هل تقف مصر مكتوفة الأيدي؟
تداعيات وخيمة لـ "سد النهضة" على القطاع الزراعي؟!

02.06.2021
الرئيس عبد الفتاح السيسي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

منذ إعلان إثيوبيا عن إنشاء سد النهضة بقرار منفرد في شهر إبريل 2011، وحتى توقيع رؤساء الدول الثلاث إثيوبيا، السودان، ومصر على وثيقة "إعلان المبادئ" في مارس 2015 تبنت مصر نهجا يهدف إلى دعم مبدأ التعاون على أساس تفهم الاحتياجات المائية والتنموية وتحقيق أسس الأمن المائي لكل من دول المنبع والمصب.

لكن مع تبني اثيوبيا نهج التحدّي عبر بدء الملء الثاني للسد من دون التوصل إلى اتفاق ملزم تطالب به مصر والسودان، تصاعدت وتيرة الخلاف وباتت تنذر بعواقب وخيمة، لما يمثّله هذا الملف من "قضية أمن قومي" لدولتي المصب. ولكن بعيدا عن الإجراءات التي قد تتخذها مصر لحماية أمنها القومي، نستعرض تأثير وتداعيات سد النهضة على القطاع الزراعي في مصر.

يصنّف نظام الموارد المائية في مصر على أنه نظام مغلق، وتعتمد إدارة هذا النظام على موارد متجددة محدودة، وعلى ِاستخدام مرات عدة للموارد المائية غير التقليدية (مثل مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي والمياه الجوفية الضحلة)، مما يتسبب في تدني نوعية المياه على المديين المتوسط والطويل. وفي حالة عدم توافر الموارد المالية الضخمة لمعالجة هذه الموارد المائية غير التقليدية وتنقيتها بالطرق المناسبة يصبح استخدامها محفوفا بمخاطر جسيمة.

وقد دأبت مصر على شرح موقفها المائي الحالي والذي تجاوز من حيث الندرة حد الفقر المائي، حيث تحصل مصر سنويا على حصتها المحددة باتفاقية عام 1959 بينها وبين السودان والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب والتي لم تتغير منذ أكثر من نصف قرن، حتى إن العجز المائي الذي تعانيه مصر حاليا يبلغ حوالي 22 مليار متر مكعب سنويا، وهو ما يمثل حوالي 40 في المئة من حصتها المقررة. إضافة إلى أن المنتجات الغذائية المستوردة تتضمن مياها افتراضية تقدر بنحو 33 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن إجمالي العجز المائي يقدر بنحو 55 مليار متر مكعب، وعليه فإن إجمالي الاستهلاك المائي المصري يصل إلى 110مليار م.3.

كما انخفض نصيب الفرد في مصر إلى ما يقارب 625 متراً مكعباً سنوياً من المياه العذبة المتجددة، بعد أن وصل تعداد السكان إلى 100 مليون نسمة في سنة 2017 والمرشح للزيادة ليصل إلى حوالي 120 مليون نسمة بحلول 2025، ليبلغ نصيب الفرد 450 متراً مكعباً سنوياً، وهو انخفاض دون حد الشح المائي والذي يقدر حسب المؤشرات العالمية بحوالي ألف متر مكعب سنوياً.

التأثيرات السلبية للسد

أظهرت نتائج العديد من السيناريوهات التي تمت دراستها تحت كافة الظروف، واعتمادا على بيانات السلاسل الزمنية للتصرفات التاريخية للنيل الأزرق على مدى 100 عام، واستخدام طريقة المتوسط الحسابي المتحرك في تقدير الفترات الزمنية الممثلة للتصرفات الطبيعية التي تناسب كل سيناريو من السيناريوهات المطروحة والتي تعدى عددها 95 سيناريو، أن مخزون السد العالي سيعاني نقصا شديداً أثناء ملء وتشغيل سد النهضة مما سيؤثر بداية على توليد الكهرباء من السد العالي، كما أن بعض السيناريوهات أظهرت إمكانية هبوط مستوى التخزين في بحيرة السد العالي لمستويات يتوقف معها عمل توربينات كهرباء السد، وقد يصل الحد إلى أن تهبط المناسيب لأدنى من منسوب التخزين الميت لمدة سنوات أثناء الملء وتكرار ذلك أثناء التشغيل، وهو ما يعني حرمان مصر من الحصول على كامل حصتها المائية المحدودة خلال هذه الفترات.

وقد وجد أن الحد الأدنى في الحالات التي تهدد بالوصول لهذا الوضع سيكون نقص المسحوب من السد العالي لمصر بمقدار 10 مليارات متر مكعب في السنة لفترات تتوقف على الوضع الذي يمثله كل سيناريو.

تأثير سد النهضة على الزراعة

يمثّل القطاع الزراعي عصب الاقتصاد المصري، حيث تساهم الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 15 في المئة وفي الصادرات بنحو 20 في المئة، بينما يبلغ عدد العاملين في هذا القطاع 30 في المئة من إجمالي قوة العمل المصرية حيث يتمرّكز في الريف نحو 60 في المئة من السكان. ويستورد المجتمع المصري منتجات زراعية لتغطية حاجة السكان من الغذاء بنحو 90 مليار جنيه سنويا، حيث تبلغ نسب الاكتفاء الذاتي من القمح 55 في المئة والذرة 56 في المئة والفول 27 في المئة والزيوت 10 في المئة واللحوم 74 في المئة. واستنادا إلى الأرقام المبينة سوف يؤدي ملء بحيرة سد النهضة إلى انخفاض كميات المياه الواردة إلى مصر وبالتالي خفض حصة الزراعة من المياه مما سيؤثر على النشاط الزراعي تأثيرا كبيرا.

وتشير الدراسات إلى انخفاض الإنتاج الكلي من القمح من نحو 9.6 إلى 6.7 ملايين طن سنوياً، أي أن انخفاض إنتاج القمح سيصل إلى 2.9 مليون طن سنويا خلال فترة الملء. وانخفاض الإنتاج الكلي للذرة الشامية من نحو 7.6 إلى 5.3 ملايين طن سنويا، أي أن انخفاض إنتاج الذرة الشامية سيبلغ نحو 2.3 مليون طن سنويا. وانخفاض الإنتاج الكلي للأرز من نحو 5.5 إلى 3.8 مليون طن سنويا بانخفاض يصل إلى نحو 1.7 مليون طن سنويا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض المحاصيل الزراعية الأخرى، حيث ستصل قيمة الخسائر في مجمل المحاصيل الزراعية إلى نحو 28 مليار جنيه سنويا خلال فترة الملء، وستصل قيمة الخسائر في المحاصيل المعمرة إلى نحو 3.6 مليار جنيه سنويا، وفي محاصيل الخضر ستصل الخسائر إلى نحو 6.1 مليار جنيه سنويا، وفي محاصيل الفاكهة ستصل الخسائر إلى نحو 6.1 مليارات جنيه سنويا، وبالتالي فإن إجمالي خسائر الإنتاج النباتي ستصل إلى نحو 43.8 مليار جنيه سنويا خلال فترة الملء.

وتقدر خسائر الإنتاج الحيواني والسمكي بنحو 9.8 مليار جنيه سنوياً، كما تقدر خسائر التجارة الخارجية نتيجة زيادة الواردات ونقص الصادرات بنحو 97.8 مليار جنيه سنوياً، وبهذا يبلغ إجمالي الخسائر المصرية المباشرة في الزراعة فقط نحو 151 مليار جنيه سنويا خلال فترة الملء.

وإضافة إلى هذه الخسائر السنوية المباشرة، فإن الآثار المرتبطة بتدهور نوعية المياه والآثار البيئية الناتجة عن تملح وتصحر الأراضي وخسائر الصناعات المرتبطة بالإنتاج الزراعي تقدر قيمتها بنحو 80 مليار جنيه سنوياً، فضلاً عن المشاكل التي ستنشأ عن البطالة التي تترتب على النقص في تلك الأنشطة والتي في مجملها قد ترفع الخسائر إلى أضعاف تلك المقدرة.

في النهاية، لا تستبعد مصر خيار الحرب، إذا ما اضطرها لذلك التعنت الإثيوبي؛ ففي المفاوضات الدولية ينتصر صاحب السقف الأعلى، كما أن التهديد باحتمالية الحرب والإضرار بالاستقرار، والضجيج الإعلامي والزخم السياسي المصاحب لهما، يمثِّل بذاته عنصر ضغط على كافة الأطراف الإقليمية والدولية للتوقف عن اللامبالاة بالحقوق المصرية، وإجبارها على التدخل لتحقيق تسوية أكثر إنصافًا، خصوصًا مع عدالة القضية المصرية.