بعد الأزمة الإقتصادية والمالية المتفاقمة، وبعد جائحة "الكورونا" وتداعياتها الإقتصادية والإجتماعية، وفي ظل التخبط الحاصل في مفاوضات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي، يواجه لبنان تحدياً جديداً يتمثل في "قانون قيصر" الأميركي الذي أقره الكونغرس مؤخراً ويبدأ تطبيقه في وقت لاحق من حزيران الجاري وربما في السابع عشر منه.
وعلى الرغم من إنقضاء أكثر من أسبوع على صدور القانون، فأنه لم يصدر بعد أي موقف رسمي أو تعليق سواء كان صادراً عن رئاسة الجمهورية أو الحكومة أو أقله على مستوى وزارة الخارجية.
وهذا التجاهل للقانون الذي لم تتضح بعد أسبابه أو مبرراته، يبدو مستغرباً في ظل الإشكاليات المختلفة والإنعكاسات المرتقبة التي قد يثيرها هذا القانون بالنسبة الى لبنان، وإلى العلاقات اللبنانية- السورية. صحيح أن القانون الذي يستهدف النظام السوري لا يعني لبنان فقط بل يعني جهات أخرى لا سيما منها روسيا وإيران، لكنه ذا تأثير مباشر على لبنان بحكم الجوار بين البلدين وبحكم التبادل التجاري القائم عبر المعابر البرية.
المعابر والتهريب
ولا شك في أن "قانون قيصر" يسلط الضؤ لبنانياً على مسألة المعابر الشرعية وغير الشرعية القائمة بين البلدين وعلى قضية التهريب الحاصل في الإتجاهين لا سيما من لبنان الى سوريا، في ظل توافر معلومات مؤكدة عن تهريب المحروقات والطحين.
وإقفال المعابر ووقف التهريب هو أساساً شرط أولي وضعه صندوق النقد الدولي ومن قبله الدول المشاركة في تمويل برنامج "سيدر" ضمن جملة الشروط المطلوبة لتوفير الدعم المالي للبنان لمواجهة أزمته الإقتصادية والمالية.
وفي الوقت الذي تؤكد جهات عدة على إستمرار التهريب لإعتبارات سياسية وإقتصادية ترتبط بقوى الأمر الواقع المسيطرة على قسم من الحدود البرية بين لبنان وسوريا، زار رئيس الحكومة حسان دياب منطقة بعلبك، ليؤكد عزم الحكومة على مكافحة التهريب الذي يضر بالإقتصاد وتستفيد منه حفنة من المهربين.
فهل سيشكل "قانون قيصر" دافعاً جديداً لضبط الحدود بين البلدين؟ وما هي إنعكاست القانون على لبنان في حال إستمرار عمليات التهريب؟ وهل تفرض السلطات الأميركية عقوبات على من يقوم بحركة التصدير الى سوريا أم الإستيراد منها؟ وهل هذه العقوبات ستطال الأشخاص والشركات المعنية؟ أم أن العقوبات ستتكون ضد لبنان بإعتباره المسؤول عن ضبط حدوده؟ وفي حال صدور مثل هذه العقوبات، فأي مساعدة يمكن أن ترتجى سواء من صندوق النقد الدولي أم من الدول المشاركة في "سيدر".
"قانون قيصر" والسياسة
الواضح أن تداعيات القانون الأميركي الجديد لا تقتصر على الجانب الإقتصادي وحسب، بإعتبار أن القانون سيتحدث عن أي نوع من أنواع التعاون أو المساعدات الى النظام السوري، بما في ذلك الدعم السياسي.
وهنا يطرح السؤال: ما هو الموقف الأميركي من دعاة تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا من قبل السياسيين سواء من هم داخل الحكومة والحكم أم خارجه؟ وإستطراداً، هل يشكل "قانون قيصر" سداً أمام أي مساهمة لبنانية في عملية إعادة إعمار سوريا التي بدأ تأسيس خطواتها الأولى في مجالي الإعمار والأعمال.