سوق السيارات المستعملة في لبنان
تصفية المخزون وإغلاق المعارض

17.06.2020
النقيب إيلي قزي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
خطار زيدان

الوضع السيء الذي انسحب على الغالبية المطلقة من القطاعات الاقتصادية في لبنان نتيجة كورونا، وما قبل، وما بعد كورونا، ضرب قطاع السيارات المستعملة، خصوصاً المستوردة منها، في الصميم، لارتباطه العميق بالتعاملات المصرفية والدولار. وعلى الرغم من أهمية هذا القطاع، الذي يشكل لوحده ثاني أكبر مورد لمرافئ لبنان بعد النفط، حسب ما قال لنا نقيب مستوردي السيارات المستعملة في لبنان إيلي قزي، إلا أنه لا يعتبر من قريب ولا من بعيد من أولويات السياسة الاقتصادية للدولة والحلول المأمول التوصل اليها. حتى إن هموم هذا القطاع ومشاكله لا تلق آذاناً صاغية، وليست على بال المسؤولين والقيمين على شؤون البلد.

يتقسم سوق السيارات المستعملة اليوم في لبنان الى 3 فئات: الأولى هي عبارة عن المعارض التي تسوق السيارات التي يتم شراءها من السوق اللبنانية، خصوصاً من شركات السيارات الجديدة التي تقوم بعمليات مقايضة مقابل بيع سياراتها، ويتم تسويقها من خلال قسم خاص للسيارات المستعملة في هذه الشركات، أو من خلال تجار محليين يعملون على تقييم هذه السيارات وشراءها، ليتم خصمها من قيمة السيارة الجديدة المباعة الى العميل. الفئة الثانية وهي الأكبر والأضخم، وتتعلق بالسيارات المستوردة من الخارج، والذي أصبح مصدرها الرئيسي الولايات المتحدة الأميركية، ويتم تسويقها من قبل عدد كبير من معارض السيارات المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية. الفئة الثالثة وعددها محدود، وهي عبارة عن معارض السيارات الفارهة (من خارج الوكلاء والموزعين الرسميين) التي تستورد السيارات الجديدة أو المستعملة، من مصادرها الرئيسية، أو من مصادر أخرى، وتسوقها لفئة محدودة جداً في لبنان أو لزبائن في أسواق خارجية.  

حرمان الخزينة العامة 600 مليون دولار سنوياً 

يضم قطاع السيارات المستعملة نحو 2200 معرضاً، ويؤمن دخلاً لنحو 15 ألف عائلة، حسب ما أكد قزي.

كما انه يُدخّل إلى خزينة الدولة نحو 600 مليون دولار سنوياً، كرسوم جمركية وضريبة على القيمة المضافة، إضافة إلى رسوم الميكانيك والتسجيل، ويحرك قطاعات أخرى مرتبطة في هذا القطاع، مثل السمكرة والدهان، خدمات الصيانة، غيار زيت، بطاريات، دواليب،.... . وقد وصل هذا القطاع الى ذروته في العام 2009، حيث تم استيراد أكثر من 76 ألف سيارة، في حين تم في العام 2019 استيراد 24 ألف سيارة، مقابل نحو 44 ألف سيارة في العام 2018.

اليوم وبسبب الأزمة الحالية، انخفض عدد معارض السيارات المستعملة إلى نحو 1050 معرضاً، حسب ما يشير قزي، والمعارض الأخرى تنتظر تصفية ما لديها من مخزون لإغلاق أبوابها، في ظل تراجع المبيعات بنحو 98 في المئة، وكونها لن تتمكن من تسديد ايجارات معارضها، ومن استيراد سيارات جديدة بسبب اغلاق المصارف أبوابها في وجه التجار، وأوقفت التحاويل المالية وسحوبات الدولار. كما ان عدد السيارات التي لا زالت متوفرة لدى المعارض حالياً يبلغ نحو 25 ألف سيارة، يتشاطر التجار في بيعها بوسائل دفع تختلف باختلاف وضع كل معرض أو شركة. واذا كانت الغالبية تحاول أن ترفض الشيكات المصرفية، لعدم تمكنها من التصرف بها وتسييلها إلى مبالغ نقدية أو تحويلها إلى الخارج لتسديد فواتيرها، فإن البعض الآخر يفرض سعرين، سعر نقدي، غالباً ما يكون منخفضاً مقارنة بالأسعار التي كانت عليه هذه السيارات قبل الأزمة الأخيرة، وسعر آخر للدفع من خلال الشيك المصرفي، والذي يزيد أحياناً بنسبة 50 في المئة عن السعر النقدي, كما ان البعض، خصوصاً تجار السيارات المستعملة التي مصدرها السوق اللبنانية، يضعون أسعاراً وسطية نوعاً ما ويطلبون الدفع النقدي لنسبة من المبلغ (من 30 إلى 50 في المئة)، والقسم الآخر من خلال شيك المصرفي. وهذه الفئة من التجار لم تعد تجد مصدراً لها في قسم المرتجعات في شركات السيارات الجديدة، لأن هذه الأخيرة أيضاً مصابة بشلل شبه تام، ولا تبيع سياراتها، وبالتالي لا يتوفر لديها سيارات مرتجعة ومستعملة.

إذاً الوضع يمكن وصفه بالمهترئ، وآلاف العائلات بدأت تخسر مورد رزقها، والدولة تُدير "الدينة الطرشا". فالسيارة للأسف في لبنان أصبحت تصنّف من قبل المسؤولين عن الحلول من الكماليات، واستخدامها من الترف والملذات، وبالتالي يمكن الاستغناء عنها في هذه الظروف الصعبة، خصوصاً أن لدينا نقل عام مشترك راق جداً ومنظّم، من قطارات، وباصات، وسيارات أجرة...، يمكننا استخدامها ولا داع للسيارات، سواء جديدة أو مستعملة..! كما إن الشح في العرض، سيؤدي بعد فترة، إذا استمر الوضع على حاله، إلى ارتفاع كبير في أسعار السيارات المتوفرة، وستصبح السيارة فعلياً مجرد ترف لفئة معينة من الناس، وأصحاب المداخيل المرتفعة في البلد، هذا في حال بقي لأحد مدخولاً مرتفعاً.

هل من مخرج لهذه الأزمة؟ 

في ظل هذا الواقع المأساوي، ما هي الحلول المأمولة لخروج هذا القطاع من خنقته، وهل من أمل قريب؟

يؤكد قزي أن لا حلول مرتقبة في الأفق المنظور، وأن الوضع قد يطول إلى سنوات. واعتبر أن الشركات والمعارض متجهة الى الإقفال التام بعد تصفية المخزون المتوفر حالياً.  

ويضيف: "طالما أن المصارف لا تسمح لنا بسحب أموالنا أو تحويلها إلى الخارج لشراء السيارات، لا يوجد حلول. عرضنا من خلال الهيئات الاقتصادية، أن يتم تحويل مبلغ محدود، ولو أقل من السابق، لنستطيع تيسير العمل. كما عرضنا أن يتم تحويل المبالغ حسب قيمة الفواتير، لكن طلباتنا ووجهت بالرفض. نحن كشركات لا يمكننا العمل من دون المصارف. لكن هذه الأخيرة عملت مصلحتها ولم تفكر في مصلحة البلد. كما إننا نطالب منذ زمن، وما قبل هذه الأزمة الأخيرة، بإنشاء منطقة حرة أو أكثر في منطقة بيروت الكبرى ومناطق أخرى، يتم تأجيرها للتجار بأسعار رمزية، لأن كلفة الإيجارات تشكل عبئاً كبيراً على القطاع، وتقدر بعشرات الآلاف من الدولارات سنوياً. ويمكن في هذه المنطقة استيراد مختلف السيارات، حتى التي يزيد عمرها عن 8 سنوات لبيعها في الأسواق الخارجية التي تسمح قوانينها بذلك. هذه الحلول المقترحة تيسر القطاع وتزيد من دخل الدولة، لان مداخيلها تنضب، ولن تتمكن من الاستمرار في نهجها هذا.

كما نطالب دائماً بتطبيق العدالة في الرسوم الجمركية أسوة بالسيارات الجديدة. لا يوجد دولة في العالم تدفع رسم جمركي على السيارة المستعملة أكثر من السيارة الجديدة. هذا غير منطقي. كما يجب تطبيق الرسوم حسب قيمة الفاتورة، وليس حسب ما يسمى بـ الكتاب الأزرق" الذي لا يأخذ في الاعتبار حالة السيارة وعدد الكيلومترات المستخدمة ومواصفاتها... نحن نحمّل المسؤولين والسياسيين مسؤولية هذا الوضع المتردي. أنا أتساءل، كيف يمكن للدولة أن تتجاهل دخلاً بقيمة 600 مليون دولار سنوياً، ولماذا لا يتم اتخاذ إجراءات لحل هذه المعضلة؟ للأسف لا يوجد صدق في التعامل معنا".