أزمة سد النهضة الى تفاقم...
هل تشهد المنطقة أولى الحروب على المياه؟

27.05.2021
العميد ناجي م. ملاعب
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

العميد م. ناجي ملاعب

في تصعيد واضح لسقف خياراتهما في أزمة سد النهضة، مع اقتراب إثيوبيا من الملء الثاني للسد على نهر النيل، نظمت مصر والسودان مناورة عسكرية ضخمة تحت اسم "حماة النيل"، وبمشاركة قوات برية وبحرية وجوية. أهداف التمرين - وفق المتحدث باسم الجيش المصري: "تأكيد مستوى الجاهزية والاستعداد للقوات المشتركة، وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين. ويأتي هذا التمرين استمراراً لسلسلة التدريبات السابقة "نسور النيل 1″، و"نسور النيل 2".

بعد الأخذ بعين الإعتبار "تلويح" وزير الخارجية المصري سامح شكري بردِّ فعل مصري - رفض أن يحدده - في حال تجاوز أديس أبابا الخطوط الحمراء في الأزمة، فإن الموضوع مفتوح على احتمالات لا تلغي الخيار العسكري، فهل يشكل هذا التمرين وسيلة للضغط المعنوي على إثيوبيا لتأجيل الملء الثاني لسد النهضة، أو أن الهدف من تواجد القوات المصرية هو حماية السودان من أي رد فعل إثيوبي، في حال توجيه القوات الجوية المصرية ضربة عسكرية لسد النهضة.

يعتبر سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا بمثابة روح جديدة لإنعاش هذا البلد الفقير الذي يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة، يفتقد معظمهم الطاقة الكهربائية، وأهميتها في الدفع بمشاريع تنموية من شأنها إحياء البلاد من جديد. وكانت بحيرة السد قد استوعبت ما يزيد على أربعة مليارات متر مكعب خلال المرحلة الأولى للملء، وستستوعب خلال المرحلة الثانية نحو 18.4 مليار متر مكعب، لتعقبها مراحل أخرى وصولاً إلى الطاقة التخزينية الكاملة للبحيرة، وهي 74 مليار متر مكعب، حتى يستطيع السد الوصول إلى طاقته القصوى.

تأثير ملء السد على مصر والسودان

سد النهضة الإثيوبي الكبير يمكن أن يؤدي أيضاً إلى خفضٍ دائمٍ في منسوب المياه في بحيرة ناصر، إذا تمَّ تخزين الفيضانات بدلاً من ذلك في إثيوبيا، وهذا من شأنه تقليل التبخر الحالي لأكثر من (10) مليار متر مكعب سنوياً، وقد ورد في احصائيات دولية، أنَّه من خلال ملء الخزان يمكن أن يُفقد من (11) إلى (19) مليار متر مكعب من المياه سنوياً، مما سيتسبب في خسارة مليوني مزارع دخلهم خلال فترة ملء الخزان، وسيؤثر ذلك على إمدادات الكهرباء في مصر بنسبة (25%) إلى (40%). كما سيحدث انخفاضٌ مؤقتٌ بنسبة (25%) من إنتاج الطاقة الكهرومائية.

السودان، من جهته، لم يقدم على أي اجراء بعد اكتمال الملء الأول للسد، واكتفى، على لسان وزير الري، بتحذير إثيوبيا من الشروع في المرحلة الثانية قبل التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، معتبراً ذلك من قبيل سياسة فرض الأمر الواقع، موضحاً أن هذه الخطوة تشكّل تهديداً لمعاش عشرين مليون مواطن سوداني يعيشون على ضفتي النيل الأزرق.

من ناحية أخرى، سيحتفظ السد بالطمي، وبالتالي ستتم زيادة فترة الحياة والاستفادة من السدود في السودان – مثل سدود الروصيرص وسنار ومروي وفي دولة مصر السد العالي بأسوان. وعلى عكس مصر، فإن الخرطوم لا ترى في خفض حجم مياه النيل التي تصله مشكلة كبيرة، بل إن بناء سد النهضة قد ينظم في المستقبل مشكل الفيضانات العشوائية، إضافة إلى إمكانية الحصول على طاقة كهربائية رخيصة من إثيوبيا.

المفاوضات الى الطريق المسدود

بدأت إثيوبيا في التخطيط لإنشاء سد النهضة في مطلع تسعينيات القرن العشرين، في وقت فشلت فيه القاهرة طيلة فترات الإنجاز من تغيير مسار بناء المشروع الذي أصبح اليوم أمراً واقعاً لا خيار أمامها سوى التعامل معه ببراغماتية. وحتى "مبادرة حوض النيل" التي تم إطلاقها عام 1999 وبدعم كبير من الدول الأوروبية، والتي هدفت الى الدفع بجميع الدول المعنية للجلوس لطاولة المفاوضات لم تكن ناجعة. وترتبط الولايات المتحدة والأوروبيون، وكذلك دول الخليج وجمهورية الصين الشعبية بعلاقات جيدة مع البلدان الثلاثة، ما يفسر أنهم عدم الرغبة لديهم للانحياز إلى أي من أطراف الصراع".

وأكد وزير الخارجية الإثيوبي ثقته مجدداً "في دور الاتحاد الإفريقي في تسهيل مفاوضات سد النهضة والوصول بالعملية إلى خاتمة ناجحة، مؤكدا على قناعة إثيوبيا بمبدأ إيجاد حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية". فهل ستلتزم أديس أبابا بتلك الوساطة الإفريقية؟

ما قبل الخيار العسكري ـ مرجعية القانون الدولي

يقول الباحث في المعهد الأفريقي للدراسات الأمنية في أديس أبابا، أن مصر "تطالب بحقها التاريخي في نهر النيل، مستندة في ذلك إلى معاهداتي 1929 و1959 ومعتبرة الأمر قضية أمن قومي"، غير أن الاكتفاء بهذه الحجة لم يعد كافياً لاستمرار الوضع على ما هو عليه.

من جهته، يرى الخبير القانوني السوداني د. أحمد المفتي أن الموقف القانوني للسودان في حالة إقدام إثيوبيا على الملء بإجراءٍ منفردٍ يتطلب إيقاف المفاوضات فوراً، ودعا إلى ضرورة إرجاع الأمر إلى مجلس الأمن فوراً لاستصدار قرارٍ بموجب الفصل السابع، لإلزام إثيوبيا بوقف الملء الأول، وعدم اتخاذ أي إجراء إلا بعد وصول إثيوبيا إلى اتفاقٍ ملزمٍ مع السودان ومصر، يحدد حقوق والتزامات كل دولة، لأن مجلس الأمن سبق أن طلب من إثيوبيا عدم الملء بإجراءٍ منفرد.

ومن حيث القانون الدولي، وحتى في غياب معاهدة تجمع البلدان الثلاثة، مصر، السودان وإثيوبيا، هناك معاهدة دولية دخلت حيز التنفيذ عام 2014، وهي اتفاقية حق استخدام المجاري المائية الدولية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة .

حلول ممكنة من دون الخيار العسكري!

يرى باحثون عسكريون أن أية ضربة عسكرية جوية لسد النهضة شبه مستحيلة، في حال بدء الملء الثاني، لأنه من شأن انهيار السد احتمال تعريض السودان وحتى صعيد مصر لموجة من الفيضانات المدمرة، من جرّاء انطلاق المياه المحتجزة خلف السد بعد الملء. بل إن خيار قصف السد، قد يصبح صعباً إلى الأبد، لأن الملء الثاني لسد النهضة سيحول النيل الأزرق من نهر شبه موسمي إلى نهر ممتلئ بالمياه على الدوام، مما يجعل خطر تدفق موجة فيضانات قائماً في كل المواسم.

أحد الحلول الممكنة تقدم بها ثلاثة باحثين ألمان، في مقال مشترك نشرته مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية في برلين، ويتضمن فكرة تهدف الى تجاوز مأزق المفاوضات المصرية الأثيوبية، وتقوم على حث ألمانيا وشركائها الأوروبيين على دعم مصر من أجل إنشاء آلية تعويض، معتبرين أن الحل "يمر عبر تعويض مالي مصري لإثيوبيا"، كخطوة من شأنها "تعزيز الاستقرار في منطقة ممزقة أصلا بالصراعات وبالتالي التخفيف من ضغط الهجرة على أوروبا" كما رأى الباحثون الثلاثة، الذين أكدوا في الوقت ذاته أن أي مساهمة مالية أوروبية يجب ربطها بضرورة التزام القاهرة بترشيد إدارة المياه والحكامة بشكل عام.

وفي محاولة حل أخرى، تقول فلين ويلينغ الباحثة في الجوانب القانونية لاستخدام المصادر المائية العابرة للحدود، أن من "حلول الوسط" الممكنة أن يتم ملء السد تدريجيًا في موسم الأمطار، مع أخذ التداعيات على السكان في مصب النهر بعين الاعتبار. بعد ذلك، "يمكن تشغيل السد على المدى الطويل وفقًا لآلية تأخذ في الاعتبار احتياجات توليد الطاقة وتدابير الحماية المناسبة لمصر والسودان خلال فترات الجفاف". فهل يتم الأخذ بأحد الحلين المذكورين عوضاً عن إشعال حرب المياه للمرة الأولى في المنطقة.

إن تدفق مياه النيل ووفقاً للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة هي مسألة الحق في الحياة، فالمياه شريان الحياة،  ولا بد ايضاً من قيام تحالفات طبيعية ما بين السودان ومصر مع الدول النيلية للحفاظ على حصة كل منهما في مياه النيل. وهذا يستدعي التضامن العربي مع السودان وجمهورية مصر العربية، لإثبات أهما ليستا معزولتان في معركة الحياة والموت.