"برافو" ...
ناصيف حتّي

04.08.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إستقال من منصبه كي لا يتخلّى عن مبادئه. 
لم تكن إستقالة وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي نبأ عاديا. ولا تمثّل هذه الاستقالة ابتعاد مسؤول عن منصب ضمن حسابات شخصية، بل أتت تعبيراً عن قضية وطنية.
كتاب الاستقالة الذي نشره الوزير السابق حتّي يجب قراءته بتأن. فصاحبه لم يرد من ورائه ان يجد أعذاراً للقفز من مركب حكومة مضى على قيامها سبعة أشهر، وقد أوشك على الغرق، بل إن الأمر يتجاوز بكثير هذه الحكومة التي لم توف بما وعدت بإنجازه، ليصل إلى مركب الوطن بأسره، فإذا ما غرق "لا سمح الله سيغرق بالجميع، حمى الله لبنان وشعبه"، كما قال حتّي في بيانه.
من مفارقات الاستقالة التي كشفت المستور من حكومة الرئيس حسان دياب ومن العهد الذي تنتمي اليه، ان اللبنانيين الذين نزلوا في إنتفاضة عارمة في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 للمطالبة بسلطة نظيفة تقودهم الى الخلاص من أزمة قد تعيد أهوال مجاعة عام 1918، تطلعوا الى حكومة مستقلين من أهل الاختصاص كي يتولوا هذه المهمّة. ففوجئوا بإستقالة حتّي التي لا تعني إلا ان الحكومة الحالية لم تطق وجود مثل هذا الوزير المستقل الذي حمل إليها سجلاً مهماً من عالم الديبلوماسية كي يضعه بتصرف حقيبة الخارجية.
إذن، أسقط حتّي القناع عن حكومة جاءت على أساس أنها حكومة مستقلة ومن أهل الاختصاص، فها هي اليوم عارية تماماً من ورقة الاستقلالية وتوت الاختصاص لتظهر على حقيقتها التي جرت محاولات لإخفائها منذ سبعة أشهر، أي انها حكومة تابعة لنظام المحاصصة الذي أوصل هذا الوطن الى هاوية بلا قعر.
عن أي أصلاح يمكن الحديث بعد الان، وها هو الشاهد الملك يقول في كتابه "أن لبنان ينزلق للتحوّل الى دولة فاشلة"؟ ماذا سننتظر بعد من حكومة ومن عهد تغيب عنهما "الرؤية" ويفتقدان "الإرادة" لتحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل، كما يقول صاحب الكتاب؟
كما كانت مستغربة الخطوة المتعجلة التي أدت إلى ملء شغور منصب وزير الخارجية. بصرف النظر عن تقييم قدرات الوزير الجديد الذي ينتمي أيضا إلى الأسرة الديبلوماسية. فهنا يصح القول في هذا التخبط الذي يغرق فيه من تسلموا أمانة الحكم أنهم بدلاً من إصلاح خلل الواقع سارعوا الى تغيير المرآة.
إلى ماذا رمى ناصيف حتّي بقوله "شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد إسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة"؟ ان الرجل الذي أمضى حياته في معترك العمل الديبلوماسي على المستوى الرفيع، آثر عدم مغادرة التهذيب الذي فطر عليه في تاريخه المهني. لكن لو تجاوزنا هذه اللياقات وسألنا مباشرة: ماذا أنت فاعل يا فخامة رئيس الجمهورية أو ماذا أنت فاعل يا دولةِ رئيس مجلس الوزراء لو كنتما مكان الوزير حتي في منصب وزير الخارجية وتواجهان على مدى سبعة أشهر ان آخرين يقومون نيابة عنكما في إداء مهمة وزير الخارجية؟ 
هل كنتما تنتظران ان يغض الوزير المستقيل النظر عن هذا السلوك في العلاقات الديبلوماسية الذي بلغ ذروة غير مسبوقة في تعامل أحد القضاة من خارج الاختصاص مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان، وفي تعامل رئيس الحكومة مع وزير خارجية فرنسا؟
أننا نفهم تماما قول حتّي "لم أساوم ولن أساوم على مبادئي وقناعاتي وضميري من أجل أي مركز أو سلطة". أن صورة الوزير المستقيل مغادراً بالأمس قصر بسترس كانت أهم صورة له منذ دخل الحكومة. فكأنه في خطوة الاستقالة مارس فعلياً مهمته التي أوكلها إليه اللبنانيون. فليس المهم أن يبقى في المنصب أم يستقيل منه بل المهم أن لا يتخلى عن مبادئه التي تنتمي إلى جوهر هذا الكيان. حسنا فعلت ناصيف حتّي. استقلت من المنصب حتى لا تستقيل من قناعاتك واحتراماً منك لنفسك وللمركز ولكل مركز وللآخرين.
ناصيف حتّي يصلح بحق لأن يكون رمزاً للانتفاضة في لبنان. إنها الانتفاضة من الداخل، وهي في الواقع من أبز منجزات الانتفاضة. الانتفاضة مستمرة ولو بالصمت. والانتفاضة مستمرة في النفوس، وهذا هو الأهم.  

 رؤوف أبو زكي