سلطنة عمان:
مرحلة التغيير والتطوير

13.09.2020
وزير الخارجية السيد بدر بن حمد البوسعيدي
وزير المالية سلطان بن سالم الحبسي
وزير التجارة والصناعة وترويج الإستثمار، قيس بن محمد اليوسف
وزير الثقافة والرياضة والشباب السيد ذي يزن بن هيثم
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب ياسر هلال 

بسرعة قياسية، باشر السلطان هيثم بن طارق ما يصحّ تسميته مرحلة التأسيس الثاني لنهضة السلطنة واستكمال وتطوير الإنجازات المحققة في عهد المغفور له السلطان قابوس بن سعيد. ويبدو ان السلطان هيثم يمتلك الى الرؤية الواضحة للمرحلة الجديدة، خريطة طريق لتحقيقها.

ويستدل على ذلك من التغييرات التي تتضمنها المراسيم السلطانية المتواترة الصدور منذ تسلّمه مقاليد الحكم، وكان آخرها التشكيلة الحكومية المعدلة التي تمّ إعلانها في 20 أغسطس الماضي، من ضمن 28 مرسوماً شملت إعادة هيكلة عدد من الوزارات والمؤسسات والهيئات. ويتوقع ان تتركز التغييرات في النواحي الاقتصادية والمالية والاجتماعية تحت الشعار المركزي وهو رؤية عمان 2040 التي أشرف السلطان هيثم وبدعم من سلفه على وضعها، في حين لن يطرأ تغيير يذكر في الجوهر على القضايا السياسية والإستراتيجية.

ما هي التغييرات التي حملتها المراسيم السلطانية وما هي دلالاتها؟ علماً أن هذه التغييرات كانت متوقعة بل معروفة، وقد أعلنها السلطان هيثم في خطابه الثاني بعد مرور شهر على توليه مقاليد السلطة وحدد فيه بعض ركائز ما سمّاه المرحلة الجديدة في تاريخ عمان، وهي مواصلة نهج الحياد، تحديث وتطوير الجهاز الإداري للدولة، التوجيه الأمثل للموارد المالية، إيلاء اهتمام خاص بالشباب والمرأة، وهذه العناوين تضمّنتها عملياً رؤية 2040 التي أشرف عليها السلطان هيثم منذ العام 2017.

إذاً، هناك إستمرار وثبات في التوجهات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية كما رسمها السلطان الراحل، ولكن هناك تغييرات جوهرية في السياسات والأنظمة الحكومية والإدارية تشمل بالطبع ما كان يعتبر من الثوابت، وبهذا المعنى فإن التواتر السريع للمراسيم السلطانية الصادرة والمتوقع صدورها تشكّل عملية تكاملية تراكمية بما يتوافق مع متطلبات مرحلة التأسيس الثانية، وعليه يمكن ملاحظة ان المراسيم الـ 28 ومرسوم التشكيلة الحكومية تحديداً تضمنت العناوين التالية: 

أولاً: إعادة هيكلة الوزارات وتفويض الصلاحيات 

راعى مرسوم تشكيل الحكومة مكانة ورمزية شخصيات رئيسية في الدولة العمانية، حيث احتفظ نواب رئيس مجلس الوزراء بمناصبهم وهم السيد أسعد بن طارق لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، والسيد فهد بن محمود لشؤون مجلس الوزراء وهو يشغل هذا المنصب منذ العام 1970، كما احتفظ السيد شهاب بن طارق بمنصبه كنائب لرئيس مجلس الوزراء لشؤون الدفاع الذي يشغله منذ مارس آذار الماضي. ولكن المرسوم قضى بتقليص عدد الوزارات من 26 إلى 19 وزارة، من خلال الدمج ونقل الإختصاصات من وزارة إلى أخرى وإعادة تسميتها إضافة إلى إلغاء بعض المؤسسات والهيئات واستحداث أخرى، والهدف تقليص النفقات وفك التشابك بالصلاحيات وتجنّب الإزدواجية بين الوحدات الحكومية، وبالطبع زيادة الفعالية والكفاءة.  

ولكن تتمثل الملاحظة الأهم في مبادرة السلطان إلى تفويض صلاحياته إلى الوزراء المعنيين مع تعديل مسمياتهم إلى وزير بدلاً من الوزير المسؤول، وذلك باستثناء وزير الدفاع  السيد شهاب بن طارق حيث احتفظ بلقبه كنائب لرئيس مجلس الوزراء لشؤون الدفاع، وشمل التعديل مناصب أساسية مثل وزارات الخارجية والمالية والبنك المركزي. 

التعديل الأبرز في الخارجية والمالية 

نصّ المرسوم على تعديل تسمية الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية ليصبح وزير الخارجية، وتمّ إسناد المنصب إلىالسيد  بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، خلفاً للوزير يوسف بن علوي الذي شغل المنصب لمدة 23 عاماً. ويعتبر الوزير الجديد أحد أبرز الدبلوماسيين العمانيين علماً وخبرة، فهو خريج جامعة أوكسفورد في العام 1986، و«ابن» وزارة الخارجية منذ العام 1988، حيث تقلّد العديد من المناصب كان آخرها أمين عام الوزارة، ما يعني انه كان من النواة الصلبة المتابعة لكافة الملفات والقضايا، وقد وصفه مقال نشر في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى بأنه «محبوب جداً، ويعتبره الدبلوماسيون الأميركيون أنه محاور جاد ومميز». 

وشمل التعديل منصباً قد لا يقل أهمية عن وزارة الخارجية، نظراً الى ارتباطه بالتغيير المرتقب على الجبهة الاقتصادية، هو منصب الوزير المسؤول عن الشؤون المالية ليصبح وزير المالية، وتمّ إسناد المنصب إلى شخصية تتمتع بسجل حافل بالإنجازات والخبرة والكفاءة، هو سلطان بن سالم الحبسي، الذي تقلّد مناصب عدة في وزارة المالية منذ التحاقه بها في العام 1988، وشغل منصب المدير التنفيذي للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية، والأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، كما شغل منصب نائب رئيس مجلس محافظي البنك المركزي ونائب رئيس مجلس إدارة شركة النفط العُمانية، وكذلك رئيس مجلس إدارة جهاز الاستثمار العماني مؤخراً. 

ثانياً: تحقيق رؤية 2040

لما كان التغيير والتطوير هما السمة الغالبة على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، فقد عكس اختيار الوزراء المعنيين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي الأهمية الكبيرة التي يوليها السلطان هيثم لمسألة الإصلاح الاقتصادي والإداري ومعالجة أوجه الإختلالات الهيكلية وخصوصاً المالية، وهذا الاهتمام ليس وليد التطورات الآنية بل كان في صلب اهتمامات السلطان هيثم منذ سنوات، وترجم هذا الاهتمام بترؤسه اللجنة الرئيسية لرؤية عمان 2040، والتي تشكل خريطة طريق لمرحلة التأسيس الثانية من خلال أربعة محاور رئيسية هي: «الإنسان والمجتمع»، «الاقتصاد والتنمية»، «الحوكمة والأداء المؤسسي»  وتمّت إضافة البيئة المستدامة كمحور رابع بعد المؤتمر الوطني الذي عقد في يناير 2019.

ويلاحظ أن معظم التغييرات الإدارية تمت في وزارات وهيئات لها علاقة مباشرة برؤية 2040، مثل وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، وزارة الاقتصاد، وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وزارة العمل، وزارة الرياضة والشباب والسياحة، كما تضمنت المراسيم السلطانية مرسوم إنشاء وحدة متابعة لتنفيذ رؤية عمان 2040، وذلك ما أكّده السلطان هيثم في أول اجتماع لمجلس الوزراء الجديد بقوله «إن هيكلة الجهاز الإداري للدولة جاءت متواكبة مع رؤية «عمان  2040» وبما يؤدي الى رفع كفاءة الجهاز الإداري، والتوافق مع التطورات التي شهدتها السلطنة في الجوانب التنموية والاقتصادية والاجتماعية".

ثالثاً: الكفاءة والخبرة 

يلاحظ ان جميع الوزراء الجدد أو المجدد لهم هم أصحاب اختصاص ويمتلكون خبرة طويلة في اختصاصات وزاراتهم أو جاؤوا من القطاع الخاص والشركات، فهناك 13 وزيراً يحملون شهادات دكتوراه وعلى مستوى الوكلاء هناك 28 وكيلاً من حملة الدكتوراه، و31 من حملة الماجستير.

ينطبق ذلك على وزيري الخارجية والمالية كما سلفت الإشارة، كما ينطبق على وزير الاقتصاد د سعيد بن محمد الصقري، الحاصل على شهادة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة فيكتوريا بأستراليا، وتولى منصب مستشار اقتصادي بالمركز الإحصائي لدول مجلس التعاون، ورئيس الجمعية الاقتصادية العمانية، والرئيس التنفيذي لمركز عمان للترقيم، كما ينطبق أيضاً على وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، قيس بن محمد اليوسف، والذي يتولى منذ العام 2018 منصب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان، وهو رجل أعمال معروف وكان الرئيس التنفيذي لمجموعة اليوسف منذ العام 1997، وشركة مسقط للإلكترونيات، كما يشغل منصب رئيس مجلس إدارة كل من شركة فولتامب للطاقة، وشركة الكروم العمانية، ونائب رئيس مجلس إدارة كل من شركة الأنوار القابضة ، وشركة ترك عمان.

 تعيين رئيس الغرفة وزيراً للتجارة يوضح القناعة بالدور المرتقب للقطاع الخاص

وصفة أهل العلم والاختصاص تنطبق أيضاً على وزير الإعلام عبد الله بن ناصر الحراصي، الذي كان يرأس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون منذ العام 2011، وكذلك وزير الإسكان والتخطيط خلفان الشعيلي الذي كان يشغل العديد من المناصب القيادية في الشركات العاملة في قطاع الطيران والنقل من بينها الرئيس التنفيذي للعمانية لخدمات الطيران، والشركة العُمانية للتموين، وشركة الطيران العُماني «ساتس» للشحن، وشركة مسقط للسوق الحرة.

رابعاً: تمكين الشباب والمرأة 

العنوان الثالث هو ترجمة الاهتمام بجيل الشباب والمرأة إلى قرارات وسياسات، إذ استأثرت الفئة العمرية الأقل من 55 عاماً بأكثر من 60 في المئة من التشكيلة الوزارية، كما تضمنت إشراك الجيل الثاني من الأسرة الحاكمة بمناصب مهمة، مثل السيد  ذي يزن بن هيثم كوزير للثقافة والرياضة والشباب، وهو شاب يبلغ من العمر ثلاثين عاماً، وقد أظهر كفاءة عالية في مهامه كدبلوماسي منذ العام 2013 حيث كان يشغل منصب السكرتير الثاني في السفارة العُمانية في لندن.  وينطبق ذلك على السيد  تيمور بن أسعد، البالغ من العمر 39 عاماً والذي تم تعيينه رئيساً لمجلس محافظي البنك المركزي بدرجة وزير.  

 وكانت للمرأة حصة واضحة في الحكومة الجديدة، حيث تمّ تعيين الوزيرة رحمة بنت إبراهيم المحروقية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهي كانت تشغل منصب نائب الرئيس للدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة السلطان قابوس منذ العام 2016، وكذلك الحال بالنسبة الى وزيرة التنمية الاجتماعية، ليلى بنت أحمد النجار التي كانت مستشارة وزيرة التربية والتعليم للبرامج التعليمية، ورئيسة الاتحاد العماني للشطرنج.