التكنولوجيا تضع الصين في رأس هرم الابتكار العالمي

30.10.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني
لم تكن سنة 2019 محطة عادية في تاريخ التكنولوجيا العالمي والمنافسة الاقتصادية الدولية. في ذلك العام حدث ما كانت تتوقعه دوائر الأبحاث الاقتصادية منذ نحو عقد من الزمن، لقد صعدت الصين مدفوعة بالابتكار في قطاع التكنولوجيا وغيره من القطاعات إلى المركز الأول عالميا من حيث عدد طلبات براءات الاختراع المقدمة إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو). وتغلبت بذلك على الولايات المتحدة، وهي الدولة الوحيدة التي قدمت سنويا أكبر عدد طلبات براءات اختراع منذ دخول "معاهدة التعاون بشأن البراءات" الدولية حيّز التنفيذ في العام 1974. عدد طلبات براءات الاختراع الذي تقدمت به الصين في ذلك العام بلغ بحسب "الويبو" 1.4 مليون أي ما يوازي 43.4 في المئة من مجمل البراءات المقدمة. ومع أن تقديم براءات اختراع هي أمر، ووصول الاختراع إلى نيل التسجيل والذهاب إلى الإنتاج والأسواق أمر آخر كليا، إلا أن للأرقام دلالات بالغة الأهمية وتؤشّر إلى سياق عام ومناخ داعم للبحث والتطوير في أي بلد حول العالم، تماما كعدد الأبحاث العلمية المنشورة سنويا في أي بلد، والذي تتباهى به الدول.     
 
طبعا لم يقع هذا الحدث التاريخي فجأة، إذ استمرت الصين بتسجيل نمو في عدد براءات الاختراع المُقدمة للتسجيل منذ العام 2000، لكن خسارة الولايات المتحدة مركزها كان حدثا له معانيه العميقة على مستويين: الأول هو شدة المنافسة الاقتصادية الدولية والثاني هو ترسيخ موقع الصين في مجال جديد هو الابتكار والإبداع بدلا من مجرد كونها "مصنع العالم". لطالما حاولت دول كُبرى التقليل من قيمة النمو الاقتصادي الصيني، وكان يُقال إن الصين "تصنع" فقط ولا "تفكر"، و"تسرق" الأفكار بدلا من ابتكارها، إلا أن العقدين الماضيين شكلا جسر عبور الصين إلى موقع الأمة التي تفكر وتُبدع وتصنع وتنافس بشراسة، خصوصا على الصعيد التكنولوجي الذي تعتبره القيادة الصينية "أيقونتها" الاقتصادية و"قوتها العالمية الضاربة" التي وسّعت من هيبة حضورها الدولي وضاعفت قوتها الناعمة. لكن كيف يبدو وضع الصين على صعيد الابتكار والإبداع في المجال التكنولوجي؟ وماذا تُخبرنا الإحصاءات والأرقام في هذا المجال الذي تتصارع فيه الدول على ربح حصة من "كعكة" أرباح قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية العالمي المقّدر وصول حجم الانفاق عليه إلى نحو 5.8 ترليونات دولار في العام 2023.  
 

"الويبو": الصين تتفوّق

استنادا إلى أحدث الأرقام المتوفرة، يتبيّن أنه في الوقت الذي كانت براءات الاختراع المقدمة عالميا إلى مكتب براءات الاختراع الأوروبي (EPO) في العام 2020 تسجّل انخفاضا بنسبة 0.7 في المئة مقارنة بالعام 2019، كان عدد طلبات تسجيل براءات الاختراع المقدّمة من الصين يشهد ارتفاعا إلى 13,432 براءة، مسجلا بذلك نموا بنسبة 9.9 في المئة مقارنة بالعام 2019. لم يكن هذا حدثا عابرا، فعام 2020 كان عام كارثة كورونا التي فرضت الإغلاق الكامل لأشهر طويلة في الصين كما في باقي بلدان العالم. وهو ما دفع رئيس مكتب براءات الاختراع الأوروبي أنطونيو كامبينوس إلى وصف نمو طلبات تسجيل براءات الاختراع الصينية بـ "القوي" خصوصا على المستوى التكنولوجي، مقارنة بأهم الدول المعروفة في مجال الابتكارات والاختراعات كالولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا. 
 
أما "الويبو" فأوضحت مؤخرا أن الصين كانت أكبر مصدر لطلبات براءات الاختراع الدولية على مستوى العالم في 2020 للعام الثاني على التوالي، مرسخة تقدمها على الولايات المتحدة الأمريكية التي احتلت المركز الثاني. وحققت الصين زيادة في عدد طلبات البراءات، بلغت نسبتها 16.1 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق مقابل 3 في المئة للولايات المتحدة الأمريكية بحسب أرقام المنظمة. ولم تترك المنظمة مجالا للشك والتساؤل، إذ أوضحت في بيان إن شركة هواوي الصينية تقدمت بأكبر عدد من براءات الاختراع العام الماضي للسنة الرابعة على التوالي. وقال المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية دارين تانغ، أن ارتفاع عدد طلبات براءات الاختراع كان جزءاً من توجه طويل الأمد تبنته قارة آسيا بشكل عام. 
 
وعلى عكس الأزمة المالية في عام 2008، عندما انخفض عدد طلبات براءات الاختراع بشكل حاد، ارتفع إجمالي الطلبات المقدمة عبر نظام "الويبو" بنسبة 4 في المئة خلال العام 2020 ليصل إلى رقم قياسي جديد على الرغم من التباطؤ الذي نتج عن تفشي جائحة كورونا. وقال تانغ: "إن التوجه السائد (لدى الدول والشركات) هو مواصلة التمتع بالمرونة في مجال الابتكار، ما يعني أن العالم يحتاج إلى المزيد من الابتكارات أثناء الأزمات".
 

البحث والتطوير: هواوي تتألّق

وفي العام 2019 نشر المسؤولون عن "مؤشر الإنفاق على البحث والتطوير الصناعي التابع للاتحاد الأوروبي" تقريرا أوضحوا فيه أن هواوي احتلت المرتبة الخامسة في قائمة أكثر الشركات الكبرى إنفاقاً على البحث والتطوير على مستوى العالم. ويضم التقرير أكبر 2500 شركة على مستوى العالم في مجال الاستثمار بالبحث والتطوير، بحسب البيانات التي تم جمعها من تقارير وحسابات هذه الشركات السنوية.
 
ونتيجة لمتابعة تركيزها على الاستثمار الكبير في مجال البحث والتطوير، وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات المتواصلة التي تواجهها نتيجة موقف الإدارة الأمريكية حيال التعامل معها، تمكنت هواوي من تعزيز ريادتها العالمية في صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات. وتابعت توفير ابتكاراتها المتقدمة خصوصاً في مجال الذكاء الصناعي والحوسبة، وتطوير تقنيات الجيل الخامس على مستوى العالم. 
 
كذلك دعمت هواوي أعمالها في مجال الجيل الخامس باستثمارات بلغت 4 مليارات دولار أمريكي منذ عام 2009، وهو استثمار يفوق إجمالي استثمارات الشركات الكبرى الرئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعة في تقنيات الجيل الخامس. وبدأت هواوي أبحاث الجيل الخامس في العام 2009، حيث قدمت ما مجموعه 23,600 مساهمة إلى "مشروع شراكة الجيل الثالث" 3GPP المسؤول عن المعايير والمقاييس الخاصة بالجيل الخامس. ومؤخرا نشرت هواوي تقريراً جديداً عن الابتكار والملكية الفكرية في منتدى "حماية الملكية الفكرية ودعم الابتكار" قالت فيه أنها أصبحت واحدة من أكبر الشركات التي تمتلك براءات اختراع على المستوى العالمي من خلال الاستثمار المتواصل في الابتكار. وبحلول نهاية عام 2020، كان لدى هواوي أكثر من 100,000 براءة اختراع في أكثر من 40,000 مجموعة من براءات الاختراع في العالم.
 

براءات تدرّ "ذهبا"

ونتيجة لتقدمها المستمر، تمتلك هواوي نحو 3,367 مجموعة من براءات الاختراع في مجال الجيل الخامس، تمثل ما يزيد عن 20 في المئة من إجمالي براءات الاختراع في هذا المجال، كما تحتل المرتبة الأولى بين كافة شركات تقنية المعلومات والاتصالات. وكانت قد أنشأت تسعة مراكز لأبحاث وتطوير معايير الجيل الخامس في جميع أنحاء العالم، بالإضافة لتواجد أكثر من 500 خبير لديها يعملون على تطوير هذه المعايير. كما تحتل الشركة مراكز لدى أكثر من 100 منظمة معنية بوضع المعايير والمقاييس الدولية في المجال ذاته، ما ساهم بتوقيع عشرات عقود مشاريع الجيل الخامس على مستوى العالم، وبشكل خاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 
 
ونتيجة للإنجازات التي حققتها هواوي على صعيد الابتكارات، باتت بحسب رئيس قسم حقوق الملكية الفكرية في الشركة جيسون دينغ، في وضعية سمحت لها بتحقيق عائدات تتراوح بين 1.2 و1.3 مليار دولار من ترخيص براءات الاختراع بين عامي 2019 و2021. والملفت في هذا السياق، أن الولايات المتحدة التي منعت استخدام تكنولوجيات الصين في مجال الجيل الخامس، ستدفع للشركات الصينية مقابل استخدام التكنولوجيات التي تمتلك حقوق براءات اختراعها.  
 
وقد بدأت هواوي عمليا بفرض رسوم على عمالقة الهواتف النقالة مثل أبل وغيرها لقاء الحصول على مجموعة براءات اختراع تكنولوجيا الجيل الخامس اللاسلكية 5G، مما قد يؤدي إلى إنشاء مصدر دخل ربح مُستدام لها. ونقلت بلومبرغ عن الرئيس القانوني في هواوي سونغ ليوبينغ، توقعه أن تبدأ هواوي بالتفاوض في شأن الأسعار والترخيص المتبادل المحتمل مع صانع أيفون وشركة سامسونغ وصولا إلى توسيع التفاوض حول ترخيص استخدام براءات الاختراع لدى عشرات الشركات العالمية الكُبرى. وخلال الأعوام الماضية أبلغت هواوي شركة الاتصالات الأميركية "فيرايزون" أنه يتعين عليها دفع رسوم الترخيص لأكثر من 230 من براءات الاختراع، وتسعى هواوي للحصول على أكثر من مليار دولار، في هذه القضية مع "فيرايزون".