستويات تتناسب وحجم الاحتياطات النقدية في المصرف المركزي، وفتح بالتالي المجال أمام حركة الواردات الأساسية من مواد خام وسلع أساسية وغيرها. وأخيرا وليس آخرا لا بدّ من إطلاق برنامج وطني طموح لتوفير فرص العمل للشباب، وتعزيز التدريب المهني الذي يساهم في توفير الوظائف في سوق العمل بالشراكة مع القطاع الخاص.
- ما هي أهمية توحيد مصرف ليبيا المركزي؟
- الانقسام الذي حدث في مصرف ليبيا المركزي كان خطيرا ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل هذا الانقسام هو السبب الرئيس في الحرب التي كان شعارها من يسيطر على إدارة المصرف.
وبنظري فإنّه على الرغم من كل ما حدث إلا أن توحيد إدارة مصرف ليبيا المركزي ستكون له نتائج إيجابية سواء على المستوى المعيشي للمواطن أو جوانب أخرى تخص الاقتصاد المحلي ويمكن أن يساهم الأمر في حل أزمة المقاصة المصرفية والسيولة والكثير من الجوانب الأخرى.
- ما هي مسؤولية القيادة السياسية الجديدة في بناء ونهضة ليبيا الجديدة؟
ليبيا تحتاج إلى سواعد جميع الليبيين، وبالتأكيد هناك مسؤولية كبيرة على القيادة السياسية الجديدة، فليبيا تحتاج إلى إصلاحات جذرية، وإلى قيادة سياسية قوية تتخذ القرارات الجريئة لترسيخ الاستقرار الأمني والسياسي.