صديقي نزار ...الى اللقاء

02.02.2021
المرحوم نزار سردست
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

لا أدري لِمَ بدوتُ مباغتاً دهشاً ضائعاً عندما أخبرتُ بما كنتُ أعلم، كان الأمر واضحاً جلياً، فقد طالَ انتظارنا في محطة الرحيل، واقترب بالتأكيد دورنا. كنا نتساءل بصمت لأيّنا ستكون الأولوية؟ وقد سبقتَني - كعادتك- إلى كلّ ما هو خير.

فقط عندما أستوعب أنك رحلت سأدرك عمق الأسى الذي تركته في القلب، والذي لا يخفف منه إلا اطمئناني عليك، فقد ألقيتَ عنك ثوب الألم الذي احتوى كل جسمك، وغادرتَ أسرّة المستشفيات التي تعبث أنت من تعديل وضعها، وتعبت هي من تقلبك عليها. كما حملت لرحلتك إلى الضفة الأخرى من الحياة زاداً وفيراً، جمعته من تقوى الخالق وخدمة الخَلق ونبل الخُلق، جمعته بأكف الندى، وبعفّة العيْن واليد واللسان.

عزيزي أبا معن،

لم تعد الكلمات أداة إفصاح، خلعتْ المشاعر غلالات الحروف، لتتوهّج حسرة من الذكريات ولهفة إلى بسمة راضية. شريط من الذكريات طوله أربعة عقود وتزيد تتدافع صورة مسرعة بلا ترتيب في الزمان ولا في المكان، فلا أنا أستطيع أن أستمهلها لألتذّ بها، ولا هي تقبل أن تنظم إندفاعها لتدعني أمسك بصورتك.

عشنا معاً شجون المهنة، وعشنا معاً إنهيار الأمة وانتحار الوطن، وبقينا معاً في عصبة يتامى العصر، الذين تمسّكوا بالأمل، وآمنوا بالوحدة وتخيلوا الضوء في نهاية النفق.

مشينا ساعات في شوارع مدنٍ كثيرة كثيرة، سمع ليلها أصواتنا النشاز تغني في صقيع لندن وباريس وفي دفء القاهرة والرباط، وتحت أمطار بيروت وعمّان من مواويل وديع إلى أهازيج نصري، إلى قدود صباح، إلى ... موطني موطني. وكنا لا نقترب من أم كلثوم وفيروز... خشية الإعتقال بتهمة تلويث الذوق العام. "جلال" وحده كان يُصرُّ على طرب المانغا، ومحلات الفواكه التي يتبارى البائعون في تعداد أوصافها.

حتى الآن، جلال وأنا، لم يجرؤ أينا على مكالمة الآخر. ما أقول له؟ ماذا أقول لرضوان؟ ماذا أقول لصديقنا في مكتبة الساقي عندما يسألني "أين أخوك"؟.

أخي نزار سردست،

رحلتَ دون أن تكون لنا فرصة وداع أقول لك فيها كم تمتعتُ بصحبتك، وأنك كنت وستبقى من أجمل هدايا الحياة... يا زميل الحق، وصديق الصدق، ورفيق الوفاء، وزخة السحاب الرهيب المنعش التي تغسل هموم الحياة.

أنا اليوم، مثلك أيها العزيز، لا أريد إلا السكينة والسلام، والإصغاء إلى حفيف أوراق الشجر تداعبها الريح، فلم يبقَ لي من أيّ شيء إلى حفيفه. فلا تتعجل – أبا معن في محاولة الردّ على خطابي هذا، لأني والله أعلم لن أتأخّر في القدوم إليك.

"سلام عليك، أفتقدك جداً،

وعلي السلام فيما أفتقد". 

                           ماجد جمال الدين