د. جواد العناني: المنصات والعملات الرقمية
ميدان الحرب المقبلة بين أميركا والصين

07.05.2020
د.جواد العناني
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بين أميركا والصين حروب لا تنتهي على كافة الجبهات باستثناء الجبهة العسكرية، فمع حروب التجارة والعملات والتكنولوجيا تندلع الآن حرب صامتة على جبهة العملات الرقمية. ويرى نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية والخبير الاقتصادي الدولي د. جواد العناني، أنها قد تكون الأكثر خطورة لأنها تستهدف مركز القوة الأساسي للولايات المتحدة أي الدولار كعملة دولية وحيدة للإحتياطات وللتبادل. 

يقول د. جواد العناني إن الدولار هو أفضل مكسب حصلت عليه الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كرّست اتفاقية "بريتون وودز" دور كل من الدولار والذهب كوحدة قياس لكافة العملات في العالم، ولكن في العام 1971 أوقفت أميركا عملية تحويل الدولار الى ذهب وفق سعر ثابت، وذلك بعد هبوط مخزونها من الذهب الموجود في نيويورك وكنتاكي، وبموجب ذلك بات الدولار العملة الدولية رغم تراجع قيمته.

الصين تستهدف ضرب موقع الدولار كعملة وحيدة للإحتياطات والتبادل

ويوضح أنه وفي ظل التقلبات التي حدثت في العالم، وعدم وجود عملات منافسة بقي الدولار متماسكاً وظل مسيطراً على التعاملات الدولية كوحدة قياس وعملة تبادل وعملة احتياطي أساسية، ولكن مع بدء الثورة التكنولوجية بادرت أميركا إلى العمل بجدّ للإستيلاء على المنصات الإلكترونية التي ينبغي على العالم إجراء التسويات فيها، لأن العملة الافتراضية تتداول عبر الفضاء الإلكتروني، لكن ما فاجأها هو ان الصين استطاعت إنشاء منصة خاصة بها تنافس المنصات الأميركية، وهنا بدأ هذا الصراع حول هذه القضية، وبادرت أميركا إلى إتهام الصين بأنها "تسرق التكنولوجيا" من أميركا وهذا أمر يرفضه الصينيون، لأنه يقلل من قدراتهم التكنولوجية، خصوصاً وأنهم كانوا مدركين لمسار العلاقات الدولية التي شهدت انتقال الصراعات من حرب عملات إلى  حرب تجارية ومن ثم حرب تكنولوجية. 

خوف أميركا من العملة الصينية

ويعتبر العناني ان ما يخيف أميركا من مستقبل العملة الصينية أمرين مهمين، الأول إعلان الصين أنها ستبدأ تجربة تداول العملة الالكترونية في أربعة مدن رئيسية، مشيراً الى أن هذه التجربة في ظل أزمة كورونا يعطيها فرصة لتحقيق مكسب معنوي كبير وفرصة لترسيخ التجربة، ما يعني إمكانية نقلها مستقبلاً لتشمل دولاً عدة، وخصوصاً مجموعة الثماني التي أنشأتها الصين وهو الأمر الذي يسهم في إسقاط دور الدولار كعملة وسيطة في التعاملات التجارية وكوحدة قياس، وهذا يقلل من قدرة أميركا على التحكم بالتعاملات المالية. وما يزيد من التخوف الأميركي وجود اتجاه دولي نحو العملات الإلكترونية، إذ أعلنت السويد مثلاً أنها ستلغي في العام 2021 كافة العملات الورقية والمعدنية وتعتمد العملات الالكترونية.

أميركا تطبع الدولار بكلفة 2 سنت وتبيعه للعالم بـ 100 دولار

ويوضح العناني أن أميركا كانت تعتقد أنها وحدها تملك التكنولوجيا لنظام دفع إلكتروني دولي يتم بموجبه تسوية التعاملات داخل الولايات المتحدة، وبذلك تتحكم بشكل كبير في الحسابات وتبادل العملات دولياً ما يعطيها قوة هائلة جداً، ولذلك لم تكن راضية أبداً عن دخول الصين للمنافسة في هذا المجال.

تدويل العملة الصينية 

ويضيف د. جواد العناني:" أما الأمر الثاني فهو أن أميركا كانت تقاوم كل محاولة لجعل الدولار عملة مشتركة وليست وحيدة في الحسابات الدولية، وردّت بقسوة على تقارير صادرة عن مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والأونكتاد تتحدث عن ضرورة ان لا يبقى الدولار العملة الوحيدة للإحتياطي، وإيجاد عملات اخرى إلى جانبه، باعتبار أن "العالم لا يستطيع الاستمرار بالاعتماد على عملة دولية واحدة هي الدولار في ظل العجز في الموازنة وفي الميزان التجاري في أميركا" كما أشارت هذه التقارير. 

ويذكر د. جواد العناني أن هذه الأفكار ليست جديدة، إذ بنيت على أفكار للإقتصادي روبيرت مانديل الكندي الأصل الذي فاز بجائزة نوبل، وكان مستشاراً للحكومة الصينية وقد طالب بأن يقسم العالم إلى ثلاث مناطق عملات، الأولى هي منطقة الدولار ومنطقة اليورو ومنطقة اليوان. 

أميركا تستهدف السيطرة على المنصات الإلكترونية لتعويض خسارتها من بيع الدولار

ويرى العناني أن الصين كانت تخفي نواياها بجعل عملتها دولية، قائلاً: "خلال زياراتي الى الصين كنت أسأل، هل لديكم طموحات بجعل اليوان عملة دولية؟ وكان الجواب دائماً الصمت أو القول: نحن لا نزال دولة نامية إذ اعتمدنا معدل الدخل الفردي كمقياس، والذي لا يزال متدنياً، وبالتالي نحن دولة من فئة الدخل المتوسط مثل الاردن، وهذا لا يساعد على جعل العملة الوطنية عملة دولية"، ولكنه يشير في هذا المجال إلى صدور العديد من الكتب حول هذا الموضوع من "أهمها كتب الاقتصادي الصيني وانغ بانغ والذي كان لي معه مناظرة حول هذا الموضوع على شاشة الـ CNN"، ويعتبر ان صدور هذه الكتب وإعادة طبع أحدها مرات عدة لا يمكن أن يتم من دون موافقة ومباركة السلطات الصينية.

الرسوم بدل بيع الدولار

ويشير د. جواد العناني إلى تطور مهم يتمثل في اعتبار صندوق النقد الدولي العملة الصينية عملة احتياط دولية وقابلة للتحويل من خلال إدخالها في السلة المعتمدة لاحتساب ما يسمى بوحدات حقوق السحب الخاصة لدى الصندوق، ومع أن صندوق النقد الدولي يعتبرها وحدة حساب وليست عملة متداولة، فهذا لن يكون مريحاً لأميركا.

ويؤكد العناني، "إذا تقدمت الصين أكثر وبدأت تتعامل مع الدول الاخرى باليوان الصيني يعني ذلك أنها خففت كثيراً من التعامل مع الدولار ونكون في هذه الحالة أمام حرب عملات وحرب إلكترونية، وهذه القضية قد تصبح مثل كثرة الثلج، مرشحة للتفاقم مستقبلاً".

ويلخص العناني المشكلة بأن أميركا اعتمدت منذ فك ارتباط الدولار بالذهب معادلة مربحة بالكامل تقوم على طباعة الدولار بكلفة لا تتجاوز 2 سنت لكل دولار وتبيعه للعالم بـ 100 دولار، محققة ربحاً صافياً قدره 98 سنتاً لكل دولار وهذه التجارة المربحة، باتت مهددة بخطرين الأول وجود عملات دولية منافسة للدولار، والثاني العملات الإلكترونية، ولذلك تسعى أميركا حالياً إلى الهيمنة على المنصات الالكترونية. وهو الأمر الذي يمكنها من تعويض الخسائر الناجمة عن بيع الدولار، من خلال الرسوم على إنجاز المعاملات عبر الإنترنت والمنصات الإلكترونية.

ويختم د. جواد العناني بالقول: "نحن أمام مواجهة خطيرة للسيطرة على الاقتصاد العالمي".