«كورونا» يشلّ قطاع السيارات والوكلاء أمام تحديات غير مسبوقة

12.04.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
خطار زيدان

لم يسلم بالطبع قطاع السيارات في العالم، صناعة وتسويقاً، من أزمة «كورونا» وتداعياتها، فأصيب بشلل تام، وأغلقت المصانع أبوابها وتوقفت الشركات عن عمليات البيع في معظم دول العالم ودول المنطقة، واقتصر النشاط على تأمين بعض أعمال الصيانة بواسطة فرق عمل متنقلة.

كل النشاطات أصبحت معلّقة حتى إشعار آخر، وشراء سيارة جديدة لم يعد أولوية، في وقت لم يعد ممكناً التنقل بحرية، وبالتالي، باتت الحاجة الى السيارة مقتصرة على الخروج لقضاء الحاجات الضرورية جداً.

شلل المرافق الصناعية

صناعياً، أعلن العديد من الشركات التوقف عن العمل في منشآتها الصناعية لفترة محددة، خصوصاً في الدول والمناطق التي تعتبر الأكثر تأثراً بانتشار وباء «كورونا»، بدءاً من الصين وكوريا إلى فرنسا، اسبانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة وأميركا الشمالية.

وإضافة إلى الشركات الصينية التي كانت قد توقفت بشكل شبه كلي عن العمل، واليوم تعود بخجل إلى ممارسة نشاطها، فإن الإنتاج لغالبية الشركات المصنّعة توقف في معظم الدول الأخرى بشكل كامل أو جزئي، وأقفلت مصانع «بي أم دبليو» في أوروبا وأفريقيا الجنوبية لغاية 19 أبريل، وتوقفت مجموعة «دايملر» عن الإنتاج في كافة مصانعها في أوروبا، و«نيسان» في بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى وفي أفريقيا والهند، كما قررت «تويوتا» وقف العمل في مصانعها في بريطانيا وبولندا وتشيكيا وتركيا وفي أميركا الشمالية، وأقفلت شركة «هوندا» جميع مراكز التوزيع في إيطاليا، وأعلنت « فيات كرايسلر» عن توقف عملياتها الإنتاجية في إيطاليا وصربيا وبولندا إضافة إلى أميركا، كما قررت «فورد» إقفال مصانعها في ألمانيا وإسبانيا ورومانيا وفي أميركا الشمالية، و«جنرال موتورز» في أميركا الشمالية، وأعلنت مجموعة PSA إغلاق مصانعها في أوروبا، و«فيراري» إقفال مصنعيها في إيطاليا، وقررت «رينو» توقيف العمل في مصانعها الـ 12 في فرنسا والتي توظف 18 ألف شخص، وإغلاق مصانعها في إسبانيا، كما أقفلت مجموعة «فولسفاغن» عملياتها الإنتاجية في أوروبا والتي تشمل 72 وحدة تصنيع، منها 28 في ألمانيا، وأقفلت «فولفو» مصنعها في بلجيكا، و«جاغوار لاند روفر» أقفلت مصنعها في سلوفاكيا، و«هيونداي» و«كيا» في عدد من الدول، و«تيسلا» في كاليفورنيا،.... وبدأت بعض هذه المصانع خصوصاً في أميركا، مثل «جنرال موتورز» و«فورد» و«كرايسلر»، تعتمد مرافقها لإنتاج أجهزة التنفس لاستخدامها في المستشفيات الأميركية لمعالجة مرضى «كورونا».

إلغاء وتأجيل المعارض الدولية

هذا التوقف في وحدات الإنتاج حول العالم، كان قد سبقه في بداية الأزمة إغلاق مصانع الشركات لمكونات السيارات وقطع الغيار، والتي تتمركز في دول شرق آسيا تحديداً، كما تمّ إلغاء المعارض العالمية الرئيسية للسيارات أو تأجيلها، مثل معرض جنيف الدولي للسيارات الذي كان مقرراً إقامته بداية شهر مارس الماضي، ومعرض بكين للسيارات الذيكان مقرراً أن ينطلق في 21 أبريل الحالي، وتمّ إلغاء معرض أميركا الشمالية للسيارات في ديترويت الذي كان مقرراً في يونيو المقبل، وتحديد موعد جديد له في يونيو من العام 2021، كما إن معارض أخرى مهددة بالإلغاء أو إعادة جدولة تواريخها، وحسب تطور مجريات الأمور.

وعلى الرغم من أن شركات السيارات اتخذت إجراءات إغلاق المصانع لفترة محددة، إلا أن هذه الفترة قد تستمر لأشهر، وحسب مواقع مراكز الإنتاج وتطورات إجراءات القضاء على الفيروس، ما ينعكس نقصاً في الإنتاج يصل الى ملايين السيارات هذا العام. ولندرك حجم التراجع الكارثي في الإنتاج العالمي، يكفي أن نعرف أنه في الصين لوحدها، تراجع الإنتاج إلى نحو مليوني سيارة منذ بداية العام الحالي، أي نحو 8 في المئة من حجم الإنتاج العالمي للسيارات في العام 2019 والذي بلغ نحو 25.6 مليون سيارة، كما إن مبيعات السيارات انخفضت بنسبة 44 في المئة في الصين خلال شهري يناير وفبراير مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019، و29 في المئة في كوريا الجنوبية في شهر يناير.

توقعات متشائمة

 وحتى الآن لا يمكن إحصاء حجم التراجع الكلي في الإنتاج العالمي والخسائر التي ستطال هذا القطاع خلال العام 2020، في ظل عدم توفر أي معلومات عن الفترة التي سيتطلبها الخروج من هذه الأزمة، وذلك على الرغم من أن بعض المصانع في الصين عادت الى ممارسة نشاطها، لكنها لن تتمكن من العودة إلى قدراتها الإنتاجية قبل فترة أسابيع على الأقل، كما يتوقع أيضاً أن تؤثر هذه الأزمة على جدول طرح الطرازات الجديدة التي كانت مقررة، حيث ستضطر الشركات إلى إعادة جدولة عمليات الطرح أو الكشف عن أي طراز جديد لضمان وصوله إلى الأسواق في الوقت المناسب وضمان نجاحه تسويقياً.

لا شك أن الوضع الراهن لن يدوم، وستتم معالجة الأمور خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، وستعود الحياة الى طبيعتها، لكن السؤال الذي يبرز هو كيف ستكون ردة فعل المستهلك في دول المنطقة، وهل ستتمكن الشركات من تلبية الطلب عند عودته، وما هي أيضاً الانعكاسات على الأسعار؟ 

أسواق الشرق الأوسط

في ظل التراجع الكبير في أسعار النفط الخام، والذي وصل إلى أدنى مستوى له منذ 17 عاماً، حيث تراجع إلى أقل من 22 دولاراً للبرميل، مقابل 67.31 دولاراً في شهر ديسمبر الماضي، فإن اقتصادات دول المنطقة ستشهد تحديات كبيرة، وبالنسبة الى قطاع السيارات فإن سيناريوهين مطروحين بعد الانتهاء من هذه الأزمة:   

السيناريو الأول، أن يكون الطلب على مختلف المواد الاستهلاكية وعلى السيارات تحديداً مرتفعاً، لأن السيارة حاجة ملحّة للجميع وليست ترفاً، وبالتالي فإن قرار الشراء الذي تمّ تأجيله للأسباب القهرية التي ذكرناها سيتم تنفيذه بعد زوال الأسباب، إلا أن لدى شركات السيارات مخزوناً كافياً لفترة محددة وهذا المخزون قد يكبر أو يصغر حسب أهمية هذه الشركات وانتشارها، وبالتالي فإن الطلب فور عودته ستتم تلبيته من قبل الوكلاء والموزعين بوتيرة عادية لفترة معينة، ويُتوقع أن ترتفع الأسعار على الكميات المتوفرة لأن الشركات المصنّعة لن تتمكن بالسرعة المطلوبة من إعادة تشغيل كافة مرافقها بالشكل الطبيعي وتلبية طلب الأسواق العالمية وتزويدها بالكميات اللازمة، ولأن الأولوية ستكون في الفترة الأولى لأسواقها المحلية والأسواق الرئيسية، وبالتالي فإن أسواق الشرق الأوسط التي لا تستوعب إلا حصة ضئيلة من المبيعات العالمية للسيارات لن تكون في قائمة الأولويات بالنسبة الى الشركات المصنّعة، باستثناء قلّة قليلة من مصنّعي السيارات الفاخرة.

هذا الأمر سيؤدي إلى نقص في كمية وتشكيلة السيارات المعروضة لدى الوكلاء، إضافة إلى التأخر في تأمين قطع الغيار اللازمة، علماً أن أسواق دول المنطقة تعتمد بشكل رئيسي على واردات السيارات وقطع الغيار من دول شرق آسيا، مثل اليابان، كوريا والصين. 

مخاطر الركود الطويل 

السيناريو الآخر، هو أن تتطور الأمور بشكل أسوأ وأن نصل إلى حالة من الركود الاقتصادي، وأن تضطر الشركات إلى الاستغناء عن نسبة من عمالتها نتيجة الشلل التام الذي أصاب كافة القطاعات الاقتصادية، الإنتاجية، الخدماتية والاستهلاكية في مختلف دول العالم ودول المنطقة تحديداً لفترة أشهر، وفي ظل التراجع الكبير في أسعار النفط وبالتالي تراجع الإيرادات والإنفاق الحكومي ما سينعكس على كافة النشاطات الاقتصادية.

وفي ظل هذا الواقع من الضبابية وغياب الرؤى الواضحة عن الفترة المقبلة، فمن المؤكد أن الأولوية للمستهلكين لن تكون في الفترة الحالية ولا حتى في الفترة المقبلة، وبعد القضاء على وباء «كورونا»، لشراء سيارة جديدة، وبالتالي فإن الطلب لن يعود في المدى القريب إلى ما كان متوقعاً له أن يكون قبل بدء الأزمة، وإلى المستويات التي قدّرتها الشركات المصنّعة لتبني من خلالها سياساتها الإنتاجية. 

إذاً، الآمال التي كانت معقودة على العام 2020 والتوقعات الإيجابية لمبيعات السيارات في المنطقة لن تكون في محلها، والمرحلة المقبلة ستحمل المزيد من التحديات لهذا القطاع بعد أن كانت أبرز أسواق دول المنطقة قد بدأت بالتعافي وتحسنت حركتها خلال العام 2019، وبعد فترة عصيبة شهدتها منذ العام 2016.