مرفأ بيروت ...
وعقارب الساعة

20.11.2020
د. محي الدين غنوم
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم: د. محي الدين غنوم

عندما وقع الإنفجار المشؤوم في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس من هذا العام، وما أسفر عنه من ضحايا ودمار، فضلاً عن الأضرار الضخمة التي لحقت بالمرفأ نفسه، ارتسمت في الأفق لوحة سوداوية عن مصير مرفأ بيروت، وانتشرت التكهنات عن انتهاء دوره كنقطة وصل بين القارات القديمة الثلاث وتجيير هذا الدور لمرافئ مجاورة منافسة. ولكن، ماذا عن الموقع الاستراتيجي والتاريخ الحافل والخبرة الطويلة والمهنية العالية والسرعة في تقديم الخدمات للسفن والاتصال بشبكة واسعة من المرافئ والتعاون الوثيق مع كبريات شركات الملاحة العالمية؟ هل يعقل أن يذهب كل ذلك أدراج الرياح، على متن السحابة الهائلة التي خلّفها الإنفجار الكارثي؟  

وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن بيروت نفسها  التي لطالما كانت عاصمة الإنفتاح والتلاقي وحرية الرأي والثقافة والنشر والفن والسياحة والتجارة وغيرها، فهل بقي لها شيء من هذا اليوم؟ بل هل بقي للبنان أي دور طليعي بين الأمم المتحضرة كما كان دائماً؟

بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنه ومع قتامة المشهد وهول الكارثة التي أصابت كامل المنطقة المحيطة بالمرفأ فأهلكت البشر ودمرت الحجر، وعلى الرغم من الدمار الهائل الذي خلّفه الإنفجار في المرفأ ومنشآته ومعداته، فإن بصيص الأمل تجلى في بقاء محطة الحاويات وباحاتها وتجهيزاتها صالحة للإستعمال الفوري، بعد أن تمّ في وقت قياسي إصلاح عدد من الرافعات الجسرية التي تضررت جزئياً بفعل الإنفجار، ما مكًن من إستئناف العمل فيها بعد أيام قليلة من وقوع الإنفجار، وبالتالي استأنف المرفأ نشاطه في خدمة الواردات والصادرات اللبنانية بالحاويات، وعاود استقبال البضائع الإعتيادية غير الموضبة في حاويات (كالمواشي والحبوب والقمح والحديد ومواد البناء وغيرها)، حيث يتم تحميلها مباشرة من البواخر الى شحنات النقل البري لعدم توفر المستودعات، وذلك بعد أن تمّ اتخاذ إجراءات تسهيل جمركية استثنائية لتسريع المعاملات وتمكين إخراج البضائع من المرفأ من دون تأخير. ولكن ماذا عن أدوار مرفأ بيروت الأخرى؟

الترانزيت البري عبر مرفأ بيروت

بسبب موقعه الاستراتيجي على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وعند نقطة إلتقاء قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، كان لمرفأ بيروت على الدوام دور محوري  في خدمة التجارة وحركة البضائع  منذ ما قبل الفينيقيين وحتى يومنا هذا.

في العصر الحديث، بدأ عهد الإزدهار الفعلي لمرفأ بيروت بعد نكبة العام 1948 عندما قاطعت الدول العربية إسرائيل وبالتالي توقفت عن استعمال مرفأ حيفا الذي كان حتى ذلك الوقت مرفأ العبور الرئيسي لمستوردات سورية والأردن والعراق والدول الخليجية الواردة بحراً، وكان لتوجه أصحاب الخبرة من اللبنانيين الذين كانوا يعملون في مرفأ حيفا وقتئذ إلى مرفأ بيروت دور مساعد في اختصار الوقت اللازم ليقوم بدوره الجديد. 

وهكذا، بدأت البضائع المختلفة بالتدفق إلى مرفأ بيروت ومنه براً إلى هذه الدول العربية بخاصة العراق الذي كان له حصة الأسد من البضائع العابرة، مع ما استتبع ذلك من توجه التجار العرب إلى بيروت لعقد صفقاتهم والاستفادة من النظام المصرفي الحر في لبنان، ما أسهم في تعزيز وضع بيروت كمركز تجاري واقتصادي ومالي في المنطقة، والذي وصل إلى الذروة منتصف السبعينات من القرن الماضي.

إلاً أن الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان العام 1975 والتي دامت خمسة عشر عاماً (تخللها إجتياحان إسرائيليان العام 1978 حتى حدود نهر الليطاني في الجنوب و1982 حتى إحتلال بيروت) أسفرت عن تقويض لبنان الدولة وتخريب بناه التحتية وتدمير عاصمته ووسطها التجاري، وتهجير وتشريد مئات الآلاف من اللبنانيين، فضلاً عن عدد هائل من الضحايا والمعوقين، وكانت هذه بداية نهاية العصر الذهبي للبنان وعاصمته ومرفئه معاً.  

في تلك الظروف، كان من الطبيعي أن تبادر الدول العربية صاحبة العلاقة إلى البحث عن بدائل لمرفأ بيروت لاستيراد بضائعها، وهكذا انتعشت مرافئ اللاذقية والعقبة ومرسين بحيث أصبحت بضائع الترانزيت البري إلى العراق تعبر عن طريق مرفأي العقبة ومرسين، وبضائع الأردن عن طريق مرفأي اللاذقية والعقبة، إلا أن التطور الأهم كان تأسيس وافتتاح مرفأ جبل علي في الإمارات العربية المتحدة العام 1979 الذي يعتبر حالياً أحد أهم وأكبر الموانئ على مستوى العالم، والذي لعب الدور الأكبر في خدمة الواردات والصادرات الخليجية منذ ذلك الوقت. ومع تأسيس المنطقة الحرة في جبل علي العام 1985، ثبًت مرفأ جبل علي وضعيته كمركز رئيسي محوري بالنسبة الى بضائع الترانزيت وإعادة التصدير مع تسهيلات التخزين والتوزيع الضخمة التي تؤمنها المنطقة الحرة، حيث تتم إعادة توضيب وتوزيع البضائع إلى دول المنطقة المختلفة ومنها .. لبنان. الجدير ذكره أنه بسبب الحجم الكبير للبضائع (ضمن حاويات) التي كانت تشحن بحراً من المرافئ الأوروبية إلى مرفأ جبل علي وقتها، فإن تعرفة نقل الحاوية إلى هذا المرفأ كانت في مرحلة معينة أقل من تعرفة النقل من نفس المرافئ إلى مرفأ بيروت الذي أدت رسوم التأمين العالية في حينه إلى تضخم تعرفة النقل إليه بسبب المخاطر العالية المتضمنة.

محطة الحاويات في مرفأ بيروت إستأنفت عملها في وقت قياسي

بعد انتهاء الحرب في لبنان العام 1990 وبدء ورشة إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية، إنطلقت محاولات إعادة الروح إلى مرفأ بيروت كمعبر ترانزيت مفضل إلى الداخل العربي، إلا أن هذه المحاولات اصطدمت بعقبات عديدة جعلت إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من الصعوبة بمكان. فمعظم بضائع الخليج العربي قد استقر وضعها عبوراً عن طريق ميناء جبل علي، وبضائع العراق والأردن كانت تتأرجح بين وضع الحدود السورية فتحاً وإغلاقاً ورسوم العبور الباهظة التي كانت تفرض على الشاحنات اللبنانية، ما أثَر ليس فقط على بضائع الترانزيت بل أيضاً على الصادرات اللبنانية، ما استدعى في حينه شحنها بحراً بكلفة عالية وبوقت أطول بكثير، حتى أن بضائع الترانزيت البري إلى سورية توقفت في وقت من الأوقات بعد قرار الجهات السورية بالإستيراد بحراً عن طريق المرافئ السورية حصراً وهكذا، حتى أصبحت أرقام بضائع الترانزيت البري عبر مرفأ بيروت هامشية ولا يعتد بها في الوقت الراهن.

الترانزيت البحري/ المسافنة

مع اعتماد الأبعاد القياسية للحاويات النمطية العام 1970، بدأت الخطوط البحرية باعتماد هذه الحاويات لنقل البضائع، ما أحدث تحولاً جذرياً في مجال النقل البحري وكان لمرفأ بيروت دور طليعي في المنطقة في هذا الاتجاه قبل أن تندلع الحرب في لبنان العام 1975 وتهوي به إلى هوى سحيقة من الدمار والخراب والتخلف عن الركب. بعد انتهاء الحرب وبدء ورشة إعادة الإعمار التي شملت المرفأ في ما شملت، عاود مرفأ بيروت نشاطه وديناميته. في هذه الأثناء، حصل تطور مهم في موضوع نقل الحاويات مع دخول جيل جديد من البواخر العملاقة التي تتسع لعشرات آلاف الحاويات والتي تنقل هذه الحاويات من المرافئ الكبرى الرئيسية في العالم إلى مرافئ مركزية مجهزة بمحطة حاويات تقوم بمناولة هذه الحاويات وإعادة شحنها على بواخر صغيرة تعرف ببواخر التغذية إلى المرافئ المجاورة، وهو ما يعرف بالترانزيت البحري أو المسافنة. 

في ذلك الوقت، لم تكن أي من مرافئ شرقي المتوسط، ومن ضمنها مرفأ بيروت، مجهزة بمحطة حاويات، إلا أن مرفأ بيروت امتلك أفضلية وجود أرصفة عميقة تكفي لاستقبال هكذا بواخر عملاقة، مع أفضلية مهمة أخرى هي سمعة مرفأ بيروت الحسنة في تفريغ وتحميل البواخر فيه بسرعة ومهنية عالية، مع الاستعداد لتخطي البيروقراطية والعوائق الأخرى في سبيل تأمين ذلك، ومن ثمّ بدأ العمل على تجهيز محطة حاويات في مرفأ بيروت والتي لم تبصر النور قبل العام 2005 بعد مخاض عسير كالمعتاد، وتم تجهيزها بالروافع الجسرية الضخمة (يبلغ عددها حالياً 16 رافعة جسرية) والروافع والآليات المتخصصة الأخرى. وهكذا بدأت رحلة مرفأ بيروت مع محطة الحاويات التي أثبتت نجاحها مع الازدياد المضطرد في عدد الحاويات التي كان يتم تناولها عبرها.  

التطور الأبرز حصل العام 2006 عندما أعلنت شركتا خطوط نقل الحاويات العملاقة MSC السويسرية و CMA-CGM الفرنسية (لأصحابها اللبنانيان رودولف وجاك سعادة) اعتماد مرفأ بيروت لأعمال الترانزيت البحري الخاصة بحاوياتها، والشركتان تحتلان المرتبتين الثانية والثالثة عالمياً بعد شركة  MAERSK صاحبة المرتبة الأولى. وفي العام 2007 تمّ إدراج مرفأ بيروت على لائحة أكبر مرافئ الحاويات في العالم، وتمّ افتتاح المنطقة اللوجيستية الحرة في مرفأ بيروت بمساحة 81 الف متر مربع. 

في 2007 تمّ إدراج مرفأ بيروت على لائحة أكبر مرافىء الحاويات

بعد الأحداث العنيفة التي شهدتها سورية منذ آذار العام 2011 والعقوبات الاقتصادية التي تلتها، زاد اعتماد التجار السوريين على مرفأ بيروت كمعبر ترانزيت للبضائع السورية التي كان يتم نقلها بحراً إلى ميناء بيروت ومنه بحراً أيضاً إلى مرفأي اللاذقية وطرطوس، وهذا ما أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد حاويات المسافنة الواردة إلى مرفأ بيروت. وشهدت حركة هذه الحاويات (ملأى وفارغة، داخلة وخارجة) عبر محطة حاويات مرفأ بيروت تحسناً مستمراً خلال السنوات الأخيرة، ففي حين سجلت مناولة نحو 290 ألف حاوية نمطية العام 2016، بلغ عدد الحاويات المتناولة العام 2019 نحو 500 ألف حاوية نمطية، أي بزيادة 170 في المئة عن أرقام العام 2016، مع الإشارة إلى أن أرقام هذا العام (2020) ستشهد انخفاضاً حاداً خصوصاً بسبب جائحة الكورونا التي كان لها تأثير سلبي واضح على الاقتصاد العالمي.  

تجدر الإشارة إلى أنه بسبب ازدياد عدد الحاويات المتناولة في محطة حاويات مرفأ بيروت، ونظراً  الى رغبة العديد من الخطوط البحرية الإضافية في اعتماد مرفأ بيروت كمرفأ ترانزيت بحري لحاوياتها وعدم قدرة المحطة على استقبال المزيد، بدأت العام 2013 أعمال توسعة محطة الحاويات لزيادة قدرتها الاستيعابية من مليون إلى مليون ونصف حاوية نمطية عن طريق زيادة طول الرصيف المركزي الرقم 16 ومضاعفة عدد الروافع الجسرية وسواها من التحسينات، إلا أن هذه الأعمال توقفت بعد تنفيذ جزء منها بسبب اعتراض بعض النقابات، والمشروع ما زال متوقفاً حتى الآن ما يفوّت على مرفأ بيروت واردات كبيرة وفرصأ ضخمة لتثبيت وضعه كمرفأ ترانزيت محوري إقليمياً ومن المعيب فعلاً أن تكون وراء اعتراض البعض على مشروع التوسعة اعتبارات مناطقية مغلفة بتبريرات اقتصادية واهية.

والجدير بالذكر أن عقد تشغيل محطة الحاويات من قبل شركة BCTC  قد انتهى في 31/1/2020، وقد تم وضع دفتر شروط لإطلاق مناقصة تشغيل المحطة، وكان من أبرز المتقدمين تحالف شركتي خطوط النقل البحري العملاقة CMA-CGM  و MSC مع ما يعنيه ذلك من التزام هاتين الشركتين بإستمرار العمل في مرفأ بيروت وتطوير مشحوناتها إليه في ظل المنافسة القوية التي بدأت تنذر بتقليص الدور الذي يلعبه مرفأ بيروت حالياً والتقدم الذي يمكن أن يحققه مستقبلاً على هذا الصعيد، إلا أن الموضوع ما زال بين مدّ وجزر لأسباب لا يعلمها إلا الله والراسخون في علم المحاصصة!

تأثير إتفاق التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل على وضع مرفأ بيروت

المقترح الإسرائيلي الأبعد هو إنشاء خط ترانزيت بري (سكك حديد) بين حيفا ودبي مروراً بالأردن  والمملكة العربية السعودية بشكل رئيسي، مع تفريعة إلى العراق وأخرى إلى جنين في فلسطين، وذلك لخدمة مستوردات هذه الدول من أوروبا وأميركا، وميزة هذا العرض أنه يقلل وقت الشحن ويوفر رسوم عبور قناة السويس للسفن المتوجهة إلى مرافئ الخليج  وبالأخص مرفأ جبل علي في الإمارات العربية المتحدة. وقابلية هذا المشروع للتنفيذ على أرض الواقع غير واضحة تماماً نظراً الى أنه يستدعي توقيع معاهدات بين اسرائيل وكلٍ من الدول العربية المذكورة، وهذا دونه عقبات وصعوبات جمة. في أي حال، وكون هذا المشروع يستهدف بضاعة الترانزيت براً إلى دول الخليج بشكل أساسي، فهو لن يكون له تأثير كبير على مرفأ بيروت الذي لم يعد مرفأ العبور المفضل لبضائع الترانزيت إلى دول الخليج كما أسلفنا، إلاَ ان هذا المشروع ستكون له انعكاسات سلبية على مصر التي ستحرم من ايرادات ضخمة تؤمنها رسوم عبور السفن الى قناة السويس. ولا شك أن هذا الأمر سيكون من الأولويات التي ستؤخذ في الاعتبار من قبل الدول العربية لدى درس هذا المشروع من زاوية التضامن العربي والحفاظ على المصالح العربية العليا. 

هل يحافظ المرفأ على دوره بعد التطبيع الإسرائيلي الإماراتي؟

من ناحية أخرى، فالمشروع المقترح يعرض أيضاً نقل الصادرات الخليجية وبضائع الترانزيت الواردة من الشرق الأقصى، وبشكل رئيسي من الصين، من مرفأ جبل علي براً إلى مرفأ حيفا لتتم إعادة شحنه بحراً إلى مرافئ المتوسط  والمرافئ الأوروبية الأخرى وهذا، إن تمّ، سيؤثر بلا شك على مرفأ بيروت الذي يقوم حالياً وبنجاح بخدمة الترانزيت البحري عبر المسافنة كما ورد سابقاً، هذا مع العلم أن الصادرات الصينية لا تمر حالياً بالضرورة عبر مرفأ جبل علي، بل إن قسماً كبيراً منها يتم نقله بواسطة بواخر عملاقة عبر قناة السويس إلى مرافئ الترانزيت الموجودة شرقي المتوسط ومنها مرفأ بيروت. ليس هذا فحسب، فالمشروع الإسرائيلي يتضارب مع المشروع الصيني الكبير المقترح «طريق الحرير الجديد» أو «مبادرة النطاق والطريق» الذي لا يلحظ أساساً، في شقه البحري، عبور الصادرات والواردات الصينية عبر مرفأ جبل علي في الإمارات العربية المتحدة، علماً أن التاريخ المقدر لإنجاز هذا المشروع الضخم هو العام 2049. ولتفادي عقبات التطبيع مع الدول العربية التي ليست في هذا الوارد، حالياً على الأقل، يعرض الجانب الإسرائيلي على الإمارات حلاً مرحلياً يقوم على نقل الواردات الإماراتية عبر مرفأ حيفا براً إلى مرفأ إيلات، ومنه بحراً بخط مباشر إلى مرفأ جبل علي الإماراتي، والهدف هو تقليص مدة الشحن وتفادي دفع رسوم قناة السويس، ما يعيدنا إلى الإشكالية المشار إليها آنفاً لناحية حرمان مصر من مداخيل أساسية.

وبعد، هل يمكن لمرفأ بيروت أن يحافظ على دوره المحوري في المنطقة؟ الجواب: طبعاً. وليس المطلوب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بل تركها تدور دورتها الطبيعية ومواكبتها بالتخطيط والجهد الدؤوب والعمل إستباقياً على الاستفادة من الفرص السانحة والظروف المتاحة. فالخطوات المطلوبة واضحة وتبدأ، من دون إبطاء، بتلزيم إعادة إعمار المرفأ وإدارته إلى شركة عالمية متخصصة بعد توضيح الوضع القانوني للمرفأ لتأمين الشفافية، وكذلك حسم مناقصة تشغيل محطة الحاويات للجهة الأقدر على تقديم الخدمات الأمثل وتأمين استمرار تدفق حاويات الترانزيت البحري عبرها، بالإضافة إلى استكمال أعمال توسعة محطة الحاويات، إذ إن الإستمرار في التعطيل والتأجيل في هذه الظروف المصيرية ستكون لهما انعكاسات سلبية خطيرة على الوضع بشكل عام، وعلى مستقبل مرفأ بيروت بشكل محدد. وفي حين تنكبُّ أبالسة الخارج على وضع وتنفيذ الخطط الرامية إلى إضعاف لبنان وإغراقه في أتون صراعات وإشكالات لا تنتهي، على «ملائكة» الداخل أن تحاذر تزويدها بالمبررات والمسوغات اللازمة، وأن تتوقف عن البحث حثيثاً في جنس الشياطين وطائفتها ومذهبها.