ترسيم الحدود البحرية بين عون وبري:
إتفاق مرتقب أم "حركة إلهاء" أميركية

01.08.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب ياسر هلال 

• ماذا يجري في ملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع "إسرائيل"؟ وما حقيقة الكلام عن تعديل مرسوم المنطقة الاقتصادية الخالصة الصادر في العام 2011؟ وهل يؤدي ذلك الى "قلب طاولة" المفاوضات الجارية، لأن التعديل يجعل بعض الحقول الإسرائيلية المنتجة ضمن المياه اللبنانية.

• ما حقيقة سعي رئيس الجمهورية ميشال عون إلى نقل ملف المفاوضات من عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى مجلس الوزراء، وهل يرتبط ذلك بحسابات سياسية، مستندة إلى معطيات عن توجه أميركي لتحريك المفاوضات؟ مع ضرورة التنبه إلى إمكانية أن يكون هدف "التحريك" "إلهاء" لبنان وإغراقه بالمزيد من الخلافات ما يسهم في إحراق ما تبقى من أوراق قوته. 

• هل المشكلة في "من يفاوض" أم "على ماذا يفاوض وكيف".. ألم يحن الوقت لتحصين "المفاوض" ... كائناً من كان، بإجماع وطني ليس على تفويضه وحسب، بل على أسس وآلية الترسيم وطريقة التفاوض وسقوف التسويات، وكذلك على استغلال وتقاسم المكامن المشتركة. ألم يحن الوقت بعد لتحصين هذا الملف بإنشاء هيئة وطنية لترسيم الحدود؟

ونضع النقاط على الحروف قبل أن يضعوا لنا نقطة على أول السطر، وتخبو بارقة الأمل المتمثلة بموارد النفط والغاز، والتي حقق لبنان انجازات مهمة لاستغلالها على مستوى التنطيم والتشريع والشفافية توجت بجذب كبريات الشركات. 

هل هناك تعديل لترسيم المنطقة الاقتصادية، وهل يؤدي ذلك إلى قلب طاولات المفاوضات؟

ولنتفق أولاً على بديهية معروفة وهي أن ترسيم الحدود يتم عادة إما بالتفاوض المباشر والاتفاق بين الدول، وإما بقيام كل دولة بترسيم حدودها من جانب واحد مع وجود مناطق متداخلة متنازع عليها، فيتم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الدولية لقانون البحار لحل النزاع. ولما كان التفاوض المباشر والاتفاق مع "إسرائيل" غير وارد، وكذلك اللجوء إلى المحافل الدولية لأنها لم تنضم إلى اتفاقية قانون البحار ولم توقّع على اتفاقات المحاكم الدولية، فيصبح التفاوض المباشر من خلال أميركا والأمم المتحدة والمعتمد حالياً هو الخيار الوحيد المتاح. 

السؤال الذي يتجنّب الجميع حتى مجرد طرحه فكيف بالإجابة عليه، هو: إذا كان ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة الصادر عام 2011، غير صحيح وغير نهائي، بسبب تغيرات طرأت أو أخطاء أرتكبت، هل يعتمد لبنان خيار الترسيم من خلال التفاوض المباشر، أم يلجأ إلى خيار الترسيم من جانب واحد ما يعني إضطراره إلى الإعلان مرة جديدة، أنه أخطأ في الترسيم ويطالب بتغيير جذري في أسس التفاوض، ومن يضمن أن الترسيم الجديد سيكون صحيحاً. وإذا كان المفاوض اللبناني قد اعتمد منذ بداية المفاوضات مقاربة الترسيم من خلال التفاوض وتلازم الترسيم البحري والبري، فهل المطلوب تغيير هذه المقاربة... هل هكذا "تورد الإبل"... 

"نقطة على حرف" آلية الترسيم 

لقد سعى لبنان ونجح إلى حد بعيد، بترسيخ مبدأ إجراء الترسيم البحري إستناداً إلى أحكام قانون الأمم المتحدة للبحار وإلى التفاوض المباشر على كل نقطة خلافية، تماماً كما حدث في تثبيت الخط الأزرق في البر، ولم ينطلق من ترسيم المنطقة الاقتصادية لعام 2011، وبالتالي لم يتم القبول بمبدأ التفاوض على تقاسم المنطقة المتنازع عليها، لا بموجب خط هوف الشهير ولا بموجب أي تسوية أخرى، بل أصرّ أن يتم الترسيم على قاعدة ما "لقيصر لقيصر"،  أو كما يردد الرئيس نبيه بري دائماً "لن نتنازل عن كوب ماء من بحرنا، ولا نريد كوب ماء من بحر غيرنا".

 المشكلة إذاَ هي "على ماذا يفاوض المفاوض وكيف" وليس "من يفاوض"

ونزيد كلاماً قد لا يعجب "أصحاب النوايا الحسنة"، وهو أن المساحة المتنازع عليها والتي تتضارب أرقامها ما بين 860 و 1350 و 1700 كلم2 وقد يضاف إليها قريباً رقماً جديداً هو 2000 كلم2، تصبح أمراً تفصيلياً بل لا يهم إذا زادت أو نقصت. ولمن "يتوجس شراً" من هذا الكلام نشير إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أن مرسوم العام 2011، لم يعتبر النقطة الثلاثية بين لبنان وقبرص و"إسرائيل" أي النقطة 23 نهائية، بل اعتبرها قابلة للتعديل. ونستشهد هنا بالمراجعة التي أجراها الجيش اللبناني في العام 2011 لترسيم العام 2008 المصحح، وجاء فيها "أن مرسوم المنطقة الاقتصادية الخالصة، ترك الباب مفتوحاً أمام إمكان مراجعة هذه الحدود وتحسينها عند توافر بيانات أكثر دقّة"... وهذه البيانات توفرت فماذا ستفعلون؟ 

"نقطة على حرف" تلازم البر والبحر 

المسألة الأخرى التي تمّ التركيز عليها خلال جولات التفاوض الطويلة، هي تلازم الترسيم البري والبحري، ولمن "تتآكله الظنون بأن وراء الأكمة ما ورائها" في الإصرار على هذا التلازم،  نشير إلى أن جوهر الأمر، يتعلق بالنقطة B1 في الناقورة، والتي قام الجيش اللبناني في العام 2018 بمعاونة اليونيفيل، بتثبيت السيادة اللبنانية عليها بعد الكشف عن العلامة المثبتة منذ اتفاقية الهدنة، ما يعني إبعاد نقطة الحدود البرية بنحو 35 متراً جنوباً، واسترجاع هذه المسافة البسيطة على البر، يعني حسب تقديرات الخبراء استرجاع نحو 17 كلم عند نهاية خط المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر (الرسم رقم – 1)... "وبالعربي المشبرح"، يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في رسم خط الحدود، وبالتالي في مساحة المنطقة المتنازع عليها وينتهي عملياً الحديث عن مفاوضات لتقاسمها وفقاً لمبادرة هوف أو غيره... وهل يجب ان نذكّر بكلام ديفيد ساترفيلد الذي أبلغه للمسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين "بأن مبادرة هوف إنتهت وأنه غير مستعد للبحث بها مجدداً". 

ووفقاً لهذه المقاربة يمكن التأكد من صحة المعلومات المتداولة بشأن اعتماد الترسيم اللبناني على اعتبار جزيرة أو صخرة تاكيلت (تخيلت) Tekhelet، امتداداً للبر الإسرائيلي وإعطائها ما يعرف باتفاقية الأمم المتحدة لقانون للبحار، التأثير الكلي للجزر، ما يؤدي إلى اقتطاع مساحات تتراوح ما بين 500 و 850 كلم2 من المياه اللبنانية. وإذا تأكد ذلك، تصبح معضلة هذه الصخرة قابلة للحل وفقاً لمقاربة الترسيم من خلال التفاوض، لأنها تتناقض بالنص مع قانون البحار كما تتناقض بالعرف والاسترشاد مع عشرات الأحكام الصادرة عن محكمة قانون البحار في قضايا مماثلة.

المسألة إذاً، هي تحديد المقاربة الصحيحة للتفاوض لكي يعتمدها المفاوض.. كائناً من كان. 

"نقطة على حرف" التسويات

 طيب... إذا كانت المفاوضات هي السبيل الوحيد لحل مشكلة ترسيم الحدود مع "إسرائيل"، فإن ذلك يعني استعداداً مسبقاً للتسويات والحلول الوسط أو البت ببند ما وربط نزاع في بند آخر.. والشرط الأول لذلك هو توافر توافق وطني عميق على "ترسيم حدود" التسويات ووضع سقوف للتنازلات، ما يسهم في تحصين المفاوض ليس ضد مطامع العدو وحسب، بل أيضاً ضد المزايدات و"النكد السياسي" من شركاء الداخل. 

المطلوب توافق وطني على "ترسيم حدود" التسويات والتنازلات وعلى استغلال المكامن المشتركة ليلتزم بها المفاوض.. كائناً من كان

أما الشرط الثاني فهو توافر دراسات دقيقة قانونية وهندسية وجيولوجية مدعومة بخبرات أكاديمية وعلمية، بل مدعومة بهيئة وطنية لترسيم الحدود تضم المؤسسات المعنية كافة وفي مقدمها الجيش اللبناني، تناط بها هذه المسؤولية الوطنية الكبيرة، وهو ما طلبته قيادة الجيش من مجلس الوزراء في العام 2012، من دون أن تلقى جواباً. ألا تكفي الأخطاء المرتكبة حتى الآن لنتعلم الدرس، من خطيئة "خبراء" وزارة الأشغال العامة والنقل العام 2006، إلى "خطايا" 2008 و 2011 وربما 2020، ولا يضير أبدأ ان يتم تحصين المفاوض بدراسات معمّقة لأوضاع واتجاهات أسواق الطاقة وأنشطة الاستشكاف والتنقيب ومشاريع التصدير في شرق المتوسط، لتحويلها إلى ورقة ضغط لصالح لبنان وليس ضده كما هي الحال الآن. وللأسف كل تلك الشروط غير متوافرة، أما ما هو متوافر منها "فغير مطابق". 

المطلوب إذاً، هو التحصين السياسي والقانوني والعلمي للمفاوض... كائناً من كان. 

"نقطة على حرف" المكامن المشتركة

تشير المسوحات الزلزالية في لبنان و"إسرائيل" إلى احتمال كبير لوجود حقول واعدة من النفط والغاز في البلوكات الحدودية،  كما تشير إلى وجود مكامن مشتركة بغض النظر عن خط الحدود الذي سيتم اعتماده. وهناك من يقول إن أكبر حقول النفط والغاز في شرق المتوسط موجودة في المنطقة الممتدة بين بحر صور وبحر حيفا (الرسم الرقم ـ 2 ـ )، وذلك يعني أن قضية المكامن المشتركة ستكون، بل  يجب ان تكون، بنداً رئيسياً في ملف مفاوضات الترسيم.  والسؤال الكبير، ليس من يفاوض، بل كيف تتم مفاوضة العدو الإسرائيلي والاتفاق معه، على تقاسم انتاج حقل مشترك؟ والاحتمالات كثيرة تبدأ من "غض النظر" طالما أن الحفر لا يتم في المياه المتنازع عليها، وذلك ما تعمل عليه "إسرائيل" بدعم أميركي، وتنتهي بقصف منصة الحفر والذهاب إلى الحرب.، ولكن بين هذين الاحتمالين الكارثيين، هناك اقتراحات وحلول جديرة بالبحث مثل تفويض الشركات المشغلة القيام بأعمال التطوير والإنتاج والتسويق والبيع، ومن ثم توزيع العوائد تبعاً لقواعد متفق عليها، ولذلك بحث آخر.

المطلوب إذاً... موقف وطني موحد لاستغلال المكامن المشتركة يرتكز عليه المفاوض... كائناً من كان.

"نقطة على حرف" شطب لبنان

التحدي الأكبر الذي يواجه لبنان حالياً، كائناً من كان المفاوض، هو تجمع مؤشرات مقلقة على احتمال شطبه من خطط وبرامج استثمار شركات النفط الدولية على الأقل في المديين القصير والمتوسط. ويرجع ذلك إلى اضطرار هذه الشركات إلى إلغاء وتجميد وتأجيل الجزء الأكبر من استثماراتها المقررة للتكيّف مع التطورات في أسواق الطاقة، وطبعاً ستكون منطقة شرق المتوسط باستثناء مصر في مقدم الضحايا، باعتبارها منطقة اضطراب سياسي وأمني وتشهد نزاعات حدودية مستعصية كما في حالة لبنان ـ "إسرائيل" و تركيا ـ قبرص، كما إنها تعاني من عيب هيكلي يتمثل بعدم وجود بنية جاهزة للتصدير ولا أسواق محلية كافية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الانتاج وضآلة الاحتياطات نسبياً. ولنلاحظ على سبيل المثال: عدم تقدم اي شركة لدورة التراخيص الثانية في لبنان رغم تمديدها، وتزايد الحديث عن احتمال عدم التزام كونسورتيوم توتال، إيني، نوفاتك بالحفر في البلوك 9، مفضلاً خسارة قيمة الضمانة التي دفعها وهي 40 مليون دولار، إذا لم تنفع حجة "القوة القاهرة"، ولنلاحظ أيضاً كيف يتم تأجيل أو تجميد مشاريع الاستكشاف بل مشاريع تطوير الحقول المكشتفة في قبرص.

من قال إن إسرائيل مهتمة بالتفاوض على أسس جديدة، وان شينكر "وضب حقيبته" بانتظار "تفضلكم بالموافقة"

ولنلاحظ في المقابل، إن "إسرائيل" تقوم بتكثيف أنشطة الإنتاج في حقولها الشمالية، (ليفياتان، تانين، تمار، كاريش وغيرها)، وتبرم اتفاقات لتصدير الغاز مع مصر والأردن، وتقرّ حكومتها إتفاقية إنشاء خط أنابيب "إيستمد"، وتقوم شركة شيفرون الأميركية بشراء شركة نوبل إنيرجي لتكون أول شركة دولية عملاقة تدخل قطاع الغاز الإسرائيلي بكل ما يحمله ذلك من أبعاد لمن يريد أن يرى ويسمع، ولتقوم أيضاً بإطلاق دورة تراخيص خاصة ببلوك واحد هو البلوك 72 المحاذي للحدود اللبنانية والذي يرجح المراقبون تلزيمه لشركة "ديليك" الإسرائيلية، ليشكل سيفاً مسلطاً على لبنان في ملفي الترسيم والمكامن المشتركة. ومعروف ان الجزء الأكبر من حقول الغاز العابرة للحدود تكون من نصيب من يحفر أولاً، إذا لم تكن هناك اتفاقية لتقاسمها. 

نقطة على السطر

في ظل هذه المعطيات، هل يجوز الاختلاف حول من يفاوض...  ومن قال لكم إن إسرائيل ستكون مستعدة لاستكمال المفاوضات إذا تغيرت معطياته، فهي مرتاحة على وضعها... ومن أخبركم ان العزيز ديفيد شينكر يترقب إبلاغه بالترسيم الجديد، وأنه وضب حقيبة السفر بانتظار "تفضلكم بالموافقة" على استكمال المفاوضات. 

إن إسرائيل ومن ورائها أميركا تدركان أن اقصى ما تحلمان بأخذه في المفاوضات ستأخذناه أضعافاً مضاعفة بترك لبنان يحرق أوراق قوته".