مصر ـ تركيا:
هل حان وقت التقارب ؟

27.10.2020
الوزيران سامح شكرى و نيكوس ديندياس بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية
سرت والجفرة: خط أحمر
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب ياسر هلال 

هل يمكن حدوث تقارب مصري تركي جزئي يعيد رسم خريطة التحالفات والإصطفافات في المنطقة في بعض الملفات كالملف الإيراني، وشرق المتوسط مثلاً؟ وهل بات هذا التقارب موضع ترحيب القوة العظمى، وماذا عن ملفات الصراع بين البلدين التي تعيق أي تقارب بينهما وأهمها  بالنسبة الى مصر، دعم تركيا لجماعة الأخوان المسلمين، والقضية الليبية ؟ 

بعيداً عن الإستنتاجات المبنية على معطيات جزئية وظرفية أو تمنيات، هناك معطيات ومؤشرات يمكن البناء عليها للقول إن علاقة البلدين مرشحة للخروج من حالة العداء الكامل لتشهد تقارباً في ملفات محددة مع استمرار التنافس والصراع في ملفات أخرى. ونستند في هذا الإستنتاج إلى حقيقتين : 

الحقيقة الأولى، أن القوى الإقليمية الكبرى تخوض الصراعات والحروب على قاعدة المصالح فلا يأخذ الصراع بينها طابع العداء الدائم والشامل لكل الملفات والقضايا، ولا سيما في الملفات التي تشكل سبباً للصدام وسبباً للتقارب في الوقت ذاته (شرق المتوسط، ليبيا، السودان) في حالة مصر وتركيا، حيث يستهدف الصراع وحتى الصدام حولها أحياناً تسهيل التفاوض وليس إلحاق الأذى البالغ، «يعني مثل الذي يطلق النار على خصمه متعمداً عدم إصابته». وفي المقابل، هناك ملفات خلافية على طول الخط وتتطلب تنازلاً جدياً من تركيا مثل ملف دعم جماعة الأخوان. وأخيراً هناك ملفات تقارب على طول الخط مثل الملف الاقتصادي والعلاقات التجارية والإستثمارية. كما يقول الباحث طارق ذياب في دراسة قيّمة حول هذا الموضوع.

الشرق الاوسط الجديد: والآن مرحلة  ضرب النفوذ الشيعي بعد نجاح مرحلة  إضعاف السنة

الحقيقة الثانية؛ هي أن صراعات وتحالفات القوى الإقليمية تأتي عادة في إطار صراعات وتحالفات القوى الدولية العظمى لكي لا نقول ملحقة بها. 

مثلث برمودا: مصر، تركيا، إيران 

لنبدأ بالحقيقة الثانية المتعلقة «بالسياسة العليا» للقوى العظمى، ولنلاحظ أولاً، ان المنطقة محكومة تاريخياً بمثلت تركيا - مصر -إيران، ولم يحدث ان اجتمعت أضلاعه  الثلاثة في محور واحد لأن اجتماعها يطلق قوة مشرقية، تكون أشبه بمثلث برمودا يبتلع نفوذ القوى الكبرى في الإقليم. بل «إن تحالف قوتين فقط خارج إطار المنظومة الدولية المتحكمة يشكل مصدر تهديد خطير لها» كما يقول وزير الخارجية التركي الأسبق أحمد داود أوغلو في كتابه الشهير «العمق الاستراتيجي لتركيا». ولذلك يلاحظ ان الدول الثلاث هي دائماً في حالة تنافس وصراع. وأقصى ما يحصل هو تقارب وليس تحالف دولتين بمواجهة الثالثة، وفي ملفات محددة أيضاً. ذلك ما حدث حين تفاهمت إيران وتركيا ضد مصر أيام حلف بغداد، وبعدها حين تفاهمت مصر مع تركيا، بعد ثورة الخميني، ثم تقارب تركيا وإيران في مواجهة مصر منذ العام 2013. 

مصر، تركيا، إيران: تحالفها ممنوع لأنه يشكل “مثلث برمودا” لنفوذ القوى العظمى

حالياً، نشهد إرهاصات ومؤشرات على تقارب جزئي بين تركيا ومصر. أما "المنظومة الدولية المتحكمة"، بقيادة "المايسترو" الأميركي والمساعد الروسي والشريك المضارب الصيني، فيبدو أنها تشجع، ولكن بحذر، هذا التقارب على أن يترافق مع ابتعاد جزئي أيضاً لتركيا عن إيران. والهدف إحكام الطوق على إيران لأضعافها وتقليص نفوذها في المنطقة إلى الحدود التي تضعها أميركا بالتنسيق مع روسيا. وإذا لم تنفع العقوبات وحروب الإفقار في تحقيق ذلك، فلا بأس من إثارة موجة من حروب الثأر السنية لتدمير الحواضر الشيعية وتشريد أهلها، بعد النجاح الباهر الذي حققته سياسة تقوية إيران خلال العقدين الماضيين. حيث أدى الصراع السني الشيعي إلى تدمير الحواضر السنية الرئيسية في سوريا والعراق، وتشريد أهلها في مشارق الأرض ومغاربها وفي خيام اللاجئين.

«المايسترو» الأميركي يشجع بحذر تقارب مصر وتركيا لمواجهة إيران

إذاً المصلحة العليا «للمنظومة الدولية المتحكمة»، تقتضي حصول تقارب مصري تركي جزئي وآني، لمواجهة إيران سلماً أو حرباً. 

«الإخوان المسلمون»: خلاف وصدام  

نأتي الى الحقيقة الأولى المتعلقة بملفات الخلاف والصراع بين مصر وتركيا، وهي متعددة ومتشابكة، ونكتفي بالإشارة إلى ملف جماعة الأخوان كقضية خلاف وصدام صرف، وملفات ليبيا، شرق المتوسط، السودان كقضايا خلاف وتقارب في الوقت ذاته.

يصعب حل مشكلة الإخوان، من دون تنازل ولو جزئي من قبل تركيا. فالعلاقة بين البلدين دخلت مسار تدهور سريع بعد مع ما يسمى «الربيع العربي» ودعم تركيا لجماعة الإخوان، لتصل إلى القطيعة بعد ثورة 30 يونيو وإنهاء حكمهم في مصر. وتزامنت هذه التطورات مع تخلي تركيا وحزب العدالة والتنمية عن صيغة «الإسلام المعتدل» التي كانت مقبولة عربياً وأوروبياً ودولياً وحققت لتركيا نجاحاً باهراً اقتصادياً وسياسياً، لصالح الدعم الكامل لجماعة الإخوان بهدف السيطرة على الحكم في دول رئيسية مثل مصر وليبيا وتونس والجزائر. 

هل تقلص تركيا دعم إخوان مصر

فهل تعيد تركيا حساباتها إن لم يكن بالعودة إلى صيغة «الاسلام المعتدل» والتخلي عن جماعة الإخوان، فعلى الأقل بتقليص دعم الجماعة في مصر، ما يزيل عقبة رئيسية أمام التقارب معها، ويفتح كوة في جدار العلاقة مع السعودية. 

لا مجال للمبالغة بتوقع حدوث تغيير جذري في الموقف التركي في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، ولكن هناك تطورات ومؤشرات تدل على إمكانية اتخاذ بعض الخطوات بهذا الاتجاه قد تتطور تبعاً لتطور مسار العلاقات واستجابة الأطراف المعنية. ومن أبرز هذه المؤشرات ما يلي: 

* سيل التصريحات الإيجابية لكبار المسؤولين الأتراك تجاه مصر والدعوات المباشرة «لإعادة بناء علاقات تقوم على تحقيق مصالح البلدين الشقيقين»، كما قال الرئيس أردوغان الذي قلل من عمق المشكلة مع مصر، إلى حدّ اعتبارها نوعاً من «سوء تفاهم يجب إزالته». وكشف عن  «لقاءات ومشاورات مع الحكومة المصرية بشأن بعض الملفات».وبغض النظر عن نوايا الرئيس التركي، في الكشف عن هذه اللقاءات، إذا حصلت ، فقد  سارعت مصر إلى نفيها.

ملف الإخوان المسلمين، هو عامل الصدام الرئيسي

* ردّ مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي على مطالبة زعيم المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، «بوقف دعم جماعة الإخوان وطردها من تركيا والتصالح مع مصر» واصفاً كلامه بأنه:« حديث فارغ، فنحن لا ندعم هذه الجماعة التي لا تهمنا كثيراً، لكننا ندعم حقوق الإنسان، ولذلك لن نقوم بتسليم المصريين المتواجدين في تركيا إلى بلادهم، وهذه هي حدود الدعم الذي نوفره لهم».

تغير الخطاب الإعلامي 

* تغيير واضح في طبيعة الخطاب الإعلامي التركي الداعم لإخوان مصر، إذ لوحظ مثلاً عدم صدور أي بيانات أو تصريحات في ذكرى فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس وذلك لأول مرة منذ سنوات، بل على العكس فإن وكالة الاناضول أصدرت تقريراً بالمناسبة تضمّن تحليلاً لما وصفه «بأزمة الجماعة وعجزها عن التجديد وادعائها الصمود والتمسك بالشرعية، بينما هي في الواقع منقسمة على ذاتها».

* إنتقال عدد من قيادات الإخوان من تركيا إلى بريطانيا وقطر، في حين يلتحق رجال الاعمال منهم بنظرائهم الموجودين في ماليزيا وإندونيسيا. وترافق ذلك مع تزايد التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالإخوان عن مضايقات لقيادات الجماعة في تركيا، واتهامات بدور للمخابرات التركية في إلقاء السلطات المصرية القبض على القائم بأعمال المرشد العام للأخوان محمود عزت، المتواري عن الأنظار داخل مصر منذ العام 2013، وسط معلومات عن عمليات توقيف جديدة لقيادات إخوانية. 

إذاً، هناك مؤشرات أولية على إمكانية حدوث تغيير ولو جزئي في مقاربة تركيا لقضية جماعة الإخوان المصريين.

ليبيا: عامل تصادم أم تقارب؟

تعتبر القضية الليبية رغم خطورتها وحساسيتها من الملفات التي تشكل سبباً للصدام وسبباً للتقارب في آن. ففي الشق الأول يلاحظ أن التواجد في ليبيا بات خطاً أحمر لا يمكن التراجع عنه بالنسبة الى تركيا، ويرجع ذلك إلى أن هذا التواجد جعلها لاعباً رئيسياً في أزمات شرق المتوسط وشكّل ورقة ضغط مهمة لتحقيق هدف إعادة ترسيم حدودها البحرية في البحر المتوسط وفي بحر إيجه وتعديل اتفاقية لوزان. يضاف إلى ذلك المنافع الاقتصادية الكبيرة وفي مقدمها الحصول على النفط والغاز الليبي، وعقود إعادة الإعمار والتبادل التجاري الخ... 

صراع مصر وتركيا في شرق المتوسط، كمن يطلق النار على خصمه متعمداً عدم إصابته

أما بالنسبة الى مصر، فإن ليبيا ليست خطاً أحمر وحسب بل شديد الاحمرار، فسيطرة قوى مناوئة لمصر على ليبيا وبخاصة على الأجزاء الشرقية الغنية بالنفط والمتاخمة للحدود المصرية، يعني تعريضاً مباشراً للأمن القومي المصري. وذلك ما يفسر الموقف الحاسم والتهديد بتدخل الجيش المصري لمنع قوات حكومة الوفاق من تجاوز سرت والجفرة باتجاه الشرق، وقد وصلت الرسالة سريعاً إلى العنوان في اسطنبول وفي موسكو أيضاً. 

هذا هو جانب الخلاف والصدام، ولكن هناك جانب في هذا الملف يدفع باتجاه التقارب بين البلدين، لعل أبرز ملامحه إلتقاء مصالحهما بالنسبة الى ترسيم الحدود البحرية، واطمئنان مصر إلى ان تركيا لا تقدم على صدام عسكري معها مهما حدث. وفي الوقائع، نشير إلى أن مصر لم تكن متحمسة لهجوم قوات خليفة حفتر على طرابلس، أما تركيا فكانت شديدة الحرص على أن يقف الهجوم المضاد لقوات السراج باتجاه الشرق الليبي على مشارف سرت لعدم استفزار مصر. ولذلك تمت الاستجابة سريعاً للوساطات الأوروبية ولجهود السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند لصياغة التسوية التي تردد ان المخابرات المصرية والتركية كانتا طرفاً مباشراً فيها، ولم يكن صدفة أن يتم بشكل متزامن تقريباً، تحييد خليفة حفتر المدعوم من مصر، وفايز السراج المدعوم من تركيا. 

ملفات ليبيا، شرق المتوسط، السودان: عناصر تقارب وصدام في الوقت ذاته بين مصر وتركيا

وهناك دلائل عدة على أن أحد أهداف تركيا من الهجوم باتجاه الشرق، كان الضغط على مصر لفتح باب التفاوض والتسوية معها. ولنتذكر تصاعد الدعوات التركية للتفاوض مع مصر عند كل إنتصار تحققه في ليبيا، من تصريح وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو في يناير 2020 بعد تفعيل مذكرة التعاون العسكري الموقّعة مع حكومة الوفاق وإرسال معدات وقوات نظامية وميلشيات إلى طرابلس، إلى تصريحات ياسين أقطاي بعد وصول قوات الوفاق إلى مشارف سرت في يونيو 2020 التي أشار فيها إلى «تفهم تركيا لمخاوف القاهرة المحقة، مؤكداً حرص بلاده على عدم الصدام مع الجيش المصري واصفاً إياه: «بالجيش العظيم، الذي نحترمه كثيراً، لأنه جيش أشقائنا».

إذن، يمكن القول ان الملف الليبي يشكل عنصر تفجير وتوتير لعلاقة البلدين، ولكنه في الوقت ذاته قد يشكل عنصر تقارب بيهما. 

شرق المتوسط: تقارب و«غزل»

هو الملف الثاني الذي يشكل عاملاً رئيسياً لتصادم البلدين سياسياً ولكنه يشكل موضوعياً عاملاً رئيسياً أيضاً للتقارب.

ونشرح... تتموضع مصر منذ العام 2013 في تحالف ثلاثي مع اليونان وقبرص اللتين تخوضان حرباً مفتوحة مع تركيا منذ مئات السنين وقودها أحقاد دينية وعرقية ومذابح وتهجير واتفاقيات إذعان كإتفاقية لوزان، وأضيف إليها الآن وقود النفط والغاز. وقامت مصر بتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية مع البلدين واتخذت جملة مبادرات مؤذية نسبياً لتركيا، فتمّ مثلا تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط وتحويله مؤخراً إلى منظمة دولية، مع استبعاد تركيا عنه. كما قامت بترسيم حدودها البحرية مع قبرص متجاهلة المصالح التركية في الجزء التركي من قبرص. أما تركيا فردت بإعلان ترسيم منطقتها الاقتصادية الخالصة، وإبرام مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية لترسيم الجرف القاري بينهما موجهة ضربة قانونية موجعة لليونان وقبرص ولكن ليس لمصر، كما اعتمدت سياسة البوارج لحماية سفن التنقيب والحفر في المياه المتنازع عليها، وصولاً إلى حدّ التهديد بصدام عسكري مع اليونان ومصر. 

ترسيم  الحدود المصرية اليونانية

أما الضربة المصرية لتركيا والتي تعادل ضربة تركيا لمصر بهجوم قوات الوفاق على سرت والجفرة، فكانت توقيع اتفاقية مبدئية لترسيم الحدود البحرية المصرية اليونانية، وهي الخطوة التي تقوض الموقف التفاوضي لتركيا مع اليونان لإضفاء الطابع القانوني على ترسيم منطقتها الاقتصادية وتعديل اتفاقية لوزان.

تحية .. 

ولكن كما في الملف الليبي، كانت مصر وتركيا تراعيان في كل هذه الخطوات المؤذية، مصالح بعضهما بعضاً في العمق، وتتعمدان أن لا تصيب القذائف أهدافها. فعندما وقّعت تركيا مذكرة التفاهم مع ليببا مثلاً تعمدت حفظ الحقوق المصرية بالحد الأقصى الممكن. ومع ان مصر أعلنت معارضتها للإتفاقية إلا أن وزير الخارجية سامح شكري قال صراحة في 8 يسمبر 2019 أي بعد التوقيع مباشرة « ان الاتفاقية التركية ـ الليبية لا تمس مصالح مصر».

 شكري: ترسيم الحدود التركية الليبية لم يمس مصالح مصر

هذه المقاربة تنطبق على ما فعلته مصر حين رسمت حدودها مع اليونان، حيث حرصت على عدم تضمين الاتفاقية أي بند يضرّ بجوهر المصالح التركية خصوصاً تلك المتعلقة بالأثر المترتب على اعتبار جزيرتي «رودوس» و«كاستيلوريزو» أو مايس بالتركية، تحت السيادة اليونانية. ومعروف ان سيطرة تركيا على جزيرة مايس يؤدي إلى زيادة مساحة منقطتها الاقتصادية الخالصة بحوالي 100 ألف  كلم2.

... ورد  التحية بأحسن منها

وقد ردّ الوزير أوغلو تحية نظيره المصري بأحسن منها بتاريخ 20 سبتمبر في معرض تعليقه على الاتفاقية مع اليونان، بقوله «إن مصر لم تنتهك أبداً الجرف القاري لتركيا في الاتفاقات المبرمة مع اليونان ومع «قبرص الرومية» بخصوص مناطق الصلاحية البحرية، فقد احترمت مصر حقوقنا ولا أريد أن أبخّسها حقها بحجة أن العلاقات السياسية بيننا ليست جيدة للغاية».

تبقى الإشارة إلى أن تقارب مصر وتركيا في ملف شرق المتوسط يحقق مصالح عليا للدولتين تتمثل بالنسبة لتركيا بكسر الطوق المفروض عليها بإكتساب حليف قوي ومؤثر، ما يعزز موقفها بل يقلب المعادلة في صراعها مع قبرص واليونان لتنفيذ تصورها المعلن لحدودها البحرية والذي يزيد مساحة منطقتها الاقتصادية الخالصة من 40 ألف كلم2 إلى 140 ألف كلم2، ويجعل المياه التركية ممراً إلزامياً لخط أنابيب «إيستميد» وخاضعاً لموافقتها.

أوغلو: مصر احترمت حقوق تركيا بإتفاق الترسيم مع اليونان

أما بالنسبة الى مصر، فإن الترسيم البحري مع تركيا يضيف إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية مساحة تتراوح ما بين 15 و25 ألف كلم2، مقارنة مع الترسيم اليوناني الذي يحرمها من هذه المساحة. وقد حاولت مصر جاهدة تعديل المقاربة اليونانية على مدى سنوات طويلة،دون ان تنجح في ذلك بسبب تعنت اليونان، وذلك ما كان يؤخر الترسيم. 

كما يفيد الترسيم في تعزيز فرص تركيا ومصر للتحول إلى مركزين إقليميين للغاز بالإستفادة من مرافق التسييل والبنية التحتية الموجودة لديهما.

إذاً، التعاون بين البلدين يحقق مصالح ضخمة لكل منهما، وهناك حرص على عدم تجاوز الخطوط الحمراء في صراعهما. 

ملف السودان: التقارب حصل

شكّل هذا الملف عنصر خلاف حاداً بين مصر وتركيا خصوصاً بعد اتفاقية جزيرة سواكن بين تركيا والسودان، وما تردد عن عزم تركيا بناء قاعدة عسكرية فيها.

 ولكن مع إحجام تركيا عن تنفيذ ذلك ومع ميل مصر إلى التعامل مع المكون الإسلامي في الحكم، تكونت عوامل تقارب مع تركيا وتباعد مع الإمارات التي تدعم ميليشيات قوات الدعم السريع، فيما تدعم مصر المؤسسة العسكرية النظامية، في ظل رغبتها في حفظ الاستقرار على حدودها الجنوبية، والتخلص من الظاهرة المليشياوية في ليبيا والسودان.

في زمن التحولات الكبرى، لا مكان للإصطفافات والتحالفات الدائمة وحالات العداء الشاملة لكل الملفات.

 فتلك مقاربة لا تناسب دولاً كبيرة ذات وزن اقليمي ودولي مثل مصر وتركيا والسعودية  وهو الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في ملفات الصراع وفي التحالفات بما يتناسب مع المصالح وحفظ المواقع.