كهرباء لبنان: الـ "بي أو تي"
تمنيات وكلام سياسي

04.07.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عمر عبد الخالق
 * الدولة ليس لديها المال اللازم لبناء معامل كهرباء.
* البديل المتاح لبناء المعامل وهو عقود الـ BOT بات شبه مستحيل لأن الدولة فقدت أهليتها لتوقيع مثل هذه العقود التي تقوم أساساً على اتفاقية شراء الانتاج، بعد أن أعلنت تعثرها، وتصر على إعلان إفلاسها.
* الكلام عن وجود شركات مستعدة لبناء المعامل بدون ضمانات سيادية من الدولة، أقرب إلى التنميات وربما يصح إذا قررت دولة ما أو شركة تقديم معمل للكهرباء على سبيل الهدية والهبة
النتيجة... بسيطة... لا كهرباء بدون إصلاح القطاع وبدون إصلاح الدولة. ولم يعد مجدياً الرقص على الحبال وأخفاء "السموات بالقبوات"، وصولاً إلى القول ان تقرير البنك الدولي الذي أكد هذه الحقيقة مزور او DRAFT.
يُعتبر قطاع الكهرباء في لبنان نقطة الإنطلاق لأي مساعدات من الجهات والدول المانحة وهو ما يظهر بوضوح في المفاوضات المستمرة مع صندوق النقد الدولي وقبلها في مؤتمر "سيدر" ، فالإصلاحات في هذا القطاع الذي كلف ولا يزال خزينة الدولة عشرات مليارات الدولارات سيكون نقطة الفصل لإعادة جزء من مصداقية الدولة أمام المجتمع الدولي. 
وعلى الرغم من كثرة الأحاديث عن شركات مهتمة في القطاع وحماسة صينية للاستثمار في الكهرباء في لبنان، كافة الوقائع تشير إلى عجز الدولة عن تأمين التمويل لبناء المشاريع وعدم قدرتها على توقيع عقود مع شركات القطاع الخاص وهو ما أشار إليه بوضوح وزير الطاقة ريمون غجر ما يجعل أي دخول لدولة على خط التمويل مربوط بأهداف سياسية فقط. 
لا كهرباء 
الفشل في إدارة الملف في الأعوام الماضية كانت السبب الرئيسي لتشاؤم اللبنانيين  لكن عوامل إضافية دخلت على الخط اليوم لتزيد من احتمالات المستقبل المظلم للقطاع وأبرزها:
أولاً: الدولة ليس لديها أموال لبناء معامل انتاج، وفقدت القدرة على الاستدانة لبناء هذه المعامل. 
ثانياً: الدولة فقدت القدرة على منح الضمانة السيادية  للشركات الأربع القادرة على بناء المعامل وذلك ما أعلنه الوزير والتفاوض مع الشركات لن يصل إلى نتيجة طالما ان ضمان الدولة لعقد شراء الانتاج غير وارد بعد التوقف عن سداد الديون
ثالثاً: الكلام عن رغبة الصين ببناء المعامل هو بعيد كل البعد عن الحقيقة لأن العرض او العروض التي يروج لها البعض هي من مقاولين وليس من الدولة الصينية، وبالتالي لا يمكن للدولة التفاوض مع شركة بل يجب بهذه الحالة الذهاب إلى مناقصة عامة وفق دفتر شروط واضح، لفتح المجال أمام جميع المقاولين وليس الصينيين فقط. 
رابعاً: الشركات عادة تستند إلى عقد شراء موقع مع الحكومة للحصول على التمويل، وبدون هذا العقد كل ما يقال عن دور للقطاع الخاص صعب المنال والدليل معمل دير عمار 2 والذي لم يتم توقيع عقد إنشائه حتى اليوم لأنه مرتبط بعقد مع الدولة لشراء الطاقة، والذي تستخدمه الشركة بدورها للحصول على تمويل المشروع.
خامساً: تبقى المشكلة الكبرى في سعر شراء الانتاج من الشركات، وسعر البيع للمستهلك إذ انه طالما ظل السعر مدعوما، لن يكون هناك حل لمشكلة الكهرباء. 
تقرير البنك الدولي
وما يزيد التشاؤم التجاذبات السياسية التي تلت تقرير كهرباء فرنسا في أبريل الماضي والتي أنجزته بتكليف من البنك الدولي وتضمن خطة توليد الطاقة في لبنان بأقل تكلفة LEAST COST GENERATION PLAN وسلمت نسخة منه لوزارة الطاقة والمياه في لبنان. وتلا هذه الخطة تقرير مفصل بأكثر من 120 صفحة صادر عن البنك الدولي بعنوان LEBANON COST OF SERVICE AND TARIFF DESIGN STUDY الذي تبنى الخطة التي وضعتها كهرباء فرنسا والذي نشره البنك الدولي على موقعه. 
وتضمن التقرير خطة عمل لمدة 10 سنوات حتى 2030 بالارتكاز إلى سعر 40 دولار لبرميل النفط مع زيادة 1.5 في المئة في سعر البرميل سنويا، إلى جانب نمو الطلب على الكهرباء سنوياً بنسبة 3 في المئة.ووضع التقرير 7 احتمالات لأفضل الطرق للوصول إلى تغذية كاملة وبعض الخلاصات التي جاءت في التقرير:
- حلول سريعة يمكن تطبيقها قبل العام  2022 لسد بعض العجز في انتاج الكهرباء
- الوصول إلى تغذية كهرباء شاملة بحلول 2023
- استخدام ICEs في البداية لزيادة قدرة التوليد بسبب ضرورة الاسراع في زيادة الإنتاج
- تتحول ICEs في وقت لاحق إلى محطات ذروة لضمان المرونة والاحتياطي 
- حصة الطاقة المتجددة من مجمل الطاقة ستكون 40 في المئة بحلول 2030
- تتحول المعامل إلى الغاز الطبيعي مع استخدام بسيط للفيول أويل
- تنخفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى الثلث بحلول 2030
- تنخفض تكلفة الكيلوواط\ساعة 26 في المئة بحلول 2030
كذلك أفضت 6 من الاحتمالات السبعة  في التقرير إلى عدم ضرورة انشاء معمل في سلعاتا الذي تركز عليه خطة الحكومة اللبنانية والذي إن تم سيرفع كلفة الانتاج إلى 15 دولار للكيلوواط\ساعة.
غجر والبستاني
وقد اجتمعت مؤسسة كهرباء فرنسا والبنك الدولي قبل إعداد التقرير بممثلين لوزارة الطاقة والمياه والمؤسسة اللبنانية للطاقة المتجددة، لكن التقرير لم ينل إعجاب القوى الوصية على قطاع الكهرباء في لبنان فتسارعت الردود على التقرير من جبهة التيار الوطني الحر الذي تسلم مهام وزارة الطاقة منذ 2005. فكان أول الردود من وزير الطاقة والمياه الحالي ريمون غجر الذي أشار في مقابلة تلفزيونية إلى أن التقرير  هو نسخة أولية غير نهائية ولن يضعه على طاولة مجلس الوزراء.  من جهتها أشارت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني إلى أن التقرير مزور وأن كهرباء فرنسا بذاتها لا تتبنى هذه الدراسة وهي سترد بنفيها قريباً، كما انه قد جرى وضع شعار وزارة الطاقة وكهرباء لبنان عليها قبل ان يتبنّيا المضمون. وأضافت ان الدراسة غير منجزة وتوزع بطريقة غير رسمية. 
حبشي
من جانبه أشار النائب أنطوان حبشي إلى نقطتين رئيسيتين في تقرير البنك الدولي وهي:
أولاً: إن الخطة التي تعتمد عليها وزارة الطاقة تؤكد أنها تمت بالتنسيق مع البنك الدولي وذلك بغية الاستمرار في بناء معمل سلعاتا وبالتوازي مع الزهراني ودير عمار في حين أن تقرير البنك الدولي لعام ٢٠٢٠ يطرح اطلاق تلزيم معمل الزهراني كأولوية اساسية .
 ثانياً: إن التقرير الأولي لشركة كهرباء فرنسا  يظهر وبشكل واضح عدم وجود معمل سلعاتا من ضمن خطة انتاج الكهرباء ٢٠٣٠ ويؤكد التقرير ان كلفة الكيلوواط ساعة هي ٩ سنت إنما مع تبني معمل سلعاتا هي ١٤ سنت، إن هذا الفرق بـ٥ سنت يكلف الشعب اللبناني بحدود المليار دولار سنوياً. 
مذكرة التفاهم
وبعيدا عن تقرير كهرباء فرنسا لم تقم الحكومة اللبنانية بأي خطوة عملية واقتراحات سوى إعادة تبني خطة الحكومة السابقة وتوقيع مذكرات التفاهم مع شركات "سيمنز" و"جنرال الكتريك" و"ميتسوبتشي" و"أنسالدو" التي أشار الوزير غجر إلى اهتمامها ولكن ضمن شروط سيتم التفاوض عليها لمعرفة إذا كانت مقبولة من الدولة اللبنانية. وأوضح غجر أن "الموضوع الرئيسي وهو انشاء معامل دائمة في المواقع التي كنا حددناها عبر مفاوضات من دولة الى دولة مع الشركات المصنعة من دون وسيط ونأمل أن لا نصل الى حائط مسدود بسبب الواقع المالي والاقتصادي في لبنان."
وفي رده على مذكرة التفاهم يشير عضو مجلس إدارة الكهرباء سابقاً والخبير د. منير يحيى إلى أنها تشرع الباب لمرحلة جديدة من الفساد بينما الحوكمة والشفافية في عالم آخر ويعدد نقاط وملاحظات رئيسية حول المذكرة وهي:
-توقيع المذكرة من دولة إلى شركة وليس من دولة إلى دولة والذي ينقض قرار مجلس الوزراء الذي كان قد كلف وزير الطاقة والمياه التفاوض المباشر من دولة إلى دولة لتقديم حلول لإنتاج الطاقة.
-حقيقة التمويل من دولة إلى دولة أو من خلال شركات إذ يشير محضر مجلس الوزراء أن  دول التأسيس للشركات الأربعة سوف تساعد وتسهل عمليات تمويل المشاريع في حين أن مذكرة التفاهم توضح أنه على الشركة أن تنفذ عمليات التمويل من خلال مؤسسات تمويل دولية أو مصارف تجارية.
- تجاوز قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام PPP إذ أن المذكرة تشير إلى أن العقود سوف تنفذ من خلال عقود EPC& F أو DBP.
- الهروب من مناقصة شفافة على الرغم من كون تاريخ المذكرة هو 6 أشهر قابلة للتمديد وهو وقت كاف لإجراء مناقصة.
- تؤدي هذه المذكرة لعقود تصل قيمتها بالحد الأدنى إلى مليار دولار وبالحد الأقصى إلى 5 مليار دولار وتتضمن عقود من الباطن  قيمتها بين 300 و 400 مليون دولار سنوياُ في مرحلة الانشاء وحوالي 80 مليوناً سنوياً للتشغيل ما يجعل العقود بالتراضي مدخلاً للفساد والهدر.
كذلك يوضح أن عملية الذهاب إلى مذكرة تفاهم وعقود بالتراضي بسبب الوضع الاقتصادي والتعثر المالي في لبنان يحتم أن يكون وزيرا المالية والعدل طرفين أساسيين في التفاوض مع الشركات. 
الأزمة ليست معقدة والحلول ليست مستحيلة وهذا ما يؤكده عدد كبير من الخبراء، لكن التعنت السياسي يبقي باب الهدر في الكهرباء مشرعاً والأزمة الاقتصادية الحالية جاءت لتزيد الطين بلة ولتطيل أمد الأزمة وتجعلنا أسرى بائعي الشمع والقناديل.