لبنان: تقليص الانتشار المصرفي الخارجي
أول غيث إعادة الهيكلة؟

20.08.2020
جمعية مصارف لبنان
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
بهيج أبو غانم

هل بدأت عملية العد العكسي لانحسار وتقلص الانتشار المصرفي اللبناني في الخارج بعد اتّساع دائرته على مدى العقدين الماضيين؟

وهل بدأ تغيير معالم خريطة هذا الانتشار الذي حققه نحو 17 مصرفاً في نحو 100 مدينة في 30 بلداً تتوزع على القارات الخمس.

وهل بدأ القطاع المصرفي اللبناني يفتقد ميزة الانتشار الذي انفرد بها بين البلدان العربية، والتي جعلت منه قطاعاً عريقاً بأبعاد محلية وإقليمية ودولية؟

واستطراداً، هل بدأ القطاع المصرفي في حمل شعار "إلى الوطن در"؟

هذه الأسئلة باتت تفرض نفسها بإلحاح في الأوساط المصرفية حيث ظهرت بوادر وخطوات عدة باتجاه الانسحاب من بعض الأسواق، تحت وطأة الظروف القاسية التي تشهدها المصارف اللبنانية منذ أواخر الصيف الماضي والتي أخذت تتفاقم يوماً بعد يوم، الأمر الذي وضع المصارف أمام تحديات الملاءة والسيولة فضلاً، وهذا الأهم والأكثر خطورة، أدى إلى اهتزاز الثقة داخلياً وخارجياً، هذه الثقة التي لطالما تغنى بها القطاع وكانت إحدى الركائز الأساسية لتوسعه ونموه الذي أوصله ليشكل أكثر من 3 مرات الناتج المحلي بموجوداته وودائعه، فضلاً عن تسليفاته إلى القطاع الخاص التي تجاوزت الناتج المحلي الإجمالي.

أسباب تقلص الانتشار

من الواضح أن انكفاء المصارف اللبنانية نحو السوق المحلية نابع من حرصها على تعزيز سيولتها وملاءتها من أجل الحفاظ على استمراريتها وعلى استمرار علاقاتها مع زبائنها ومع المصارف المراسلة. فقد تعرضت المصارف لضغوطات قاسية مع بروز بوادر أزمة المالية العامة وتزايد التحويلات إلى الخارج مع الارتفاع المتصاعد في سعر صرف الليرة. الأمر الذي ألزم المصارف بالتحوط من احتمال مواجهة السحوبات، فلجأت إلى تقييد السحوبات النقدية والامتناع عن التحويلات إلى الخارج سواء لأغراض شخصية أو تجارية، وتفاقم هذا الوضع خلال شهر آذار الماضي، عندما قررت الحكومة اللبنانية التوقف عن تسديد الديون المستحقة عليها سواء من إصدارات "اليوروبوندز" أو إصدارات سندات الخزينة. ومع اهتزاز الثقة بالقطاع يوماً بعد يوم وبروز اتجاهات سياسية نحو تحميلها مسؤولية الانهيار المالي، وتوقف أية تدفقات من الخارج واجهت المصارف وضعاً حرجاً سواء في سيولتها أم في ملاءتها فكان من المتوقع التوجه عن تقليص التوظيفات في الخارج لأنه من غير المنطقي أن لا يكون الرأس سليماً وتبقى الأطراف في عافية.

وإلى هذه الأسباب المحلية، فإن تخفيض التصنيف الائتماني للبنان وتالياً للمصارف إلى ما دون درجة "C" جعل المصارف في الخارج سواء كانت مصارف تابعة أو فروعاً في وضع صعب للغاية، وإلى درجة أنه لم يعد مرغوباً بها.

وعليه، كيف تبدو صورة الانتشار الخارجي في هذا الوقت؟ وما الذي حصل حتى الآن في إطار شعار "إلى الوطن در"؟

المصارف في مصر

ضمن مسلسل الانسحاب من الأسواق الخارجية تتوجه الأنظار على السوق المصرية التي يتواجد فيها أكبر مصرفين في لبنان هما: بنك لبنان والمهجر وبنك عوده. واللافت أن انسحاب المصرفين بدأ من سوق ناشطة كان خلالها المصرفان يحققان أرباحاً مجزية. فبنك لبنان والمهجر صرح غير مرة أن بنك "بلوم مصر" يعتبر أكبر أصول مجموعة بنك لبنان والمهجر خارج لبنان وكان رافداً رئيسياً لنموها وأرباحها. ومع ذلك أعلن البنك عزمه على التخارج وعرض تقاريره المفصلة عن وضعه المالي ومحفظتي الودائع والتسليفات أمام بعض الجهات التي تقدمت بعروض. وإذا كان البنك يؤكد أن ثمة جهات عدة تدرس أوضاع البنك فثمة من يرجح أن يكون مصرف "دبي الإمارات الوطني" الأوفر حظاً للفوز بالصفقة مع التأكيد أن بنك لبنان والمهجر يتمسك بسعر معين انطلاقاً من رسملة البنك وربحيته على مدى السنوات الماضية، فضلاً عن انتشاره في أكثر من 28 فرعاً في غير مدينة مصرية.

بنك لبنان والمهجر وبنك عوده يسعيان للانسحاب من مصر

أما بنك عوده فإنه عازم أيضاً على التخارج من مصر على الرغم من أن بياناته المالية كانت تشير إلى نسبة عالية من الأرباح متأتية من وحدات مصرفية خارج لبنان وفي طليعتها تركيا ومصر.

المعروف أن المفاوضات بدأت في وقت سابق بنك أبو ظبي الأول ولكنها لم تصل إلى نهاية سعيدة مع العلم أن مساعي بنك عوده للخروج من مصر مستمرة.

ومن المؤسف أن يقدم أكثر مصرفين في لبنان على الخروج من أكبر سوق عربية حافلة بالفرص وترتبط مع لبنان بعلاقات مميزة تجارياً واستثمارياً إذ تجدر الإشارة إلى حجم الاستثمارات اللبنانية في مصر والتي هي في طليعة الاستثمارات الأجنبية...

المصارف في العراق

وفي السياق نفسه، فإن العراق شكل أول غيث الانسحاب المصرفي منه والذي يتمثل في وجود فروع لـ 10 مصارف لبنانية تتوزع بين بغداد وإربيل والبصره والسليمانية.

وعلم موقع "الاقتصاد أون لاين" أن 4 مصارف أعلنت عزمها على الانسحاب وهي: البنك اللبناني الفرنسي، بنك لبنان والمهجر، بنك البحر المتوسط، وبنك انتركونتيننتال لبنان IBL. وعلم أن ثلاثة مصارف تقدمت بكتب رسمية من البنك المركزي العراقي.

وفي ضوء ذلك، فإن التواجد المصرفي اللبناني سيبقى وحتى إشعار آخر مقتصراً على أربعة مصارف هي: بنك بيروت والبلاد العربية (BBAC)، بنك عوده، بنك بيبلوس وبنك الشرق الأوسط وإفريقيا (MEAB).

6 مصارف من أصل 10 قررت الانسحاب من العراق

مع الإشارة إلى المصارف الثلاثة الأولى تستوفي شروط استمرار عملها في ضوء القرار الصادر عن البنك المركزي العراقي ولاسيما لجهة حجم الموجودات التي ينبغي أن تتوافر في نهاية العام 2021 بمستوى 210 ملايين دولار، أما بنك الشرق الأوسط وأفريقيا، فقد بلغت موجوداته في نهاية مارس 2020 ما قيمته 109 ملايين دولار، وبالتالي على البنك أن يضاعف موجوداته في خلال فترة 16 شهراً.

وكان مصرفان أعلنا انسحابهما رسمياً وهما: بنك الاعتماد اللبناني وبنك فرنسبنك مما يرفع العدد إلى 6 مصارف من أصل 10.

ويذكر في هذا المجال أن بنك BBAC الذي يحتل المرتبة الأولى بين المصارف اللبنانية المتواجدة في العراق (بموجودات 490 مليون دولار في نهاية مارس 2020) تجري مفاوضات معه لتملك محافظ البنوك الأخرى العازمة على الانسحاب، أسفرت هذه المفاوضات عن تملك محفظة تسليفات وودائع بنك الاعتماد اللبناني فيما المفاوضات مستمرة مع الآخرين.

المصارف في قبرص

أما التواجد المصرفي اللبناني في قبرص الذي بدأ تباعاً منذ أواسط سبعينات القرن الماضي فإنه بات عرضة للاهتزاز تحت وطأة التصنيف السيادي للبنان وظروفه المالية والاقتصادية من جهة، ونتيجة تشدد البنك المركزي القبرصي لكونه خاضعاً للمعايير الأوروبية.

وأفاد مصدر في أحد المصارف المتواجدة في قبرص منذ عقود، أن البنك المركزي القبرصي يتشدد في التسليفات الممنوحة للبناني حتى ولو كانت مغطاة بنسبة 100 في المئة (Collateral)، بسبب أن هذه التسليفات تستعمل في لبنان.

والمعروف أن ثمة 11 مصرفاً متواجداً في قبرص على شكل فروع باستثناء البنك اللبناني الفرنسي الذي يملك بنك الشركة المصرفية العربية (SBA) في فرنسا والذي له فرع في قبرص الذي يعتبر أنه فرع لمصرف أوروبي.

10 مصارف لبنانية في قبرص تواجه تشدداً من البنك المركزي

أما الفروع العشرة الباقية فتعود إلى المصارف الآتية: لبنان والمهجر، سوسيته جنرال (فرعان)، البحر المتوسط، بيروت والبلاد العربية (BBAC)، بيبلوس، IBL، الاعتماد اللبناني، بيروت، بيمو، لبنان والخليج.

والسؤال الذي تطرحه المصارف هو: هل تغدو فروع المصارف في قبرص غير مرحب بها؟

إعادة الهيكلة

هذه هي التطورات الحاصلة في الأسواق الثلاثة المشار إليها على صعيد بوادر الانسحاب الحاصل أو الوشيك للمصارف اللبنانية، علماً أن هذه الظاهرة قد تنسحب على أسواق أخرى في فترات متلاحقة وتبعاً لتطور أوضاع القطاع المصرفي في لبنان.

علماً أن انسحابات حصلت في وقت سابق لضرورات واجهتها بعض المصارف ولاعتبارات مختلفة إذ تم الانسحاب من سوريا والسودان وروسيا وبعض الأسواق الأفريقية.

والسؤال هو: هل سكون تقليص الانتشار المصرفي في الخارج أول غيث عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي في ضوء الظروف الكارثية التي تعرض لها؟ وهل يكون هذا التقليص مرتبطاً بما هو متوقع من عمليات اندماج وتملك لا بد أن يشهدها القطاع المصرفي خلال الأيام الآتية.