شمس الغرف التجارية والصناعية
تسطع في ظلام كورونا

12.06.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم أحمد محمد الوكيل 

رئيس غرف البحر الأبيض المتوسط 

و رئيس الغرفة التجارية بالاسكندرية 

 

يشعر القطاع الخاص بأكمله، ولا سيما مؤسساته الوسيطة مثل غرف التجارة، بقلق بالغ إزاء التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لجائحة كورونا. إنها لصدمة غير متوقعة ومأساوية للحياة العامة والصحة والرفاه الاجتماعي والنشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص في دول البحر الأبيض المتوسط.

لا يمكننا التكهن بعودة الأمور إلى سابق عهده، فقد اخترقت هذه الجائحة حياتنا فى جميع انحاء العالم والمساس بالارواح البشرية ناهيك عن ما فعلته بالمنظمات. سواء كانت عامة أو خاصة، فإن النتائج ستكون دائمة ويجب التعامل معها برؤية مختلفة في جميع العالم بعد ذلك.

فعلى مستوى الاقتصاد الكلى، من الواضح اصابة العولمة بتهكات بالغة، ومع ذلك، ستقوم الجهات الفاعلة بمراجعة أولوياتها في ضوء زعزعة الاستقرار الاقتصادي التي نشهدها حالياً. وستفرض السيادة الاقتصادية على الدول، ولا سيما على ما يسمى بالصناعات الحساسة. فقد  دفع الاعتماد على الصين جميع الدول إلى التساؤل حول إعادة دمج بعض الصناعات على أراضيها، أو على الأقل الحد من هذا الاعتماد. فالاقتصاد بدوره منهجى، ولذلك فقد تأثرت جميع قطاعات النشاط في نفس الوقت كما لم يحدث من قبل.

أهمية دور الغرف

ولعدة قرون، كانت غرف التجارة محركاً أساسياً لتنمية الملايين من الشركات وعملت مع الحكومات والمؤسسات لإيجاد حلول للتحديات المحلية والإقليمية والعالمية ودعم القطاع الخاص. وللأسف تم التشكيك في أهمية دور غرف التجارة والصناعة في السنوات الأخيرة، بل تم في العديد من البلدان تقليص دورها ، متناسين أهميتها في التنمية الاقتصادية و تعزيز الروابط الدولية والتدريب والترويج الإقليمى.

تشجع الغرف على فتح التجارة والاستثمار الدوليين، وكذلك اقتصاد السوق. فبسبب طبيعتها الدولية وفوق القطاعية، تخاطب السلطة التي تنبع من الشركات من جميع القطاعات وفي جميع مناطق العالم. فهي جهات فاعلة ضرورية تلعب دوراً رئيسياً كمؤسسات مسؤولة عن تعزيز النشاط الاقتصادي وتعزيز التعاون بين الشركات.

دور حاسم للغرف بسبب طبيعتها فوق الوطنية وفوق القطاعية

تعمل الشركات اليوم في بيئة تجارية جديدة تتسم بالتقلب السريع والتطورات التكنولوجية، حيث الابتكار والتكيف أصبحا ضروريان. فيتسم هيكل الشركة والقوى العاملة والمنتجات والعملاء بالتغير المستمر ودوماً هناك حاجة إلى حلول جديدة. ومن ناحية اخرى، يجب أن تكون الغرف قادرة على المساعدة، والاستفادة من الفرص وتوحيد أوجه التآزر التي تساهم في التنمية والازدهار الاقتصادي.

منظمات فاعلة 

ما هى اسباب أهمية الغرف التجارية اليوم؟ لأنهم مدربون ويخضعون للقيادة الفطنة لرجال الأعمال. وهم الذين لديهم معرفة واسعة بالاحتياجات الحقيقية، وذلك بسبب طبيعتهم الدولية وفوق القطاعية، فهم يتمتعون بالقدرة على مخاطبة السلطة المنبثقة من الشركات في جميع القطاعات والدول. وعلى صعيد اخر، هم الأطراف الرئيسيون كمؤسسات مسؤولة عن تعزيز النشاط الاقتصادي وتعزيز التعاون والاستثمار من قبل الشركات، ما يجعلهم الوكلاء الأهم للتماسك والسلام. ومع ذلك ، فهم بحاجة إلى مشاركة جميع الجهات الفاعلة في المجتمع والسلطات العامة.

وبالتالي، فإن الغرف تغطي كامل المنطقة، وتعرف احتياجات الشركات، وتعمل كوسيط مع الإدارات، وهي منظمة في تجمعات يمكن تنسيقها لتعزيز مصالح  مناطق شاسعة فى ارجاء المعمورة، كما ان لديها اتصال وثيق مع كافة كيانات الأعمال. فهم  بمثابة شركات مفيدة في عالم يبحر فى شواطئ العولمة.

لتعزيز مساهمة اتحادات الغرف الإقليمية مثل ASCAME 

والغرف التجارية، بالتعاون مع المنظمات فوق الوطنية، هي بمثابة  أذرع  رئيسية للتنسيق الناجح للأنشطة التجارية والصناعية بين الشمال والجنوب وتعزيز ثلاثة مستويات من التعاون : التعاون في مجال المساعدة الإنمائية، والتعاون التجاري من خلال المعارض والبعثات، والتعاون الإقليمي كمحاورين للمنظمات المتعددة الأطراف.

ويتمثل التحدي في الاستمرارية في كونها معياراً لعالم الأعمال الوطني والإقليمي والدولي، مع تحقيق امتيازات اضافية متمثلة في تقديم خدمات عالية الجودة والتمثيل أمام المؤسسات العامة. وبذلك، فإن دورها في تحقيق الانفتاح التجاري في مناطق معينة من العالم يكون في بعض الأحيان أكثر فائدة من  البراعة الدبلوماسية نفسها.

والتجارة هى الشراع الأقوى فى سفينة السلام والازدهار، والغرف هي أفضل حلقة وصل لممارسة الأعمال التجارية. فهى تلعب دوراً حاسماً فى هذا الصدد. ومع ذلك ، هناك حاجة إلى نهج جديد لمواجهة التحديات الجديدة.

الغرف وكورونا

يجب أن يركز كلا من غرف التجارة والصناعة والقطاع الخاص على تحديات الوضع الحالي والتطورات المتعلقة بجائحة COVID19- وآثارها على قطاع الأعمال والاقتصاد. ومن ثم مراجعة الجهود على جميع المستويات لدعم استمرارية الأعمال وضمان الاستقرار الاقتصادي.

وقد وحد القطاعان العام والخاص جهودهما لإدارة الأزمة، ولا سيما للمثابرة في حماية صحة وسلامة المواطنين وضمان استمرارية العمل. هذا و بالإضافة إلى مكافحة انتشار فيروس COVID-19 ، يحتاج القطاع الخاص إلى حزم التحفيز التي بدأتها الحكومة لدعم الاقتصاد والمنظمات، بالإضافة إلى تدابير لفتح الشركات جزئيًا.

الشركات الصغيرة والمتوسطة

لم تكن جميع الشركات، بما في ذلك الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم ، قادرة على التحول إلى المنتجات والخدمات الرقمية بين عشية وضحاها لمواجهة هذا التحدي ، و يجب على الغرف التجارية والصناعية إطلاق مبادرات دعم لمساعدة الشركات الجديدة بهدف الحفاظ عليها وتطويرها مع مواجهة التحديات الاستثنائية في السوق. وابتكار ورش عمل تدريبية افتراضية عملية لمشاركة النصائح والأفكار حول كيفية قيام رواد الأعمال ببناء وتطوير تواجدهم عبر الإنترنت.

ونوع اخر من الدعم الذى يشكل فارقا وهو المقدم  لرواد الأعمال في مجال التكنولوجيا الذين يرغبون في تطوير مكانة المنطقة كمركز عالمي للابتكار. فطرح برنامج التدريب هو أول نموذج مبتكر لهذا النوع من الدعم والذي يأخذ في الاعتبار الظروف الاستثنائية التي نجد أنفسنا فيها وكيفية تحسين قدرات ومهارات رجال الأعمال والشركات الجديدة حتى يتمكنوا من الحفاظ على أنفسهم و الحفاظ ايضا على التطور فى ظل هذه الظروف. 

تحديات العولمة

ومنذ زمن ليس ببعيد يمثل التدويل والعولمة تحديات جديدة ، ولكن إضفاء الطابع الإقليمي على القطاعات التي تستفيد من القرب الجغرافي والتكامل الاقتصادي من ضمن هذه التحديات ايضا. ففي بيئة الأعمال المتطورة، توفر الغرف القواعد والمبادئ التوجيهية المصممة لتسهيل التدفقات، وتحقيق التوازن بين المعاملات عبر الحدود ومساعدة الحكومات على إدارة التطورات العالمية بشكل تعاوني.  فلا يجب على الغرف  حماية مصالح أعضائها فقط، ولكن يجب أيضا أن تأخذ على عاتقها مسؤولية إفادة الاقتصاد الوطني والعالمي ككل، وبالتالي تعزيز أهداف التنمية المستدامة. فهي تساهم في ضمان السلام والازدهار العالميين من خلال تعزيز نظام تجاري دولي أكثر انفتاحًا وشمولًا وإنشاء آلية مستدامة لقياس وتقييم احتياجات وتطلعات وتحديات الشركات في بيئتها.

ان السمات الغالبة في تمثيل جميع قطاعات النشاط على المستوى العالمي عبر غرفة التجارة الدولية، أو على المستوى الإقليمي، تأتي من المنظمة المعينة في شكل شبكة متضامنة من غرف التجارة ، خاصة في أوروبا، البحر الأبيض المتوسط، أمريكا اللاتينية، أفريقيا وفي آسيا والمحيط الهادئ. وفى هذا السياق، فإن الاتحادات الإقليمية لغرف التجارة، مثل ASCAME أو AICO أو  Eurochambre، من بين آخرين ، تجمع بين كيانات من مستويات مختلفة.

ضرورة التشاور مع الغرف لرسم السياسات واتخاذ القرارات المؤثرة على الانشطة الاقتصادية 

تتقاسم غرف التجارة حول العالم أهداف مشتركة، مثل تسهيل التجارة، وإزالة الحواجز القائمة، وتعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال. وقد تطورت هذه الأهداف إلى شراكة استراتيجية تهدف إلى تسهيل تمويل التجارة.

وعلى مر السنين، طورت الغرف آلياتها على نطاق أوسع لتلبية الاحتياجات المتنامية والمتغيرة بسرعة في عالم الأعمال. فسعت لتقديم خدمات لتسهيل التجارة والتدريب والدعم في استكشاف الأسواق الدولية، ولكن يتحتم عليها  دائمًا السعي إلى تزويد أعضائها  بالأدوات والمعرفة التي يحتاجونها للنمو والتطورعلى الصعيدين المحلي والعالمي، لتطوير حلول وخدمات أعمال ذكية ومبتكرة، واعتماد استراتيجيات تطلعية فى اطارات تحسين القدرة التنافسية.

إن إعادة بناء منظومة غرفية رشيقة الايقاع على نحو متزايد، والعمل عن بعد، والعمل التعاوني، والذكاء الجماعي، حيث يقوم الحكم الذاتي على الثقة والمسؤولية، سيكون تحديًا كبيرًا، ولا سيما ينفرد بمكونات ثقافة وقيادة مؤسسية ذات مصداقية مع التفكير الاستراتيجي. فليست كل الدول قادرة على الابحار فى مثل هذه الاوقات العاصفة.

وأضحى تكامل هدف المسؤولية الاجتماعية ضرورة حتمية للأداء المستدام. فقد ساعدت السياسات العامة في الحفاظ على التدفق النقدي للشركات وموارد العاملين فيها. وبقدر ما كان ذلك ضرورياُ، لكنه لم يكن بالقدر الكافي. يجب علينا الآن اتخاذ تدابير تحفيزية أكثر قوة. 

مواجهة اضطراب التجارة الدولية

تعد الرقمنة والتجارة الإلكترونية والابتكار والبحث والتطوير هى روافع النمو الرئيسية التي يجب تفعيلها من أجل التفاوض بشكل أفضل على المنعطف الحاد الذي تتخذه التجارة الدولية. وعلى أي حال، فإن توصيات الغرف ينبغي أن تجعل من الممكن حل المشاكل اللوجستية التي يواجهها المصدرون خلال فترة الجائحة  والتفكير في ما بعد الأزمة.

وفي مواجهة اضطراب التجارة الدولية ونشاط العديد من خطوط الإنتاج في منطقة البحر الأبيض المتوسط وفي العالم، يواجه المصدرون المتوسطيون وفى كل العالم وضعاً غير مسبوق ونتائج مقلقة. فقد اهتزت جميع سلاسل الإمدادات الجوية والبرية والبحرية بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، وايضا التدابير التي اتخذتها الحكومات لمكافحة الجائحة. على مستوى رجال الصناعة والمصدرين ، يؤدي هذا إلى نقص وإغلاق خطوط الإنتاج بسبب نقص المدخلات، والعقود المعلقة، وعدم كفاية المدفوعات إلخ.

تحتاج الشركات إلى وضع خرائط طرق حقيقية تتضمن تدابير الصحة والسلامة الجديدة، بل وأساليب عمل وخدمات لوجيستية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، يتحتم عليهم اليقظة  أثناء المعاملات الدولية بسبب إفلاس بعض العملاء وزيادة المخاطر. وعلى صعيد اخر، يجب عليهم تطوير  قدرات  معينة على سهولة التحرك والتخطيط في مواجهة المتغيرات وأن يكون لديهم نموذج أعمال مرن ليتمكنوا من تغيير المنتجات و التجديد فى استهداف الأسواق وتنويع مصادر التوريد.  وفيما يتعلق برافعات النجاح، يجب على المصدرين الاستثمار في التجارة الرقمية والإلكترونية لفترة ما بعد الأزمة. فيجب بذل الجهود لترويج المنتجات المصنوعة في المنطقة وجعلها قادرة على المنافسة على الصعيد الدولي ، فضلا عن تأمين وتعزيز سلاسل الإنتاج قدر الإمكان وتقليل اعتمادها على الخارج.

وفي عالم ما بعد COVID-19، من الضروري أن يكون للنمو صوت في فضاء التجارة الدولية ليعكس المصالح الوطنية والإقليمية. فمن خلال العمل المشترك وتقاسم المعرفة واستخدام الخبرة المشتركة، يمكن لغرف التجارة تحقيق أهداف مشتركة وتحسين القدرة التنافسية ودفع الأعمال التجارية إلى الأمام من خلال اتباع استراتيجيات تطلعية تمهد الطريق للنمو المستدام. فالشراكات  القائمة على تحقيق الأهداف والتقدم هي محرك البدء.

وأصبح الان من الضروري وحتميا على الحكومات عدم اتخاذ القرارات المؤثرة على الانشطة الاقتصادية إلا بعد التشاور مع الغرف التجارية و الصناعية.