الاتجاهات التي غيّرت العالم

10.07.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم: د. وليد صافي 

التقدم العلمي الذي افتتحه الاسكتلندي  James wattمن خلال اختراعه المحرك البخاري، قاد في نهاية القرن الثامن عشر الى الثورة الصناعية التي باتت مصدر الثروة الرئيسي. وانضم إنطلاق  الانترنت العام 1973 إلى الانجازات العلمية التي سبقته مثل الكهرباء، الهاتف، التلغراف، الراديو، التلفاز والكمبيوتر، ليصبح في العام 1983مع إنشاء المجالات المتعلقة به، واحداً من أهم مكونات اتجاهات التغيير في نهاية القرن العشرين. الثورة الصناعية الرابعة التي تتمثل بالتكنولوجيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والبلوكتشين، تفتتح عصراً جديداً من التغيير والتحولات الجيوسياسية.

نمو دور الأسواق الناشئة

مؤلفو كتاب "لا اضطراب عادياً: القوى العالمية الأربع التي تحطم كل الاتجاهات"  قدموا تفسيراً شاملًاً لهذه القوى، ونطاق وحجم وسرعة التغيير التي يشهدها القرن الحادي والعشرين، الذي افتتح بانتقال مركز النشاط الاقتصادي من البلدان الصناعية المتقدمة الى الاسواق الناشئة وفي مقدمها الصين. يُحدثْ هذا الانتقال في المركز الجديد لصناعة الثروة العالمية مشهداً جيوسياسياً جديداً لإعادة تشكيل النفوذ على المستويين العالمي والاقليمي، حيث من المتوقع في حلول العام 2025، أن تكون الصين موطناً لشركات أكبر من الولايات المتحدة أو أوروبا، وأن يكون مقرّ ما يقرب من نصف الشركات الكبرى في العالم - التي تبلغ إيراداتها مليار دولار أو أكثر - في الأسواق الناشئة"، كما سيأتي "ما يقرب من نصف نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 440 مدينة في الأسواق الناشئة". وأشارت مجلة الايكونوميست في مقال حول "الجغرافيا السياسية الجديدة للأعمال"، إلى ان الصين والولايات المتحدة تستأثران بـ 76 شركة من بين أول 100 شركة في العالم ، فيما انخفضت حصيلة أوروبا من 41 شركة في العام 2000 إلى 15 شركة في الوقت الحالي. 

"مناجم" البيانات 

يتمثل الاتجاه الثاني للتغيير الذي يشهده العالم بالتسارع في النطاق والحجم والأثر الاقتصادي للتكنولوجيا ودورها في نواحي الحياة البشرية. ساهم انطلاق الفيسبوك والواتساب وwechat  وملايين التطبيقات وانتشارها على نطاق واسع في العالم بنشوء عصر زاهر من الأدوات الذكية والتواصل الفوري وتبادل المعلومات التي لا حدود لها. وتمثل الهواتف الذكية والانترنت فرصاً كبيرة للتقدم الاقتصادي لملايين الاشخاص، حيث إن 60 في المئة من البشر قادرون حالياً على التواصل عبر الإنترنت. من جهة ثانية ، الحصول على البيانات وامتلاك القدرة على تصنيفها وتحليلها ووضعها بمتناول صناع القرار اصبحت جزءاً من القوة والنفوذ، وتشكل البيانات في بيئة الاعمال عاملاً حاسماً في إعادة تكوين الميزة التنافسية وإعادة التموضع في الاسواق . ويشير Matthew Slaughter و David McCormic في مجلة "فورين أفيرز"  إلى أن تدفقات البيانات عبر الحدود نمت ما يقرب من 112 مرة خلال الفترة من 2008 إلى 2020،  وأن الاقتصاد العالمي اصبح آلة حركة دائمة للبيانات، فهو يستهلكها ويعالجها وينتج منها كميات أكبر من أي وقت مضى، ويُمكِن الآن الاتجار بالتكنولوجيا الرقمية في البيانات، كما أشارا الى أن تدفق البيانات عبر الحدود  ساعد التجارة الإلكترونية في العام 2018 على تحقيق مبيعات تصل إلى 25.6 تريليون دولار، ويمكن القول إن الزيادة الكبيرة في استخدام البيانات تقدم فرصاً اقتصادية كبيرة، حيث تعتبر اليوم بمثابة  "النفط الجديد".

اذاً، شكّلت التجارة والافراد والبيانات أو ما يسمى بـ "التدفقات" القوة الثالثة الرئيسية في التغيير، وقادت التحول الذي جرى في سلسلة الخطوط التي تربط مراكز التجارة الرئيسية في أوروبا وأميركا الشمالية، حيث يشير مؤلفو كتاب "لا اضطراب عادياً..." ، إلى أن توسع نظام التجارة العالمي أدى إلى نسج  شبكة معقدة ومترامية الطرف، بحيث أصبحت آسيا أكبر منطقة تجارية في العالم، في حين ضاعفت التدفقات "بين الجنوب والجنوب" وبين الأسواق الناشئة حصتها من التجارة العالمية خلال العقد الماضي. وتشير تقارير منظمة التجارة العالميةً الى ارتفاع حجم التجارة بين الصين وأفريقيا العام 2019  إلى اكثر من 208 مليارات دولار، وأن التدفقات الرأسمالية العالمية توسعت بمقدار 25 مرة ما بين العامين 1980 و 2007، وعبر أكثر من مليار شخص الحدود خلال عام واحد، أي أكثر من خمسة أضعاف الرقم في العام 1980. 

الروابط التي أوجدتها التكنولوجيا بين العناصر الثلاثة خلقت ديناميكية جديدة وانتجت فرصاً للاستثمارات، وساهمت في حدوث تقلبات مفاجئة. التحولات التي أحدثتها التكنولوجيا في النشاط الاقتصادي ظهرت في حجم الشركات التكنولوجية التي  اصبحت تمثل ربع سوق الاسهم العالمية. من الواضح أن الولايات المتحدة الاميركية والصين استثمرتا بشكل كبير في التكنولوجيا والابتكار، انطلاقاً من تأثيرهما في الاقتصاد على عكس ما جرى في اوروبا، وقد أشارت مجلة الايكونوميست أنه "من بين الشركات الـ 19 التي تمّ إنشاؤها في السنوات الـ 25 الماضية والتي تبلغ قيمتها الآن أكثر من 100 مليار دولار، تسع شركات في أميركا وثمان في الصين ، أوروبا ليس لديها شركات ناشئة تنافس أمازون أو غوغل".

في خضم التحديات التي أحدثها وباء Covid 19  في بيئة الاعمال ووسط هذا التغيير الهائل، الاتجاه الذي فرض نفسه في التحول الرقمي يمثل احد شروط إعادة التموضع في اسواق تخضع لتحديات مختلفة ومنافسة غير مسبوقة . قادة المؤسسات مدعوون الى فهم دوافع هذا التغيير وتاثيراته، وامتلاك القدرات على التأقلم والتعامل مع بيئة الاعمال التي تختزن مفاجآت غير سارة،  وسرعة التغيير فيها بلغت عشر مرات السرعة التي واكبت الثورة الصناعية الاولى والثانية مع قوة ثاثير تصل الى 3000 ضعف. 

* أستاذ الدراسات العليا في الجامعة اللبنانية 

 كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية