هذا ما قاله حاكم البنك المركزي القبرصي
السلطة اللبنانية "تُهجِّر" المصارف
من أسواقها الخارجية

16.02.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
بهيج أبو غانم

من المرتقب أن ينتهي مع نهاية العام الجاري مشوار القطاع المصرفي اللبناني في قبرص – الجزيرة الجارة – فتعمد ثمانية مصارف لبنانية إلى إقفال فروعها في مدينة ليماسول بعد أن توجهت إليها تِباعاً منذ أواخر سبعينات القرن الماضي.

وقصة الخروج القسري من قبرص لا تعود إلى الضغوطات التي يتعرّض لها القطاع المصرفي بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية المستمرّة وحسب، بل تشكّل شاهداً على السلوك المُريب الذي تمارسه السلطة الحاكمة والذي ساهم ويُساهم في "تهجير" المصارف اللبنانية من أسواقها الخارجية، الأمر الذي يفقدها هويتها الإقليمية التي بنتها على مدى العقدين الماضيين.

هنا قصة الخروج من قبرص كما روتها مصادر مصرفية ذات صِلة، والتي تؤكّد حقيقة المقولة التي يكرّرها المجتمع الدولي على مسامع المسؤولين وهي:" ساعدو أنفسكم قبل أن تطلبوا مساعدتنا".

البنك المركزي القبرصي:

قبل نحو شهرين تقريباً، وجّه حاكم البنك المركزي القبرصي كتاب نوايا إلى السلطات النقدية والرقابية وإلى مجالس إدارات المصارف المعنية تضمن العزم على فرض شروط على عمل فروع المصارف اللبنانية المتواجدة في قبرص، طالباً إبداء الرأي والملاحظات لاتخاذ القرار النهائي في ضوء هذه الملاحظات. وطلب "المركزي" القبرصي في كتابه إلزام الفروع أن تودع لديه نسبة 100 في المئة من إجمالي الودائع لديها، على أن يكون إحتياطي ودائعها بالدور الأميركي بنسبة 105 في المئة. كما تضمن الكتاب استيفاء فائدة سلبية على هذه الايداعات بنسبة 0.5 في المئة. والواضح أن هذا الاجراء يستهدف ضمان كامل ودائع المواطنين القبارصة في هذه الفروع تحت وطأة المخاطر التي تواجه القطاع المصرفي اللبناني بسبب الأزمة الإقتصادية والمالية والمصرفية التي تواجه لبنان، والتي تسببت في تداعيات عدة وعلى أكثر من صعيد.

وتضمن كتاب "المركزي" القبرصي في صفحاته الأولى عرضا لخلفيات هذا التدبير التي أشارت إلى المخاطر الإئتمانية التي تعيق القطاع المصرفي جرّاء إمتناع الدولة عن تسديد مُستحقات سندات "اليوربوندز" وسندات الخزينة الذي استتبع خفض التصنيف الإئتماني للبناني واهتزاز الثقة بالقطاع محلياً وخارجياً والتدابير الوقائية التي اتبعتها المصارف من خلال القيود التي فرضت على سحوبات وتحويلات الزبائن.

أبعد من هذه الأسباب:

غير أن المستغرب في ذلك هو الكلام غير المكتوب الذي سمعته قادة المصارف المعنية من حاكم البنك المركزي لدى مراجعته بشأن تليين هذه الشروط ، وقالت المصارف اللبنانية أن شروط "المركزي" القبرصي هي بمثابة بلاغ بالمغادرة الطوعية. وبينت إستحالة التنفيذ لِمن يرغب متابعة نشاطه في الجزيرة مع الإستعداد لطمأنة كلّ أصحاب الحقوق وضمان الحدّ الأقصى من احتياط الودائع وبما يفوق المعدلات المعتمدة. كما أشارت المصارف إلى أن فروعها في قبرص إلتزمت بشكل صارم بضمانة وديعة توازي 100 ألف يورو ضمن النظام الذي حدده البنك المركزي القبرصي إبان الأزمة الاقتصادية والمالية في الجزيرة وبعدها.

البنك المركزي القبرصي:

أما الأكثر غرابة هو ما قاله حاكم البنك المركزي القبرصي للمصارف اللبنانية التي راجعتها في شأن الشروط التعجيزية المنوي إتخاذها. ما قاله المسؤول القبرصي مفاده الآتي:

"نحن في قبرص نرغب ببقائكم في قطاعنا المصرفي، ونودّ مساعدتكم شرط أن تساعدوا أنفسكم قبل ذلك. لا نلام بالتدابير الوقائية حيال ما يُمارس في لبنان من اتهامات وشكوك بالقطاع المصرفي بدءاً بحاكم مصرف لبنان الذي تساق ضده إتهامات تارة بتبييض الأموال وتارة أخرى بإساءة الأمانة، وهو يستدعى إلى التحقيق بين فترة وأخرى. وأشار المسؤول القبرصي إلى الكلام الذي يصدر عن أعلى المراجع الرسمية في لبنان، وكان آخرها ما قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إلى إحدى المجلات الأجنبيةعندما صرّح أنه نادم على أمر واحد بقوله : " عندما امتنعت عن القول "إما أنا أو حاكم مصرف لبنان".

وأشار "الحاكم" القبرصي إلى ما يكفي من اتهامات سبقت ضد المصارف بأنها أضاعت مدخرات المودعين وساهمت في تهريب مبالغ إلى الخارج.

كذلك أشار "الحاكم" القبرصي أن كلّ ما قيل عن مصرف لبنان والقطاع المصرفي اللبناني مثبت في بيانات موثقة بإمكان البعض وبموجبها مُقاضاة القطاع المصرفي لاسيما في البلدان التي تسمح قوانينها بذلك مثل الولايات المتحدة الأميركية، وختم قائلاً للمصرفيين "أصلحوا ما أفسدتموه وستجدون إستجاباتنا أكثر مما تتوقعون.

وطبعاً ما يقوله حاكم البنك المركزي القبرصي في شأن سلوك السلطة الحاكمة يتردد في كلّ عاصمة عربية ودولية التي تعمد إلى زرع الشكوك والإمعان في زعزعة الثقة في مختلف القطاعات.

الخروج المُرتقب:

وبالعودة إلى الفروع المصرفية اللبنانية في قبرص فإنه من المُستبعد أن يستجيب البنك المركزي القبرصي إلى إدخال تعديلات من شأنها تليين الشروط المنوى تطبيقها، علماً أن بعض المصارف تأمل في أن يتم تخفيض بنسبة الـ 100 في المئة المفروضة على الايداعات إلى 50 في المئة، نظراً إلى الشكوك التي شاور السلطة النقدية القبرصية حول إحتمال تعرض ودائع القبارصة إلى قيود على عمليات السحب أو التحويل. إلا أنه من المتوقع أن تعطى هذه الفروع مهلة  حتى نهاية العام من أجل ترتيب أوضاعها. إذ في ضوء التدابير المنوى إتخاذها لا تبقى لهذه الفروع أي جدوى من الإستمرار، ولا يعود بمقدورها تغطية نفقاتها للرواتب والمصاريف العامة والايجارات وسواها.

8 مصارف:

من هنا، فإن الخروج الطوعي من الجزيرة سيشمل فروع المصارف الآتية: لبنان والمهجر، البحر المتوسط، بيروت والبلاد العربية، بيبلوس، الإعتماد اللبناني، بيروت، بيمو، لبنان والخليج.

وما يبقى للقطاع المصرفي اللبناني في قبرص الآتي:

أولاً: فرع بنك SBA (الشركة المصرفية العربية) باعتباره تابعاً لمصرف فرنسي يعمل في باريس منذ سنوات طويلة، وان كان مملوكاً بغالبية أسهمه من البنك اللبناني الفرنسي. ففرع SBA ينتمي إلى مصرف ذي ترخيص فرنسي ويخضع كلياً لرقابة الإتحاد الأوروبي الذي باتت قبرص أحد أعضائه.

ثانياً: بنك سوسيته جنرال قبرص الحاصل على ترخيص قبرصي وله خمسة فروع تتوزّع على نيقوسيا (فرعان) ليماسول (فرع)، لارنكا (فرع)، وبافوس (فرع).

ثالثاً: وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن بنك "أسترو" القبرصي الذي انطلق قبل نحو 3 أعوام وبات يملك حصة سوقية ملحوظة في القطاع المصرفي القبرصي، وهو تأسس من مجموعة من المساهمين على رأسهم الوزير السابق موريس صحناوي (الرئيس السابق لمجلس إدارة بنك BLC اللبناني). علماً أن بنك "أسترو" هو بإدارة د. شادي كرم.

تبقى الإشارة إلى أن خروج فروع المصارف اللبنانية من قبرص سيؤدي إلى خسارة نحو 100 موظّف لبناني لوظائفهم.