في غياب الحكومة والخطة وصندوق النقد
ماذا يغيّر تطبيق التعميم 154
في المشهد المصرفي القائم؟

25.02.2021
نسيب غبريل و فهيم معضاد
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
بهيج أبو غانم

كثر الكلام في الأيام القليلة الماضية مع اقتراب استحقاق التعميم 154 الرامي إلى تعزيز رسملة وسيولة القطاع المصرفي ، وعن مدى قدرة المصارف أو عدمها على تطبيقه. كذلك تنوعت التوقعات بشأن هذا التعميم حول احتمالات تمديده بالكامل أو جزئياً لبعض مندرجاته، أو عدم تمديده الذي يرتب على المصارف التي لم تتمكن من تطبيقه إتخاذ إجراءات في شأنها من بينها إحالتها على الهيئة المصرفية في مصرف لبنان للنظر في مصيرها.

غير أن السؤال الأهم بين كل هذه التوقعات والتحليلات هو: لو أن المصارف كلها تمكنت من تطبيق التعميم بكل مضامينه فما الذي يتغير في المشهد المصرفي القائم حالياً وفي ظلّ الظروف الاقتصادية والمالية والمصرفية والنقدية المعروفة؟ فهل يبقى المشهد على حاله من حيث عودة النشاط المصرفي إلى سابق عهده كما يشير التعميم أم أن ثمة تغييرات متوقعة يعتد بها؟

للإجابة على هذا السؤال لا بدّ من العودة إلى العناصر الأساسية للتعميم وهي ثلاثة: زيادة رأس المال، تعزيز موجودات المصارف لدى البنوك المراسلة، واستعادة بعض التحويلات الحاصلة وفقاً لنسبة معيّنة.

زيادة رأس المال

نص التعميم 154 على وجوب زيادة رأس مال المصرف  بنسبة 20 في المئة محتسبة على أساس حقوق المساهمين كما كانت بنهاية 2019 والبالغة نحو 22 مليار دولار، ما يعني أن الزيادة المطلوبة تعادل نحو 4 مليارات دولار.

وهذه الخطوة وفقاً لإجماع المحلّلين لن تقدّم ولن تؤخّر في المشهد المصرفي القائم، باعتبار أن التعميم أجاز تغطية هذه الزيادة بالدولار المحلّي اما عبر كبار المودعين أيّ مَنْ يرغب بتحويل وديعته إلى رأس المال، أو من خلال الأجازة للمصرف لإعادة تقييم موجوداته الثابتة لاسيما العقارات منها.

ويقول مستشار رئيس مجلس ادارة بنك لبنان والمهجر نائب الحاكم الأسبق فهيم معضاد أن هذه الزيادة في رأس المال لا تحدد المقدار الفعلي للرساميل بعد أن تآكلت بعد امتناع الدولة عن تسديد سندات "اليوروبوندز"، وبعد إلزام المصارف بموجب تعميم سابق إقتطاع مؤونات مُقابل هذه السندات بنسبة 45 في المئة واقتطاع بنسبة 1.89  في المئة من قيمة شهادات الإيداع بالدولار المُستحقة على مصرف لبنان.

أما رئيس دائرة البحوث والتحليلات من بنك بيبلوس نسيب غبريل فيضيف إلى ذلك بقوله:" من غير المعروف ما إذا كانت نسبة الـ 45 في المئة كافية نتيجة غياب أي مفاوضة كانت مفترضة بين الدولة والدائنين الأجانب والمحليين.

ويستنتج من ذلك أن هذه الزيادة لن يكون لها أيّ تأثير وازن على ملاءة القطاع ككل لكونها ممولة من الدولار المحلّي أيّ من دون الـ (Fresh Money). وربما يكون لها أثر معنوي من حيث اعتبارها رسالة تشير إلى جهوزية القطاع المصرفي على الإستمرار واستعادة دوره السابق.

الـ 3 % للمصارف المراسلة

إلا أن الأمر الذي ينطوي على بعض الأهمية فهو المتعلّق بتوفير 3 في المئة من اجمالي ودائع العملات الأجنبية التي كان عليها بتاريخ 31/7/2020.

وهذه الإحتياطات يفترض أن تبقى ثابتة على نسبة 3 % أيّ تتحرّك وتسدد بالعملة نفسها. ويقدّر إجمالي القطاع المصرفي المتوجب بما بين 3.6 و 3.7 مليار دولار. والهدف من هذه الخطوة هو تعزيز موجودات المصارف لدى المصارف المراسلة مما يمكنها من التعامل مع الأسواق الخارجية لخدمة زبائنها.

 يُعطى الخبير المصرفي فهيم معضاد أهمية لهذا الإجراء إنطلاقاً من الآتي:

إن نسبة الـ 3 في المئة توازي نسبة 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدّر حالياً بما بين 18 و 20 مليار دولار. في المقابل، فإن الموجودات الخارجية للمصارف قبل 17 تشرين الثاني 2019 كانت قيمتها نحو 12 مليار دولار أي ما يوازي نحو 20 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي الذي كان بحدود 55 مليار دولار.

ويضيف نسيب غبريل إلى ذلك في سياق أهمية هذا الإجراء فيقول أن موجودات الـ 12 ملياراً في السابق كانت محملة بالتزامات، بينما حصيلة الـ 3 % حالياً ليس عليها أيّ إلتزامات. 

مجالات الإستخدام

وإذا كان لتعزيز موجودات المصارف لدى البنوك المراسلة أهمية نظرية وتقنية، فإن الأهمية القصوى هي في كيفية إستخدامها لتحريك النشاط الاقتصادي. فكيف يتمّ إستخدامها في هذه الظروف علماً أن التعميم 159 أشار إلى عبارة "دعم الاقتصاد" ولكنه لم يحدد كيفية وأولويات هذا الدعم.

يقول فهيم معضاد متسائلاً: كيف يمكن تمويل الاقتصاد من خلال هذه الموجودات لدى البنوك المراسلة؟ هل يمكن تمويل الاستيراد الذي يؤدي إلى المزيد من الضغوطات على سعر الصرف باعتبار أن الإعتمادات المستندية لا بدّ من تسديدها بالدولار؟ أم أن الأولويات ينبغي أن تعطى لتمويل التصدير إضافة إلى تمويل استيراد المواد الأولية للصناعة باعتبار أن التصدير الصناعي يضخ عملة خارجية Fresh في جسم الاقتصاد.

ويقول نسيب غبريل من جهته، أنه من المستحسن أن يتم التشاور مع مصرف لبنان في تحديد أولويات التمويل، خصوصاً أن تمويل صيرفة التجزئة غير وارد في الوقت الحالي نظراً إلى مخاطره وإلى ما يسببه من ضغوط على سعر الصرف.

وفي انتظار هذه التوضيحات ومع الأخذ بالإعتبار الوضع الاقتصادي عموماً والإستهلاكي خصوصاً، فإن حصيلة الـ 3 في المئة تبقى أرقاماً إذا لم يتم إستخدامها – في حال توافرها – لخدمة أولويات المرحلة.

إسترداد الأموال

أما المفصل الثالث من التعميم 154 فيتعلّق بالعمل على استرداد قسم من التحويلات إلى الخارج منذ 1/7/2017  حتى تاريخ صدور القرار على مبالغ تفوق الـ 500 الف دولار. ويتمّ ذلك بواقع 15 في المئة من كبار الزبائن و 30 في المئة من رؤساء مجالس وكبار مسؤولي المصارف ومن الذين يتعاطون بالشأن العام. طبعاً هذا المفصل ليس ملزماً إذا نص التعميم على عبارة "حث المصارف" باعتبار أن كلّ هذه التمويلات أياً كان مصدرها هي قانونية.

لا يمكن تقدير ما تمكّنت المصارف من استرداده إلا أن المعلومات تُشير إلى استرداد مبالغ متواضعة ولدى بعض البنوك. علماً أن التعميم نص على هذه المبالغ المستردة يمكن إيداعها في الداخل والخارج ويتمّ تجميدها لـ 5 سنوات مُقابل فائدة. إلا أن ذلك لم يشكّل حافزاً كما يبدو في ظلّ الشكوك التي تساور المودعين حول مُستقبل القطاع المصرفي والتشريعات التي تصدر بشأنه لاحقاً.

لن يتغيّر شيء؟

في ضوء هذه المعطيات يتّضح أن تطبيق كلّ متدرجات التعميم 154 لن يحدث أيّ تغيير يعتد به على صعيد النشاط المصرفي لاسيما في مجالي التسليفات والإيداعات، وذلك وفقاً للهدف المنشود الذي حددته المادة الأولى من التعميم المذكور التي تشير إلى هدفين:

- الإمتثال بحسب المقتضى، ولو بشكل متدرج، بكل النصوص القانونية والأنظمة المصرفية المطبقة على المصارف لاسيما المتعلّق منها بالسيولة وبالملاءة.

- إعادة تفعيل نشاطاتها وخدماتها المعتادة لعملائها بما لا يقل كما كانت عليه قبل تشرين الأول 2015.

غير أن عودة النشاط إلى ما كان عليه لن تتم خلال "فترة زمنية محدودة" كما نص التعميم، بل هي رهن بتبدّل المُعطيات وحصول خطوات أساسية سياسة واقتصادية ومالية تسهم في خلق مناخ جديد وتوفير بيئة أعمال واستثمار مشجّعة.

خريطة طريق

ويجمع الخبيران غبريل ومعضاد كما غيرهما الكثرعلى ان فعالية التعميم 154 كما سواه من تعاميم الإستباق و"المسكنات" لن يكون لها الأثر الوازن إذا لم ترتسم اما القطاع المصرفي خريطة طريق للمرحلة المقبلة من خلال الخطة الإنقاذية، إذ أن عودة النشاط وتحريك سائر القطاعات إنما تنتظر الآتي:

أولاً: تشكيل الحكومة العتيدة من وزراء مستقلين واختصاصيين مؤهلين لإقرار المشاريع وتحقيق الإنجازات وليس لإدارة المحاصصات وتغذية الزبائنية. وأن تحظى بثقة المجتمع الدولي وفي مقدمه الدول المانحة فضلاً عن اكتساب ثقة اللبنانيين من مقيمين ومُغتربين.

ثانياً: المُباشرة في تنفيذ الخطة الإصلاحية الشاملة وتحديد أولوياتها بما يوفر ضمانات لمكافحة الفساد ووقف الهدر.

ثالثاً: المُباشرة في إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي في ضوء الخطة المُعتمدة، بهدف الحصول على مُساعدات مالية تضخّ السيولة في جسم الاقتصاد وتبعث على الثقة، وتحفز على تدفق الإستثمارات من الخارج وبخاصة من الُمغتربين.

إن من أولى أهداف الخطة هو إيجاد حلول واقعية وعادلة للخسائر الحاصلة والتعاون بين أقطابها الثلاثة: الدولة ومصرف لبنان والقطاع المصرفي. ويترافق ذلك مع مُباشرة التفاوض مع الدائنين في شأن سندات "اليوروبوندز" المُستحقة.

ويرى الخبراء أنه من دون ذلك، تبقى كلّ التدابير سواء من مصرف لبنان أو من الوزارات الأخرى مجرد "مسكنات" بقصد شراء الوقت وتحقيق أهداف شعبوية فارغة من محتواها الايجابي.

التعميم ومهل التطبيق

وإذا كانت خلاصة هذا التعميم أنه لن يحدث أي تغيير في المشهد المصرفي فلماذا إذاً، أصدره مصرف لبنان؟

يؤكد الخبيران غبريال ومعضاد أن حاكم مصرف لبنان أصدر هذا التعميم في 27 آب 2020 أي قبل نحو 6 أشهر كان في ظنه أنه خلال هذه الفترة أنه ستكون قد تشكلت الحكومة وباشرة في بحث الخطة الإنقاذية وفي التفاوض مع صندوق النقد الدولي، فيأتي التعميم من خلال متدرجاته ليمكن المصارف في مواكبة خطة الإنقاذ واستعادة جهوزيتها لممارسة نشاطها كما كان قبل 19 تشرين الثاني 2019 لاسيما على صعيد التسليف واستقبال الودائع مما يمكنها من استعادة الثقة بها ولو تدريجياً. وبعد أن تكون قد استكملت عملية إعادة الهيكلة بما يتلاءم مع المتغيرات. أضفْ إلى ذلك إن إعادة الهيكلة كان من المُستحسن أن تتم بعد لإقرار خطة الإنقاذ، لتأتي ضمن رؤية واضحة بعيداً من الضغوطات التي واجهتها وتواجهها سواء من حيث الإنسحاب من الأسواق الخارجية، فضلاً عن توفير الحوافز للمصارف على زيادة رساميلها ناهيك عن عدم اضطرارها لصرف عدد معين من الموظفين.

وعليه، فإن ما اصاب التعميم 145 هو ان حساب "بيدره" لم يطابق "حسابات" السياسيين التي هي في وادٍ آخر بلْ في كوكب آخر.