ندوة الاقتصاد والأعمال:
من عتمة الكهرباء إلى عتمة الإقتصاد

13.07.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عمر عبد الخالق
قطاع الكهرباء هو العمود الفقري للاقتصاد الوطني ككل وبكافة قطاعاته ومرافقه. والواقع الذي يعيشه القطاع منذ سنوات عدة يشكل عقبة أساسية أمام أي مساهمة مالية سواء من صندوق النقد الدولي او سائر مؤسسات التمويل الأخرى.
وفي ظل أيام العتمة التي يعيشها لبنان، نظّمت "الاقتصاد والأعمال" طاولة مستديرة في مكاتبها بعنوان "من عتمة الكهرباء إلى عتمة الإقتصاد" شارك فيها كل من: نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني، والنائب ياسين جابر، وعضو مجلس إدارة الكهرباء سابقاً الخبير منير يحيى.
وتناولت الجلسة بشكل أساسي مشكلة الكهرباء على مستوياتها السياسية والمالية والمؤسساتية والقانونية والتشريعية. كما تناولت بالتفصيل حجم خسائر قطاع الكهرباء وتأثيراتها على الاقتصاد ككل. وفي ما يلي خلاصة مكثفة للمداخلات.
 
غسان حاصباني: غياب الحوكمة
تحدّث رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة السابق غسان حاصباني فاعتبر أن الكهرباء هي مقوّم أساسي من مقومات الحضارة وانقطاعها يعيد البلاد إلى التخلّف وإلى عصر الشمع والقناديل. وأشار إلى أن غياب الكهرباء يضرب قطاعات الصحة والسياحة والاتصالات، ويُضعف القدرة التنافسية للصناعة، كما يضرب البيئة واستعمالات الناس للسلع المعمرة كالسيارات والأدوات المنزلية.
وذكر أن مشكلة الكهرباء كلفت الاقتصاد 45 مليار دولار من مجمل الدين، و72 في المئة من هذه المليارات تمّ هدرها في الفترة الممتدة ما بين 2009 و2020 عندما باتت وزارة الطاقة في عهدة طرف سياسي واحد. وأوضح أن شعار المظلومية المعتمد "ما خلونا" ما هو إلا تبرير للفشل إذ أن الخطة التي وضعها الوزير جبران باسيل العام 2009 تمّ التأكيد عليها غير مرة وحظيت بموافقة كل الأطراف السياسية. 
وشرح أن هذه الخطة لم ينفذ منها سوى الشيء اليسير سواء على مستوى الإنتاج أو النقل أو العدادات الذكية أو الفوترة والتحصيل  مكافحة التعديات.
اقتصادياً، دقّ حاصباني ناقوس الخطر من كون الكهرباء والفيول أويل يستنزفان مخزون مصرف لبنان من العملات الصعبة ما قد يدخلنا في النفق، للوصول إلى المس باحتياط الذهب.
أضف إلى أن الإصلاحات في الكهرباء اليوم هي المفتاح الرئيسي لنجاح المفاوضات مع صندوق النقد وللحصول على المساعدات من الدول والجهات المانحة ما يعني أن التعنت في الالتفاف على الإصلاحات سيضرب الأمل الوحيد المتبقي للبنان للهروب من النهيار التام.
ومن أبرز نقاط الالتفاف على الإصلاحات:
تعيين مجلس الإدارة إذ أن "سلطة المحاصصة تقاسمت هذا المجلس ويتبين من الأسماء الذين تم تعيينهم إنهم ليسوا فقط تابعين آو مقربين من الأطراف السياسية بل احدهم يحمل بطاقة حزبية. 
- التعديلات المطروحة على الهيئة الناظمة والتي تفرغها من مضمونها وتجعلها تحت سيطرة الوزير بشكل كامل.
-ابتعاد كلي عن تطبيق المادة 66 من الدستور التي تفرض على الوزير تطبيق القوانين ولا تجعله الملك على كافة مؤسسات الوزارة ولا البديل عن كافة الآليات الدستورية وليس من واجب الوزير تعديل القوانين ان لم تكن على قياس سياسته قبل تطبيقها (طبق ثم اعترض) وهو ما يحصل منذ 2012 حتى اليوم لنسف دور الهيئة الناظمة.
وفي موضوع الحوكمة يشرح حاصباني أن أنظمة الحوكمة تشير إلى إمكان وضع هذه ملفات متعددة  في وزارة واحدة شرط ان يكون هناك هيئات ناظمة ومجالس إدارة مستقلة لا تخضع لأوامر من الوزير ولا لسلطة سياسية ولكن بسبب العقلية الحاكمة للوزارة التي تضرب معايير الحوكمة يجب أن يتم فصل الوزارة إلى وزارة مياه ووزارة كهرباء ووزارة موارد بترولية. ويختم في هذا المجال:" اليوم كافة هذه الملفات هي بيد طرف سياسي واحد وأي خلاف سياسي معه يوقف العمل فيها جميعاً."
وخلص حاصباني للقول أن الحل الوحيد لمعالجة مشكلة الكهرباء يكمن في إجراء إصلاح حقيقي وتطبيق نظام الحوكمة على أمل الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي.
 
جابر
عدم تطبيق القوانين
بعد التأكيد على النقاط التي أشار إليها حاصباني لتأثير الكهرباء على القطاعات الخدماتية لفت جابر إلى أزمة المياه التي نعيشها اليوم نظرا لانقطاع الكهرباء إذ أن كافة مضخات المدن والقرى اللبنانية متوقفة.
وشرح جابر أن الأزمة اليوم ليست فقط أزمة كهرباء بل هي أزمة وزارة الطاقة بالمجمل التي لم تنجح بحل ملفات استيراد الفيول والمولدات ومحطات التغويز وغيرها. وقال جابر :"نحن خبراء في تضييع الفرص وفي اصدار قوانين والتحايل عليها".
ويضيء جابر على نقاط فشل عدة لوزارة الطاقة:
-غياب خطة واضحة لبناء مخزون استراتيجي من النفط للبنان ما يبقينا رهن البواخر
-عدم تطبيق المادة الثانية من المرسوم 79 الذي يفرض انشاء جهاز خاص بالمديرية العامة للنفط لإدارة ملف  المخزون
-عدم وضع أي خطة واضحة للمياه 
-الفشل في إدارة ملف الكهرباء الذي استنزف مخزون لبنان من العملات الصعبة على الرغم من النصائح الدولية حول إعادة هيكلة القطاع منذ العام 2002. 
-عدم تعيين مدراء بالأصالة لمديريات مؤسسة الكهرباء 
-عدم تطبيق القانون 2002 الذي ينص على الفصل بين التوليد والنقل والتوزيع 
-غياب العدادات في مناطق بأكملها 
-عدم تطبيق قانون 63 لتعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان التي تم الاطالة فيه لثلاثة اسباب رئيسية نص عليها القانون 4517 تجعل الوزير سلطة وصاية على الكهرباء فهو يوقع بالموافقة على قرارات مجلس الادارة او يحولها الى مجلس الوزراء في حال الاعتراض او تصبح نافذة تلقائيا في غضون شهر. وحتى هذه التعيينات اليوم هي NECESSARY BUT NOT SUFFICIENT إذ لم يتم تعيين رئيس مجلس إدارة، والمؤسسة فارغة من مديرياتها، وتغيب هيئة ناظمة مستقلة. 
-عدم تطبيق قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص الذي ينص ان كل مشاريع الشراكة في لبنان تخضع لبنود هذا العقد
-عدم تطبيق مبدأ NET METERING
وبعد التاكيد ايضا على المخالفات في عقود الفيول المغشوش والمناقصات يشرح جابر ان البدعة الجديدة المتمثلة بـ SPOT CARGO مضرة لأسباب عديدة أبرزها:
-كلفة كبيرة جداً 
-مواصفات الفيول التي نشتريها لمعاملنا ليست دولية اي يمكن خلط اي انواع من الفيول من قبل اصحاب السفن 
-تبقينا رهن المؤقت وليست حلاً جذرياً مستداماً.
كذلك يوضح جابر ان الشروط الدولية الثلاثة لمساعدة لبنان واضحة وهي الاصلاح في الكهرباء وللأسف تم الرد عليها بالتمسك باقرار معمل سلعاتا والتعيينات والقضاء المستقل تم الرد عليها بتجميد التشكيلات القضائية. اما الطلب الثالث وهو مدخل الحلول فهو قانون الشراء الذي  تخضع له كافة مناقصات الدولة من وزارات ومؤسسات وبلديات والتي تقوم بناءً عليه ادارة المناقصات بدور الهيئة الناظمة وتساعدنا في اقراره عدة جهات دولية منها البنك الدولي. 
وختم جابر بالتشديد على ضرورة تحول لبنان الى دولة تحترم قوانينها والا الافلاس الشامل والعودة للعصر الحجري، واضاف"نحن في اخر الطريق ونسير نحو الانهيار بسرعة كبيرة، والامل ان يمد صندوق النقد يده لنا ليعطينا دفعة لمحاولة الانطلاق من جديد". كذلك قال جابر:" للاسف المجموعة السياسية الحاكمة للقطاع ليست مقتنعة حتى اليوم بضرورة السير بهذه الاصلاحات ما يحرمنا من المساعدات شرقا وغرباً."
 
منير يحيى
التمويل السياسي
"العتمة هي نتيجة قرار القوى السياسية المتحكمة بالقطاع والتي حولته إلى مصدر رئيسي للتمويل السياسي". وفي تفسير هذه المقولة شرح للأرقام الصادمة للخسائر في القطاع منذ 2005 وأبرزها:
-8 مليار دولار بسبب تشغيل معامل دير عمار والبداوي والزهراني على DIESEL 
-900 مليون دولار كلفة استئجار بواخر الكهرباء 
-بنينا في لبنان معملين RECIPROCATING ENGINES  في الذوق والجية ودفعنا ثمن الميغاواط حينها 1.4 مليون دولار بحجة السرعة لإنجازها في عام واحد بينما لو تم بناؤهما بالطريقة التقليدية لكانت التكلفة ستنخفض إلى 800 ألف دولار في 4 سنوات. 
-هدر سنوي في النقل 400 مليون دولار
-سرقة كهرباء في عدة مناطق فليس صحيح أن الخسائر كون بعض القرى لا تدفع الفواتير بل بسبب التلاعب بالعدادات فعلى سبيل المثال سرقة الكهرباء بمحيط CENTRE SOFIL في الأشرفية و BRISTOL HOTEL  في الحمرا تفوق 30 في المئة 
- العدادات الذكية والتي تبلغ  تكلفتها 400 مليون دولار وكانت موجودة في عقد مقدمي الخدمات حيث كان القانون ينص على ان تقوم الشركات بتركيبها على ان تعيد المبلغ من الجباية لكن تم وضع هذا المبلغ كأولوية للتمويل من مؤتمر سيدر ما حول هذه العدادات عبئاً على الدولة.
ويضيف انه الى جانب الهدر التقني هناك 3 مكونات رئيسية أخرى للكهرباء وهي المالي والمؤسساتي والقانوني.مؤسساتيا كافة المدراء هم مدراء فئة ثالثة لسبب رئيسي وهو كون موظف الفئة الثالثة يخضع بشكل تام للمدير العام في حين أن المدير العام لا يمكنه فصل موظف درجة ثانية دون اللجوء إلى مجلس الخدمة المدنية.
في الشق المالي وبسبب غياب مدراء بالأصالة اصبحت آلية اقرار القرارات من قبل رئيس مجلس الإدارة افرادية. حسب القانون 181\2011 تم اقرار 1.2 مليار دولار هبة لكهرباء لبنان شرط تعيين مجلس ادارة وهيئة ناظمة على أن تذهب سنوياً 700 مليون دولار  أموال الجباية للمؤسسة بشرط أن تكون هذه الأموال كافية لكافة مصاريف المؤسسة وتقوم الدولة بالمقابل بتمويل الفيول. ويتم صرف هذه الأموال بقرارات أحادية من رئيس مجلس الإدارة  ومن الأمثلة: 
-عقد صيانة معملي دير عمار والزهراني 90 مليون دولار سنوياً ويتم إجراء مناقصة كل 5 أعوام حيث تتغير الشركة ويبقى نفس الوكيل. 
-140 مليون دولار سنوياً اجار بواخر 
-20 مليون دولار اشراف على RECIPROCTAIN ERNGINES
-200 مليون دولار سنويا لمقدمي الخدمات. 
في الشق القانوني مخالفة القوانين والالتفاف عليها واضح وآخرها عدم تعيين رئيس مجلس ادارة لمؤسسة الكهرباء ما يظهر النية للاستمرار بنفس العقلية فباختصار هناك الية محكمة ليتمكن رئيس مجلس الادارة من تمرير التمويل السياسي ما يجعل من تعيين مجلس الادارة شكلي، ويضيف يحيى:" الماضي المضى، المستقبل يتمثل بخطة جديدة بمليار ونصف دولار سنويا لمدة 10 سنوات، وإذا استمرينا بنفس النهج هذه الاموال ستكون باب لتمويل سياسي جديد ما يفرض على الكتل النيابية الضغط لاجبار وزير الطاقة التقيد بالقوانين كافة وعدم الالتفاف حولها ."
وفي الحلول يقول يحيى انها ليست مستحيلة ففي 6 أشهر يمكن ان نصل الى 22 ساعة تغذية عن طريق اشراك الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة على ان نصل الى تغذية تامة في سنة ونصف من دون رفع التعرفة كما اعلن الوزير غجر الى 16 سنت ليحمل الناس الهدر 40 في المئة في النقل والتوزيع في حين ان خطة البنك الدولي تشير الى ان مزيج الطاقة حتى 2030 يوصلنا الى سعر كيلوواط بين 8 و 9 سنت اي فرق مليار دولار في السنة عن ارقام الوزير غجر.