بلدان الشرق الأوسط وقيادة مسيرة الاقتصاد الرقمي

26.10.2021
ستيفن يي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم ستيفن يي* 

 
تسعى العديد من شركات ومؤسسات منطقة الشرق الأوسط لدفع عجلة مسيرتها نحو التحول الرقمي، وتتوفر اليوم فرصة مثالية للتفكير بشكل معمق أكثر بجدوى هذه الخطوة عند تطبيقها على نطاق أوسع لتشمل مختلف القطاعات والصناعات، إذ يعتقد المحللون أن الأعمال والقطاعات المُلتزمة بالرقمنة ستستأثر بما نسبته 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2022. ومن المتوقع أن تعود الرقمنة بمنافع هائلة على المستويين الوطني والدولي، توازياً مع مُساهمة منطقة الشرق الأوسط بنسبة كبيرة في مقوّمات هذا الاقتصاد الرقمي العالمي المزدهر.
 
وفي الواقع، شهدت العقود الأخيرة تحقيق العديد من الإنجازات في مجال الاستفادة من التقنيات والحلول الرقمية، وخاصة على صعيد تطوير البنية التحتية المتقدمة لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الشرق الأوسط. فمثلاً، كانت دول المنطقة سبّاقة عالمياً لتبنّي تقنيات الجيل الخامس، ويمتلك العديد منها حالياً مكانة ريادية في مجالات متنوعة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، إضافة إلى تطوير المدن الذكية. وكانت أزمة كوفيد-19 بمثابة محفز رئيسي لتسريع تنفيذ مزيد من مشاريع الرقمنة الشاملة في شتّى أنحاء المنطقة. وأدركنا من خلال تعاوننا مع الشركاء في القطاع التقني، أن التطبيق العملي المُشترك للابتكارات المتطورة كالجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء سيضمن فعلياً تحقيق مكاسب هائلة تتيح للدول التعافي من تداعيات الأزمة، وتوفر للمؤسسات والأفراد بعداً جديداً من الأعمال والخدمات العصرية السلسة ذات القيمة المضافة والتكلفة الأقل.
 
ويتوقع للتقنيات المتقدمة أن تُسهم قريباً في دعم جميع قطاعات الأعمال في الشرق الأوسط بفضل قدرتها على تعزيز مستويات الإنتاجية والكفاءة وتحسين أوجه الاستدامة وتحقيق قيم  حقيقية جديدة ومميزة للقطاعات خلال المرحلة الحالية والمستقبلية، بما يتناسب مع طبيعة احتياجات كل سوق.
 
وبالنظر لبعض السيناريوهات التي تشهدها المنطقة خلال المرحلة الراهنة على ضوء ظهور جيلٍ جديد من تقنيات المعلومات والاتصالات، نرى أن مزوّدو خدمات الاتصالات في المنطقة يحققون نمواً مُتسارعاً يعزى للإمكانيات الناشئة في مجال  فتح آفاق جديدة لأعمالهم وبالتالي لإيراداتهم، فقد نجحوا فعلياً بالاعتماد على مصادر جديدة للإيرادات ضمن قطاعات أخرى من خلال تسريع الاستفادة من التقنيات الثورية الجديدة كالجيل الخامس، خصوصاً عندما يتم دمجها مع قدرات تقنيات أخرى متطورة كالسحابة الالكترونية والذكاء الاصطناعي. ففي قطاعات النفط والغاز وتوليد الطاقة على سبيل المصال، تُسهم طائرات الدرون وروبوتات المراقبة الذكية في تحسين عمليات المراقبة والصيانة بشكلٍ كبير. ومن جهة أخرى، يتجه مشغلو الرافعات في قطاع الموانئ للانتقال بوتيرة متزايدة إلى بيئات العمل المكتبيّة، وبات باستطاعتهم حالياً الإشراف على تشغيل عدّة رافعات في وقتٍ واحد، مع إمكانية الاطلاع بشكلٍ كامل على جميع البيانات، مما ساعد في تقليص النفقات التشغيلية. وفي مجال الخدمات الصحية، تساعد حلول تقنية المعلومات والاتصالات في تمكين مؤسسات الرعاية الصحية من تشارك البيانات بشكل أفضل مع المستشفيات والهيئات الحكومية وحتى بين الدول، ليصب ذلك في صالح نوعية التشخيص وأنظمة العلاج وكفاءته.
 
وفوق ذلك كله، تُشير المُعطيات إلى أن هذه الابتكارات الرقمية من شأنها أيضاً المساعدة في توفير فرص عمل جديدة. وفي هذا الإطار، قامت شركة هواوي بتكليف فريقٍ من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية بإجراء دراسةٍ حول هذا الموضوع على مدار السنوات القليلة الماضية. ورغم التوقعات التي تشير إلى أن عمليات الرقمنة واسعة النطاق قد تؤدي إلى إلغاء بعض الوظائف التقليدية، أظهرت الدراسة أن الأوضاع ستكون تحت السيطرة وقابلة للإدارة وتحقيق المرونة في مراحل التطوير، وسيُتاح للاقتصاد استيعاب هؤلاء العُمّال ضمن وظائف أخرى. وأوضحت الدراسة أن الدول التي تُسجّل معدلات مُرتفعة لعمليات الأتمتة باستخدام الروبوتات، ومنها كوريا الجنوبية وألمانيا واليابان، غالباً ما تشهد معدلات بطالة منخفضة نسبياً مُقارنة بالدول الأخرى.
 
لا شك أن تسخير إمكانات الاقتصاد الرقمي خلال المرحلة المُقبلة يتطلّب بطبيعة الحال الاعتماد على منظومة عمل اقتصادية مفتوحة وعالية الشفافية، حيث تُظهر تجاربنا خلال العام الماضي بشكلٍ خاص أن الدول باتت تدرك بوضوح مدى ترابطنا الوثيق كمجتمعٍ عالمي. إذ أن التكامل العالمي ووفورات اقتصاديات الحجم تساعد عملياً في تعزيز سويّة الكفاءة عالمياً. ولتحقيق هذه المكاسب، ينبغي مواصلة التعاون المفتوح ومُشاركة جميع المخاطر والقيمة المُحققة، ما يعني الالتزام بتطبيق معايير موحدة للتكنولوجيا، وكذلك تطوير بروتوكولات مُشتركة للتقنيات والتطبيقات الناشئة، وهذا باعتقادنا يمثل الطريق الأمثل والوحيد لتحقيق التقدّم والازدهار والنجاح المشترك لكافة الأطراف المعنية بتفعيل مسار الابتكارات التقنية وأثرها الإيجابي على مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
 
وعلاوة على ذلك، يتعين على بلدان العالم ابتكار خطط لتحقيق القيمة بما يتناسب مع الأنماط والنماذج الاقتصادية الأكثر مُلاءمة لها، على أن تسهم تلك الخطط في تحديد نقاط ومكامن القوة الجوهرية لدى الدول، وأن تستمد الزخم من الواقع الاقتصادي والتقني بشكلٍ عام. وبحلول العام 2023، يتوقع لنحو 75 في المئة من الشركات حول العالم أن تعتمد على خُطط شاملة لتنفيذ التحول الرقمي، مُقارنة مع 27 في المئة فقط خلال عام 2020. وسيشكّل تطوير منظومة أكبر وأكثر شمولاً للمواهب المُرتبطة بتقنية المعلومات والاتصالات جانباً محورياً لدعم المسارات الرامية إلى تحقيق تلك القيمة المنشودة في منطقة الشرق الأوسط، وهو أمر هام نلتزم بدعمه بالتوازي مع الجهود الكبيرة لحكومات دول المنطقة على ضوء الخطط والاستراتيجيات والرؤى الوطنية الطموحة التي تضع الاتصالات وتقنية المعلومات محوراً أساسيا لتحقيق أهدافها. ونحن ملتزمون بالتعاون مع كافة جهات القطاع العام والخاص لوضع إمكانياتنا وخبراتنا العالمية في مجال تحفيز الابتكار التقني وصقل مواهبه وإعداد الكوادر البشرية المحلية تماشياً مع عصر الرقمنة، لتكون الشريحة القيادية لمستقبل دول المنطقة فيما يتعلق بالاستفادة القصوى من التكنولوجيا للمساهمة في مسيرة التنمية والتطوير.   
 
وسيسهم تطوير  نظام إيكولوجي تقني مفتوح ومتعاون قائم على معايير مُحددة بمنطقة الشرق الأوسط في تسريع وتيرة تحقيق المكاسب لمختلف القطاعات والدول بشكلٍ عام. وينبغي لأطر العمل تلك أن تركز على التنمية الوطنية ومنح الأولوية لدعم جهود الابتكار المشتركة؛ حيث يضمن التعاون المنفتح البنّاء لقطاع التكنولوجيا تحقيق قيمة دائمة ومشتركة لجميع الدول، مما يسهم بنهاية المطاف في تمكين الناس، وإثراء أنماط الحياة، والمساهمة في تحقيق رؤى التنمية الوطنية.
 

*رئيس شركة هواوي في منطقة الشرق الأوسط