معالجة سعر الدولار:
الإصلاحات، بدل "الكيدية" والاتهامات

26.06.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
بهيج أبو غانم

وجدتها الحكومة اللبنانية: السقوط المريع لليرة من شجرة الدولار مسؤولية حاكم مصرف لبنان " حصرا " ! . فليصارحنا لماذا لا يحميها. كأن المشوار المهلك بدأ للتو، وكأن ما تعلمه الحكومة والعالم أجمع من نضوب احتياطات العملات الأجنبية لا يقنعها بأن يد البنك المركزي مغلولة الى العنق، وبالكاد تكفي الإنفاق على مستوردات السلع الاستراتيجية من محروقات وقمح ودواء. وتدعم برمق أقل مستوردات الغذاء الاساسية.

فبعد انقضاء أسبوعين على تجربة التزام مصرف لبنان، من دون قناعة حاكمه، ضخّ كمية من الدولارات في السوق، تنفيذاً لقرار اتخذه الاجتماع الرئاسي وتبنته الحكومة، من خلال محلات الصرافة التي وضعت نقابتهم شروطاً لتمكين المواطنين من شراء مبالغ محدّدة لأغراض مختلفة بموجب مستندات. وبعد توكيل الصرافين مهمة "صناعة السوق" التي وضعت شروطاً إضافية لتنظيم عملية الشراء، وبعد ضخّ ما لا يقل عن 50 مليون دولار في وقت يشحّ الاحتياط وتتكاثر الأولويات.

بعد، كل هذه التطورات ومدى نجاح "الإنجاز" الذي تقرّر اعتماده وقيل ما قيل حول أسبابه والاعتبارات التي رافقته، بعد ذلك كله، خرج مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة (الخميس 25 حزيران/يونيو) ليقول بلسان وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، نقلا عن رئيس الحكومة حسان دياب ، بأن ارتفاع سعر صرف الدولار هو من مسؤولية حاكم مصرف لبنان، فإذا كان باستطاعته خفض سعر الصرف لماذا لم يفعل، وإذا كان غير قادر فليصارحنا بذلك.

نعم، بهذه البساطة، إعتبر مجلس الوزراء المكلف بتنفيذ خطة إنقاذية، إن سعر صرف الدولار الذي سجّل قفزات إضافية خلال أسبوعي "الضخّ" هو من مسؤولية حاكم مصرف لبنان دون سواه، وقد صدر هذا "الاستنتاج العلمي والموضوعي" عن مجلس وزراء يضمّ وزراء اختصاصيين وخبراء في شؤون الإقتصاد والمال والمصارف.

فإذا كان اصرار مجلس الوزراء على الخلفيات السياسية التي فشلت في " الاستيلاء " على السلطة النقدية وتقويض "مظلة" استقلاليتها ، فالأمر جلل، وعلى "عقلاء" التشريع تدارك الأسوأ، كما بادروا سابقا. أما إذا كان الموقف صادراً عن خلفيات إقتصادية فإن المصيبة أعظم في زمن الانهيارات والعوز .

إن سعر الصرف أيها السادة هو مسألة يقرّرها في نظامنا الإقتصادي عاملا العرض والطلب. فإذا تساويا أو تقاربا إستقر السعر، وإذا تناقضا، فإما يرتفع سعر الصرف بسبب تفوّق الطلب وإما ينخفض سعر الصرف بسبب تفوّق العرض.

فالطلب على العملة الخضراء أيها السادة ناتج من:

-إنعدام الثقة بالدولة وبسياساتها المالية على مدى العقود الماضية التي أنهكت الإقتصاد بالديون التي لم تستثمر في المشاريع الإنمائية، بل ذهبت كلها إلى الإنفاق الجاري وإلى دهاليز الفساد والهدر.

-إنعدام الثقة استطراداً بالقطاع المصرفي ليس كنظام بل كأداء وظّف موارده بسندات الخزينة وبسندات "اليوروبوندز" طمعاً بالفائدة وظناً منه أن الدولة لا يمكن أن تصل إلى هذا الوضع الذي هي فيه.

-وُضع القطاع المصرفي في موقف متأرجح حول مصيره في ظل التباين الحاصل في مقاربات الخطة الإنقاذية، بين تحميله كل المسؤولية وشطب كل ديونه المستحقة على الدولة، وبين محاولة للملمة أوضاعه عن طريق تعزيز رساميله سواء بالإندماج أو التملّك أو عبر ضخّ لأموال إضافية (Fresh) وهذا الوضع جعل الناس تبتعد عن التعاملات المصرفية وتلجأ إلى "خزائن" البيوت سواء بالليرة أو بالدولار.

-الشحّ أو إنعدام تدفق الأموال من الخارج، وإنعدام السياحة، وعدم تمكّن القطاع الصناعي من تحقيق عائد مجزٍ من عملية التصدير.

هذه الأسباب معروفة وبديهية لكل من يتابع الشأن الاقتصادي سواء بشهادته الحقيقية أو بخبرته. 

فأيها السادة في مجلس الوزراء سعر الصرف مسؤولية الدولة كلها بمختلف مستوياتها ووزاراتها وتحديداً مسؤولية السياستين الإقتصادية والمالية اللتين كانتا في غياب شبه تام طوال الفترة الماضية ولاسيّما منذ العام 2005.

وعليه، فإن إستعادة الثقة بالدولة وبسياساتها شرط أساسي ولا يمكن أن تتحقّق إلا بالإصلاح بمعناه الشامل الذي من دونه تصبح كل المعالجات مؤقتة وذات نتائج عابرة.

أيها السادة في مجلس الوزراء اتخذوا قرارات إصلاحية سريعة وكلها باتت معروفة لتضخوا جرعة ثقة في الأسواق، فيعود المال وتخرج المدخرات من "الخزائن" من دون ذلك عبثاً تحاولون.

إن المكابرة لا تجدي نفعاً وإن "الكيديات" قد ترتد على أصحابها، انما الأكيد ستنثر الملح وتفركه على جروح الناس المكلومين ...