لماذا أطلقت هواوي أكبر مركز أمن سيبراني في العالم؟

09.06.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني
لم يكن اختيار هواوي لمدينة دونغ غوان بهدف إقامة "مركز الشفافية العالمي للأمن السيبراني وحماية خصوصية المستخدم" خطوة عابرة. هذه المقاطعة التي تتموضع بين عواصم الصناعات الرقمية والمالية الصينية مثل شنزن وغوانغزو، وعلى مقربة من هونغ كونغ وضفاف بحر الصين، هي واحدة من المدن الرئيسية التي تعتبرها الصين قبلة للتجارة العالمية وميدانا للانفتاح الاقتصادي منذ عقود طويلة. وتتخذ هواوي من هذه المدينة مقرا لها حيث تستضيف ما يشبه المكوّنات الرئيسية التي تشكل مجتمعة "عقل" هواوي ومعظم مرافقها الحيوية التي تستند إلى عشرات آلاف الموظفين. 
ويأتي افتتاح هذا المركز الذي يُعد الأكبر من نوعه في العالم، استكمالا لسياسة الأبواب المفتوحة التي اعتبرها رئيس مجلس الإدارة الدوري لشركة هواوي كين هو خلال إطلاق المركز اليوم، مسارا أساسيا "للتعاون الدولي وبناء القدرات المشتركة بين جميع الأطراف" لتعزيز الحوكمة وضمان الشفافية في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا. و"مركز الشفافية العالمي للأمن السيبراني" الذي أطلقته هواوي جاء بالتزامن مع كشفها عن وثيقة "المبادئ الأساسية لأمن المنتجات" المتعلقة بجوانب الأمن الرقمي الخاصة، ليس ظاهرة جديدة في ثقافة الشركة، إذ أنه ينضم إلى مجموعة مراكز مماثلة سبق افتتاحها حول العالم وتحديدا في المملكة المتحدة وكندا وألمانيا والإمارات العربية المتحدة وإيطاليا وبلجيكا. 
المهمة الأساسية لهذا النوع من المراكز هو إجراء التحقق الأمني واختبار برمجيات وأجهزة هواوي والمستندات الفنية وتجهيزات الاختبارات والدعم الفني. لكن دوره أكبر من ذلك بكثير، إذ أنه يشكل مدماكا جديدا في بُنيان جسر التعاون الرقمي الدولي، الذي بدأت هواوي ببنائه منذ تأسيسها في العام 1987. 
وتحدث خلال حفل إطلاق المركز مجموعة من كبار الشخصيات العالمية من بينها المدير العام للجمعية الدولية للهاتف المحمول ماتس غرانريد، رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة د. محمد حمد الكويتي، مدير مكتب هواوي العالمي للأمن السيبراني وحماية خصوصية المستخدم شون يانغ، إضافة إلى ممثلين عن المعهد البريطاني للمعايير والهيئات التنظيمية في الإمارات وإندونيسيا وممثل عن شركة "سوزه" للبرمجيات. 

 

لكن لماذا أطلقت هواوي هذا المركز وما هي معاني هذه الخطوة وخلفياتها؟ 

تصعب الإحاطة بكافة الجوانب التي قادت الشركة إلى المبادرة وافتتاح هذا المركز المتخصص بالشفافية والأمن السيبراني وخصوصية المستخدم، لكن يمكن اختصار بعض أهم الأسباب من خلال التالي:
• دخل العالم في رحاب الثورة الصناعية الرابعة، التي تختفي فيها الحدود بين كل ما هو مادي وما هو رقمي. وسيكون من الأهمية بمكان، توفير الأدوات والأنظمة المناسبة لمنح الثقة لهذا العصر الجديد. ومن يُطلق من بين أقطاب صناعة الاتصالات العالمية مراكز مخصّصة لهذا الشأن، سيكون في مقدمة المسيرة، ذلك أن الأمن السيبراني هو القضية رقم واحد في عالمنا الرقمي اليوم. ولا زالت قضية اختراق شبكة خطوط أنابيب الوقود الأمريكية التابعة لشركة كولونيال وتعطيلها حاضرة في الأذهان. فقد تسبب هذا الاختراق بإعلان حالة الطوارئ وبخسائر اقتصادية فادحة.  
• لم تعد شبكات الاتصالات النقالة مجرد أداة لنقل الاتصالات الصوتية والبيانات، هذا عصر مضى. اليوم باتت شبكات الاتصالات العامود الفقري للعالم، حيث تمرّ كميات هائلة من البيانات أو الداتا بين أقطاب ومراكز الصناعات على اختلافها. وتوفير أدوات للتأكد من سلامة وأمن وخصوصية انتقال هذه البيانات، بات أمرا حيويا، لأن هذه البيانات أصبحت في بعض الأحيان أهم من أصول الشركات المادية في اقتصاد معولم تحتل فيه الفكرة موقعا أهم من رأس المال.
• وسط الخلافات العالمية حول مرجعية الأمن الرقمي والشفافية، يتيح هذا المركز لكافة المعنيين مشاركة خبراتهم على مستوى الحوكمة الرقمية والتعاون على ابتكار حلول تقنية مشتركة. وسيوفر المركز عروضا تجريبية للحلول الرقمية، وسيتيح تبادل الخبرات وتعزيز التعاون في مجال حلول الاتصالات والابتكار وإجراء الاختبارات الميدانية والتحقق الأمني لكل المعنيين بهذا القطاع، كالجهات التنظيمية ومنظمات اختبار المعدات والأنظمة المستقلة أو التابعة لجهات خارجية بالإضافة إلى مؤسسات وضع المعايير وعملاء هواوي وشركائها ومورّديها.
• تسعى كل الأطراف الدولية إلى وضع نهج موحّد للأمن السيبراني في قطاع الاتصالات، كما تركز الحكومات على أهمية توحيد مواصفات ضمان الأمن الرقمي والشهادات المستقلة كما هو الحال مع منظمة NESAS. وتلعب هذه الخطوات دورا حيويا في تعزيز مواصفات أمن تجهيزات الشبكات وتوفير الشهادات المتصلة بها. ومركز هواوي الجديد يدعم هذا التوجّه، ويساهم لا في تطوير الشبكات الآمنة فحسب بل في التأكد منها أيضا من جانب كل الأطراف المعنية. وهو ما ركّز عليه د. محمد حمد الكويتي خلال افتتاح المركز، إذ سلّط الضوء على أهمية التعاون من أجل ما وصفه بـ " بناء مستقبل رقمي يتسم بالمرونة والاستدامة"، مضيفا أن نهج الامارات في هذا المجال يركز على "الشراكات وتوحيد جهود الأمن والدفاع السيبراني بين القطاعين العام والخاص".
• في عصر الجيل الخامس، لم يعد من الممكن الاعتماد على الأساليب القديمة في حماية الشبكات وتوفير الأمن السيبراني. ويمكن أن يلعب مركز هواوي الجديد دورا في هذا الإطار. ويقول ماتس غرانريد خلال حفل افتتاح المركز أن توفير الخدمات الحالية والجديدة في عصر الجيل الخامس يعتمد على خدمات الاتصالات التي توفرها شبكات الهاتف النقال بشكل كبير، وعلى التقنيات الأساسية التي تتمتع بالأمان والتي يمكن الاعتماد عليها. ويضيف: "تهدف المبادرات مثل قاعدة معلومات الأمن السيبراني للجيل الخامس التي أطلقتها "الجمعية الدولية للهاتف المحمول" GSMA والتي تم تصميمها لمساعدة جميع الأطراف، إلى فهم مخاطر الشبكات والحد منها، واختبار أمن تجهيزات الشبكات، وهو نظام تم تصميمه لضمان أمن التجهيزات على مستوى القطاع التقني".
• ترافق افتتاح هواوي لمركزها مع "كشف أوراقها" أمام الجميع، مع إعلانها عن مشاركة المبادئ الأساسية للأمن السيبراني مع القطاع التقني بأكمله وليس مع المورّدين الأساسيين فحسب. ودعا شون يانغ كل من له علاقة بهذا القطاع بمن فيهم العملاء والمنظمين ومؤسسات المعايير وموردي الخدمات التقنية ومؤسسات الاختبار، إلى تبادل الآراء والتعاون على تعزيز المبادئ الأساسية للأمن السيبراني. وقال: "من خلال تعاوننا معاً، سنتمكن من تحسين أمن المنتجات في القطاع التقني بشكل متواصل".
• هواوي ليست شركة عادية، وتمتد حدوها لتشمل معظم بلدان العالم. وعلى مدار الأعوام الماضية، أنشأت الشركة أكثر من 1500 شبكة من شبكات الاتصالات التي توفر خدماتها إلى أكثر من 3 مليارات شخص في 170 بلداً ومنطقة. وخلال كل نشاطاتها وفي كل شبكاتها لم تسجل وقوع حدث أمني رقمي كبير في أي من شبكاتها. وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة إليها على المستوى الرقمي. ومع افتتاحها المركز الجديد، تكون قد مضت عميقا في رحلة مأسسة ملف الأمن السيبراني والتأكد من تجهيزاتها، خصوصا وأنها بدأت بإطلاق هذا النوع من مراكز الأمن السيبراني منذ أكثر من عقد.  
• يُعد المركز واحداً من المراكز العالمية تماما مثل مركز بروكسل، حيث يتم التركيز على العملاء والهيئات التنظيمية ومؤسسات المعايير والشركاء والموردين وغيرهم من أصحاب المصلحة في جميع أنحاء العالم. وسيكون للمركز قدرات عالمية بفضل ميزات الحوكمة والإمكانات الفنية التي يمتاز بها. وسيوفر المركز منصة مفتوحة تتيح لمراكز هواوي الإقليمية والمحلية الحصول على الموارد بما فيها الجولات الافتراضية وتبادل الخبرات عن بُعد والخبراء الفنيين وإجراء عمليات الاختبار والتحقق من البرمجيات والأجهزة.
• سيشكل المركز عنصرا تراكميا في ثقافة الأمن السيبرانية لدى هواوي. إذا تعمل الشركة على تعزيز الأمن السيبراني منذ عام 2000. ولديها حاليا أكثر من 3000 موظف يعملون في البحث والتطوير في مجال الأمن السيبراني. وتصل نفقات البحث والتطوير على الأمن السيبراني وحماية الخصوصية في الشركة إلى 5 في المئة من إجمالي استثمارات الشركة في البحث والتطوير. وبنهاية العام الماضي، كانت هواوي قد نالت عن ابتكاراتها التقنية في الأمن السيبراني وحماية الخصوصية نحو 2963 براءة اختراع في جميع أنحاء العالم.