لقاحات كورونا
بين الآمال والمخاطر

13.01.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

نايلة بركة   

في جو من الإحباط والخوف الناجمين عن جائحة كورونا، التي أدت إلى إصابة نحو 73 72.6 مليون شخص  ووفاة أكثر من 1.6 مليون شخص وتدمير الحياة الاجتماعية وشل الاقتصاد العالمي، جاء الإعلان عن نجاح  لقاحات عدة مضادة للفيروس بمثابة بصيص أمل للبعض، وخوف وشك للبعض الآخر من الآثار الجانبية للقاح. 

وكان لافتاً التنافس بين الشركات والدول على إعلان النجاح في تطوير اللقاحات، بل ونوع من التسرع في إعلان صلاحيتها للإستخدام البشري، بموافقة السلطات الصحية الوطنية والدولية. ومن أبرز اللقاحات المعلن عنها ما يلي: 

• لقاح شركة «فايزر» الأميركية بالتعاون مع شركة «بيونتيك» الألمانية، وهو فعال  بنسبة 95 في المئة ويجب تخزينه في 75 درجة مئوية تحت الصفر، ما يمثل صعوبة في بعض الدول لتخزينه واستخدامه، كما إنه يجب استخدامه في غضون اربعة أو خمسة أيام، ويتم أخذ اللقاح على جرعتين تفصل بينهما ثلاثة اسابيع، أما سعره فيبلغ نحو 20 دولاراً للجرعة الواحدة. 

• لقاح شركة «مودرنا»  وهو فعال بنسبة 94.5 في المئة، ويجب تخزينه تحت 20 درجة مئوية تحت الصفر ويحافظ على صلاحيته لشهر كامل في ثلاجة عادية، كما يمكن تخزينه لمدة تصل إلى ستة أشهر ما يجعله أسهل استخداماً من ناحية التخزين والنقل، ويعطى اللقاح على جرعتين تفصل بينهما اربعة اسابيع، أما سعره فيتراوح ما بين 25 و 37 دولاراً للجرعة الواحدة. 

• لقاح جامعة أوكسفورد مع شركة «آسترازينيكا" البريطانية، وهو فعال بنسبة 70 في المئة ويجب تخزينه في درجة حرارة الثلاجة أي ما بين اثنتين إلى ثماني درجات مئوية، ويمكن تخزينه لمدة ستة أشهر على الأقل ما يسهل تخزينه وتوزيعه، ويتم أخذ اللقاح على جرعتين تفصل بينهما اربعة اسابيع، ويتراوح سعر الجرعة ما بين ثلاثة إلى اربعة دولارات. 

• لقاح «سبوتنيك V» الروسي الذي لم تنشر عنه أبحاث كافية على الرغم من تجربته على متطوعين من  بلدان عدة، وأشارت مجلة لانسيت الطبية إلى أنه آمن للوقاية من كوفيد-19 ويجب تخزينه في الثلاجة العادية أو في 18 درجة مئوية تحت الصفر ويتم أخذه على جرعتين تفصل بينهما ثلاثة اسابيع، ويبلغ سعر اللقاح نحو عشرة دولارات للجرعة الواحدة وسيتم توفيره مجاناً للمواطنين الروس.  

• لقاح صيني طورته سينوفاك ويمكن تخزينه في ثلاجة عادية في درجة حرارة تتراوح ما بين اثنتين و ثماني درجات مئوية، ويتم أخذه كبقية اللقاحات على جرعتين، وبدأت دول عدة اعتماده مثل البرازيل ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما أعلنت الصين أنها في صدد اعتماد ثلاثة لقاحات جديدة. 

اللقاح بين مؤيد ومعارض

بعد الإعلان عن هذه اللقاحات، إنقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض ولكل من الطرفين أسبابه ودوافعه.  

الفئة المؤيدة لتلقي اللقاح تستند إلى أسباب متعددة ومنها: الإنتشار الواسع والمخيف لفيروس كورونا وتزايد عدد الوفيات، إضافة إلى الدمار الذي حصل في كافة القطاعات الاقتصادية بعد اتباع سياسة الإقفال في جميع أنحاء العالم وتعطيل الحياة الإجتماعية والآثارالنفسية السلبية التي طاولت معظم سكان العالم، وما زاد من طمأنة هذه الفئة هي النتائج الإيجابية لأكثر من لقاح.    

أما أسباب الفئة المعارضة لتلقي اللقاح فمتعددة أيضاً ومنها: التخوف من هذه اللقاحات والأعراض الجانبية التي يمكن أن تسببها بسبب اعتماد بعضها على تقنيات جديدة غير مجربة من قبل خصوصاً وأنه تم تطوير هذه اللقاحات بشكل عاجل خلافاً للفترة التقليدية ما بين ثماني وعشر سنوات ما يعطيها وقتاً كافياً لإجراء تجارب عليها لتمر بعدها بمرحلة Post Marketing Surveillance أي المراقبة ما بعد التسويق للتأكد من عدم ظهور أو تسجيل آثار جانبية خطيرة وألا يسحب اللقاح فوراً من الأسواق، إضافة إلى ذلك عدم الثقة بشركات الأدوية بسبب تغليبها المصلحة التجارية وجني الأرباح الطائلة على حساب صحة الناس، وأيضاً تدخل السياسة بالشأن الطبي. والبعض من هذه الفئة يظن أنها مؤامرة وبأن جهات معينة تختلق المرض لتبيع العلاج، وهناك من ذهب بعيداً إلى حد اعتبار تضخيم خطر كورونا هو لتمرير مخطط يسعى إلى التحكم بالبشر عن طريق زرع شريحة إلكترونية (Microchips) من خلال اللقاح. 

وأتى خبر وفاة ستة أشخاص خلال تجارب لقاح «فايزر» و«بيونتيك» ليزيد شكوك وتخوف هذه الفئة من المعارضين. وفي هذا الصدد نشرت صحيفة «بوليتيكو" الأميركية ، إفادة لإدارة الغذاء والدواء الأميركية أن الوفيات الست «لا علاقة لها باللقاح "، وأوضحت الإفادة أن «من بين من تمت تجربة اللقاح عليهم كانت هناك حالات مصابة بعدوى «كورونا" شديدة. توفي ست حالات، اربع ممن تلقوا لقاحاً وهمياً ولا علاقة للقاح بوفاتهم واثنان تمّ تطعيمهما باللقاح الحقيقي»، ولكن هذه الإفادة لم تكن كافية لطمأنتهم.   

ومن الأسباب الأخرى لفئة المعارضين لتلقي اللقاح هي المخاوف التي أثيرت بشأن لقاحات اعتمدت على تقنية «الحمض النووي الريبوزي المرسال" (mRNA) كلقاح فايزر - بيونتيك ولقاح مودرنا وإمكانية تلاعبها بالمادة الوراثية للإنسان والإضرار بها. وفي تقرير لرويترز، وصف مارك ليناس، الزميل الزائر في مجموعة تحالف العلوم في جامعة كورنيل، هذا الأمر بـ «الخرافات»، وقال: «لا يوجد لقاح يمكنه تعديل الحمض النووي البشري وراثياً». 

أما د. ماثيو إفينهاوس (Dr. Matthew H. Evenhouse)، وهو طبيب طوارئ في وست لايك في ولاية أوهايو، فقد توجه إلى العالم في تغريدة على تويتر قائلاً: «إن أي لقاح يحتاج إلى شحن وتخزين في درجة 80 تحت الصفر، ليس لقاحاً. إنه عامل للإعتداء على البشر، إصابة خلاياهم ونقل المواد الجينية». وأضاف: «لا تدعهم يخدعونك، هذا هو التلاعب الجيني في البشر على نطاق واسع».   

ماذا عن فعالية اللقاحات؟          

بعيداً عن رأي هاتين الفئتين وأسباب تأييد أو معارضة كل منهما للقاحات المطروحة، وعلى الرغم من النتائج الجيدة لهذه اللقاحات، فهي لا توفر مناعة كاملة. هذا ما أكّده د.عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية المصرية للشؤون الصحية، قائلاً: «إن اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد سوف يساعد على زيادة المناعة، ولكنه لا يعطي مناعة كاملة ضد الوباء».    

يضاف إلى ذلك الآثار الجانبية للقاحات المتعلقة بفرط الحساسية، حيث وجهت وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية (MHRA) مجموعة من النصائح لجميع المؤسسات الصحية في بريطانيا بأن الأشخاص الذين لديهم تاريخ طويل من ردود الفعل التحسسية تجاه الأدوية أو الطعام أو اللقاحات يجب ألا يتلقوا اللقاح .

عدالة توزيع اللقاحات 

على صعيد آخر، وفي الوقت الذي لم يفرّق فيروس كورونا بين غني وفقير، فإن اللقاحات فعلت ذلك. حيث تبيّن ووفقاً لإحصاءات من منظمة تحالف لقاح الشعب، التي تضم منظمة أوكسفام  ومنظمة العفو الدولية أن الدول الغنية اشترت كميات كبيرة من لقاح فيروس كورونا من أهم الشركات المنتجة مثل «فايزر» و«مودرنا» بشكل يفوق حاجتها، ما يترك دولاً فقيرة من دون إمكانية الحصول على اللقاح.     

وتزامناً مع هذه الأخبار والإحصاءات المخيفة، ظهر بريق أمل تتمسك به البلدان الفقيرة وهو أن شركة AstraZeneca تعهدت بتقديم 300 مليون جرعة من لقاحها إلى «كوفاكس- COVAX»، إلى المنصة العالمية التي تعمل على ضمان توزيع اللقاحات بشكل عادل على 92 دولة نامية، في حين غابت أسماء شركتي Moderna و Pfizer عن هذا التعهد.  

وفي هذا  السياق، حذّر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من تخلف الدول الفقيرة عن الركب في «التدافع على اللقاحات» وقال: «يجب مشاركة اللقاحات كمنافع عامة عالمية». 

أما رئيس قسم العدالة الإقتصادية والإجتماعية في منظمة العفو الدولية، ستيفن كوكبيرن فقال إن «الدول الغنية لديها إلتزامات واضحة في مجال حقوق الإنسان، ليس فقط بالإمتناع عن الأعمال التي قد تضر بالحصول على اللقاحات في أماكن أخرى، ولكن أيضاً للتعاون وتقديم المساعدة للدول التي تحتاجها».  وفي هذا السياق وجهت منظمة الإنتربول تحذيراً عالمياً إلى قوات الشرطة في 194 دولة حول العالم من خطر تعرض قوافل وشحنات اللقاحات للسطو من قبل عصابات والجماعات المسلحة بخاصة في الدول التي تشهد اضطرابات.  

وطالبت منظمة الصحة العالمية جميع البلدان بتوزيع جرعات اللقاح بنسبة 20 في المئة فقط على سكانها، بدءاً بالفئات الشديدة التعرض للخطر مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية، وكبار السن، والذين يعانون من أمراض صحية كامنة. 

 

وفي هذا السياق، وعلى الرغم من التفاؤل بقدرة اللقاحات على الحماية من فيروس كورونا، فإن الحماية الحقيقية تبقى في الإلتزام بقواعد الوقاية من غسل اليدين، وارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي، والقرار بيدنا كأفراد إما تجويع الوباء للقضاء عليه أو تغذيته للقضاء علينا.