هل تُنقذ الطاقة "الذكية" كوكبنا؟

23.11.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني
 
لم يكن أحد يتوقع من زعماء العالم الذين شاركوا في قمة غلاسكو للمناخ أن يخرجوا بمفاجأة لصالح الإنسانية تُعيد عقارب الساعة إلى الوراء في ملف الاحتباس الحراري وتحقق "العدالة المناخية". وجاءت نتائج القمة لتعكس خلافات عميقة بين الدول الكبرى حول قضية المناخ، خصوصا بعد غياب الولايات المتحدة عن القمم السابقة نتيجة انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب رسميا من اتفاقية باريس للمناخ في العام 2017. وربما أكثر ما يعبّر عن توجهات الدول الحقيقية حيال أزمة المناخ هو ما يكرره المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، إذ يقول إنه "ينبغي على الدول دعم الأقوال بالأفعال".  
لكن في حين تتضاءل فرص قيام الدول التي ساهمت تاريخيا في صناعة الكارثة المناخية العالمية، بخطوات إصلاحية جذرية، برزت خلال السنوات الماضية رهانات جدية على "معجزة" قابلة للتحقق على يد التكنولوجيا، للمساهمة في التخفيف من انبعاثات الكربون ومن سرعة التغيّر المناخي، خصوصا في مجال الطاقة. ويقول فاتح بيرول في مقالة مشتركة مع رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هويسونغ لي، أن الطاقة هي جوهر حلّ مشكلة المناخ العالمي. ولهذا يمكن طرح سؤال مشروع في هذا الإطار نتيجة التطورات الرقمية والتكنولوجية الهائلة في عالمنا اليوم، وهو: هل تُنقذ الطاقة "الذكية" كوكبنا؟ خصوصا وأن قطاع الطاقة هو المُتهم رقم واحد عندما يتعلق الأمر بالتغيّر المناخي؟ 
صحيح أن قطاعات عدة تساهم في زيادة الانبعاثات الكربونية، لكن الطاقة المُستخدمة في الصناعة والنقل والأبنية كانت ولا تزال المصدر الأكبر للانبعاثات، ويُعتقد أنها مسؤولة عن نحو 73 في المئة من انبعاث غازات الاحتباس الحراري حول العالم. ولهذا فإن التركيز الأكبر ينصب على خفض مساهمة الطاقة الكهربائية في الاحتباس الحراري. والسؤال المركزي هو كيف يمكن للتكنولوجيا والحلول الرقمية المساهمة في الوصول إلى "الحياد الكربوني" خصوصا في مجال الطاقة الكهرباء بمصادرها المختلفة. ويُقصد بـ "الحياد الكربوني" أو "الحياد المناخي" خفض انبعاثات الكربون إلى أقصى حد، والتعويض عما لا يمكن التخلّص منه من خلال مبادرات بيئية. 
أما السؤال الثاني والذي يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الغنية بمصادر الطاقة المتجددة (أكثر من 2500 ساعة شمس سنويا)، فهو كيف يمكن الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة بالاعتماد على أنظمة الطاقة الذكية لتقليل انبعاث الكربون ومواجهة أزمة تغير المناخ والتعامل مع ما وصفته قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر السعودية بـ "فجوات العمل المناخي في المنطقة.. للوصول إلى مرحلة الحياد الكربوني". 
 

"معجزة" التكنولوجيا؟

تتداول شركات التكنولوجيا هذه الأيام مصطلح "الطاقة منخفضة الكربون" أي الطاقة المُنتجة استنادا إلى حلول رقمية بأقل تأثير كربوني ممكن. ولتحقيق ذلك، ترى شركات التكنولوجيا أنه بات بالإمكان إدارة أنظمة إنتاج وتوزيع واستهلاك الطاقة بأساليب رقمية "ذكية". لكن كيف يمكن أن تقوم هذه الشركات بذلك؟ 
بحسب تقرير أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، من الممكن أن تساهم التكنولوجيا بتخفيض نحو 15 في المئة من الانبعاثات الكربونية أو ما يعادل ثلث الـ 50 في المئة من الانبعاثات التي "تتمنى" دول تخفيضها بحلول العام 2030. ويُحدد التقرير مجموعة مجالات ستساهم فيها التكنولوجيا بتخفيض الاستهلاك من خلال تقنيات مثل البيانات الكبيرة وتحليل البيانات، والمجالات هي: انتاج الطاقة، الصناعة، الزراعة واستخدام الأراضي بالإضافة إلى الأبنية والخدمات والنقل وإدارة حركة النقل على الطرقات. ويضيف التقرير أن تقنيات أخرى ستلعب دورا مفصليا وهي تترافق مع ظهور الملامح الأولى للثورة الصناعية الرابعة مثل: انترنت الأشياء، الجيل الخامس من شبكات الاتصالات النقالة والذكاء الاصطناعي.
وفي السياق عينه يقول رئيس التسويق والمبيعات والخدمات العالمية لأعمال الطاقة الرقمية في شركة هواوي شارلز يانغ في مؤتمر صحافي عقده في دبي خلال أكتوبر الماضي، أنه يمكن الجمع بين التقنيات الرقمية وإلكترونيات الطاقة لتوفير حلول منخفضة الكربون وآمنة وسلسة ونظيفة للمستخدمين النهائيين. وأن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة سيُسهم في تنفيذ عمليات التشغيل والصيانة بسهولة وكفاءة أكبر، ما يمكّن المؤسسات من توفير طاقة نظيفة ومستقرة للمجتمع. وأنه من خلال الاعتماد على الجيل الخامس من شبكات الاتصالات النقالة والطاقة الرقمية "يمكننا توفير حلول الطاقة الذكية والمتكاملة بسهولة أكبر وتكلفة أقل في المستقبل". 
هذا ليس تفصيلا عابرا، إذ أن تطبيق هذه التقنيات على تخزين الطاقة المتجددة وحدها قد يُحدث ثورة لا سابق لها في تاريخ الطاقة، لأن أكبر مشكلة يعاني منها قطاع الطاقة المتجددة حاليا هي عملية تخزين الطاقة. وهنا تعد هواوي بتحسين قدرة الشحن والتفريغ بنسبة تصل إلى 15 في المئة وزيادة عمر البطارية بنسبة 50 في المئة. وتقول الشركة أنها ستعتمد على الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في نظام إدارة البطاريات لضمان الأمان والسلامة، حيث يمكن للنظام التنبؤ بالأعطال قبل حدوثها وهو ما يُسهم أيضا في الحد من مخاطر اشتعال البطارية بنسبة تصل إلى 90 في المئة. وستشمل فوائد التكنولوجيا شتى مصادر الطاقة البديلة وأبرزها: الشمس (الكهروضوئية والحرارية)، الرياح، الكهرومائية، الحيوية الزراعية (بقايا النباتات)، النفايات الصلبة، حرارة الأرض، طاقة البحار، التوربينات العائمة والمفاعلات النووية.       
وبحسب تقرير خاص باستطلاع أصدرته شركة سيمنز الشهر الماضي شمل 500 مدير ينشطون في عدة قطاعات ضمن 10 بلدان، تبيّن أن 67 في المئة من المُستطلعين على قناعة تامة من أن "تحقيق الحياد الكربوني مستحيل من دون الحلول الرقمية". وقال المُستطلعون أن المزيد من الشركات ستوجّه استثماراتها خلال السنوات الخمس المقبلة في المجال الرقمي إلى ميادين مثل الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة لتحقيق مستويات أتمتة أفضل وتحسين القدرة على التنبؤ بمستقبل الطاقة الذكية. من جهته قال الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز ماتياس ريبيليوس أن كبار اللاعبين في مجال الطاقة باتوا يشعرون بضرورة التصرف بشكل أسرع لتخفيف الانبعاثات الكربونية من دون تعريض قدراتهم التنافسية لمخاطر. 
 

الشرق الأوسط و"الوعي المناخي"

على الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسؤولة فقط عن 8.6 في المئة (إحصاءات 2018) من انبعاثات الكربون العالمية، إلا أن مشاريع الطاقة "النظيفة" والمبادرات الخضراء تسجّل ازديادا ملفتا نتيجة ارتفاع اهتمام الحكومات والقيادات السياسية بمسألة التغيّر المناخي ودور التكنولوجيا في الحد من الانبعاثات. 
واحدة من المشاريع التي يتم تنفيذها حاليا تتمثّل في مشروع تصفه السعودية بـ " أكبر وأفضل نظام لتخزين الطاقة على المستوى العالمي". يقع مركز تخزين الطاقة هذا في البحر الأحمر وسيتم تنفيذه بالتعاون بين ثلاثة أطراف هي "هواوي" و"سيبكو" و"أكوا باور". أما مشروع مدينة "نيوم" العملاق فيشكل نموذجا للمُدن التي تعتمد على الطاقة البديلة وتكنولوجيا الطاقة، حيث تستمدّ المدينة طاقتها من مصادر متجدّدة.
كذلك تؤكد مبادرتا "السعودية الخضراء"، و"الشرق الأوسط الأخضر" اللتان أعلنهما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مارس الماضي حرص المملكة على مكافحة التغير المناخي والتصحّر وحماية البيئة عبر خفض الانبعاثات الكربونية وتبنيها للخطط الزراعية لزراعة أكثر من 10 مليارات شجرة داخل المملكة، و40 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط. وأعلنت السعودية مؤخراً عن إطلاق الحزمة الأولى من المبادرات التي تصل قيمتها إلى أكثر من 700 مليار ريال. 
 

مبادرات اماراتية

وفي الإمارات ثمة عدد كبير من المشروعات التي أُطلقت للتعامل مع مكافحة التغير المناخي، إذ تستهدف الدولة تحقيق 50 في المئة من مزيج الطاقة الإجمالي من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2050. وتستهدف إمارة دبي من جهتها توفير 75 في المئة من الطاقة من مصادر نظيفة بحلول العام 2050.
ومؤخرا دشّنت الإمارات مشروعها الأهمّ لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يُعدّ المشروع الأوّل من نوعه في المنطقة. وبفضل التعاون بين شركة "سيمنس للطاقة" وهيئة كهرباء ومياه دبي ومعرض إكسبو 2020 دبي تم إطلاق أوّل منشأة من نوعها في المنطقة لإنتاج الطاقة الشمسية، اعتمادا على تكنولوجيا التحليل الكهربائي. 
ويركز شارلز يانغ على أهمية هذه المشاريع، مؤكدا أن التقنيات الحديثة تُسهم في الحد من تكلفة توليد الطاقة الشمسية بـنحو 5 إلى 10 مرات مقارنة بتكلفة توليد نفس الكمية من الطاقة بالاعتماد على الوقود الأحفوري. ويضيف يانغ أن العالم على موعد مع إمكانيات دول الخليج والشرق الأوسط في مجال الطاقة الرقمية، مؤكدا أن تحقيق الاستدامة والاعتماد على الطاقة النظيفة ليس مجرد مسؤولية والتزام تجاه الأجيال القادمة فحسب، بل يسهم في توفير فرص جديدة للتنمية الاقتصادية. 
لا شك أننا أمام مرحلة جديدة، وكل الدلائل تشير إلى أن العالم بدأ بالدخول إلى مرحلة الطاقة الرقمية. وهذا ما تؤكده أحدث تقارير هواوي التي تتوقع أن تدخل البشرية عصر الطاقة الرقمية خلال العقد المقبل، خصوصا في ظل سعي الدول نحو التنمية المنخفضة الكربون والتحول الرقمي الذكي. ومن المتوقع أن توفر الطاقة الشمسية وسائر مصادر الطاقة البديلة بحلول سنة 2030 نحو 40 في المئة من الطاقة الكهربائية التي يحتاجها العالم. لكن السؤال الأهم الذي ستحمل اجاباته السنوات القليلة المقبلة، هو إلى أي مدى ستلتزم الدول العظمى بإحلال مصادر الطاقة البديلة وتسخير التكنولوجيا في هذا المجال، وما هي الحوافز التي سيتم منحها للدول الفقيرة للمضي في تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة المُكلفة.