شركات الطيران: البقاء للأقوى

05.04.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
زينة أبوزكي

تخوض شركات الطيران في مختلف دول العالم صراع البقاء في ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد، وإقفال المطارات وبقاء آلاف الطائرات فيها. ومن المعروف أن نفقات شركات الطيران عالية جداً وأن احتياطاتها المالية وإن وجدت لن تصمد كثيراً، فتقليص عدد الرحلات بنسبة 90 في المئة في معظم شركات الطيران مع التركيز على عمليات الشحن لم تكن كافية للحد من الخسائر، التي قدرالاتحاد الدولي للنقل الجوي أن تصل إلى 252 مليار دولار. وتعالت مناشدات شركات الطيران لحكوماتها بتقديم الدعم منذ الأيام الأولى لحظر السفر، ويبدو أن الحكومات التي بدورها ترزخ تحت ثقل الكارثة ليس لديها الخيار إلا تقديم الدعم وانقاذ ما تبقى من قطاعاتها الاقتصادية.

الولايات المتحدة: 58 مليار لدعم شركات الطيران

الولايات المتحدة الأميركية كانت أول من لبى النداء لدعم قطاع الطيران حيث اقر الكونغرس حزمة الإنقاذ الاقتصادية أو خطة "الإنعاش الطارئة " والتي خصت القطاع بـ 58 مليار دولار، 50  ملياراً منها لشركات الطيران المدني موزّعة مناصفة بين مِنَح وقروض، والأمر نفسه ينطبق على شركات الشحن الجوي التي ستحصل على ثمانية مليارات دولار.

ويوفر قطاع الطيران التجاري في الولايات المتحدة الأميركية 11.5 مليون وظيفة، إضافة إلى 10 ملايين وظيفة غير مباشرة ترتبط بخدمات قطاع الطيران، ويواجه العاملون في القطاع ضغوطاً ربما تستمر شهوراً، لذا خُصصت 50 في المئة من المساعدات الحكومية لتغطية نفقات العاملين في القطاع.

وتدخلت العديد من الدول بالفعل لمساعدة شركات الطيران، حيث أعلنت سنغافورة وأستراليا دعمهما للطيران لتخفيف قواعد المنافسة. وقالت الخطوط الجوية السنغافورية إنها ستدفع المستثمرين الحاليين لضخ نحو 15 مليار دولار سنغافوري (10.5 مليار دولار) من خلال بيع الأسهم والسندات القابلة للتحويل لتعويض الصدمة التي تلحق بأعمالها من تفشي الفيروس المستجد، كما رتبت قرضًا بقيمة 4 مليارات دولار سنغافوري.

في الوقت الذي اجتمع فيه قادة مجموعة الدول العشرين في قمة بعبر الفيديو ، طلب اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) من الحكومات توفير أو تسهيل الدعم المالي لشركات النقل الرئيسية التي تمثلها.

الشركات الأوروبية: بين الدعم والافلاس

من المتوقع أن تبلغ خسائر قطاع الطيران الأوروبي 76 مليار دولار للعام 2020 وتوفر هذه الشركات 2.6 مليون وظيفة مباشرة و12.2 مليون وظيفة غير مباشرة، إلا أن هذه الشركات لا يمكنها أن تتوقع الحصول على دعم بسهولة في ظل قيود المفوضية الأوروبية التي هي بالأصل لا تحبذ استثمار الحكومات في شركات الطيران. وفي حين تسعى الحكومات للإبقاء على شركات الطيران الوطنية، إلا أن الهيئات الناظمة في الاتحاد الأوروبي ستفرض شروطاً صارمة لضمان اتخاذ اجراءات تتماشى مع معايير السوق. وقبل الأزمة الحالية كانت العديد من شركات الطيران الأوروبية تعاني من أزماتها الخاصة منها ما يتعلق بالدعم الحكومي غير المبرر وأخرى بالهواجس البيئية ومقاطعة الجماعات المناصرة للبيئة  لها في أسواق شديدة المنافسة.

المفوضية الأوروبية: الدعم المشروط

واليوم مع انتشار كوفيد – 19 فالمعادلة لم تتغير كثيراً، إذ سيكون هناك عمليات انقاذ ودعم مدورس، مع التوجه نحو غربلة السوق من خلال بيع بعض الشركات أو دمجها أو  ترك البعض الآخر ليواجه الإفلاس. وتدرك الهيئات الناظمة في الاتحاد الأوروبي أهمية الاعتدال والمرونة في مقاربة هذا الموضوع لذلك أعلن وزراء النقل الأوروبيين الذين ناقشوا تداعيات الأزمة الحالية عن توجه لدعم القطاع ليس بأي ثمن. وقال الوزير الكرواتي أوليغ بوتكوفيش الذي ترأس المحادثات "نحتاج إلى إعطاء الشركات الهوامش المالية التي تحتاجها للبقاء على قيد الحياة، ولكن على أن تكون الحلول شاملة وعادلة للجميع".

وتعاني شركات الطيران من مشاكل جمة قبل أزمة كورونا، فعلى سبيل المثال لم تتمكن شركة Alitalia من تحقيق أرباح منذ العام 1998 وتجسد حالتها الأزمة شبه الدائمة للمفوضية الأوروبية في سعيها لإيجاد الحل للشركة التي تعتبر رمزا وطنيا في إيطاليا.

في حين تجول شركة TAP Air  البرتغالية منذ سنوات في منطقة الخطر حيث تمتلك الحكومة حصة كبيرة فيها. ومن بين الشركات الأخرى التي أصبحت في ذاكرة التاريخ الحديث Air Berlin وMonarch و Thomas Cook و Flybe . ولكن تفشي كوفيد – 19 وضع حتى الشركات السليمة في وضع صعب حيث تطالب معظم الشركات بما فيها Air France – KLM و Virgin Atlantic وFin Air حكوماتها بتقديم المساعدة. ومع ذلك فإن البعض الآخر لم يفعل ذلك، وأعلنت IAG التي تملك الخطوط الجوية البريطانية وايبيريا إنها قد لا تحتاج إلى دعم حكومي ولديها 7.5 مليار دولار نقداً وخط ائتمان كما أنها أبرمت صفقة لخفض رواتب الطيارين بنسبة 50 في المئة.

وتمتلك Rayan Air  احتياطيات نقدية بقيمة 4 مليار يورو، بينما لدى Easy Jet 1.6 مليار يورو في البنك والطائرات لتقديمها كضمانات. وقالت Lufthansa إنها لن تحتاج إلى خطة إنقاذ لكنها حذرت من "ظروف السوق غير العادلة".

البقاء للأقوى

ومن المتوقع أن تقود شركات الطيران السليمة معارضة قوية لأي دعم حكومي سخهي لمنافسيها الأضعفـ، كما فعلت في وقت مبكر من هذا العام عندما كانت تصدت لمحاولة احكومة البريطانية لدعم شركة Flybe ، ما أدى إلى إفلاس الشركة مؤخراً.

وتكمن الصعوبة التي تواجهها الحكومات والمفوضية الأوروبية في تحديد شركات الطيران التي ستبقى قابلة للاستمرار مع انتهاء هذه الأزمة، وسيكون عليهم تكييف حزم الإنقاذ الخاصة بالشركات وفقًا لذلك.

وتتمتع شركات الطيران في أوروبا بخصوصية استمرار ارتباط الحكومات بشركات النقل الوطنية مثل British Airways  و Air France وكان ذلك تقليد درجت عليه الحكومات وهذه المرة لايبدو أنها ستتخلف عن ذلك.

دعم الشركات الوطنية حتى التأميم  

بدورها تتجه إيطاليا إلى إعادة تأميم شركة Alitalia، وفي الوقت عينه تلقت شركة Air France – KLM بالفعل وعوداً بالدعم من وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الذي تشاور مع الحكومة الهولندية حول كيفية حماية شركة الطيران حيث تمتلك الحكومتان حصة تبلغ حوالي 14 في المئة، وقد أبدى الوزير الفرنسي استعداد حكومة بلاده اتخاذ أي  خطوة من شأنها حفظ هذا الإرث الوطني العريق.

على أي حال، أوضحت المفوضية الأوروبية أن شركات الطيران سيكون لها الحق في الحصول على مساعدات طارئة كما يمكن للدول أن تقدم المنح وتدعم القروض للخروج من الأزمة، كما سيتم النظر ببعض الإجراءات المتعلقة بحقوق الطيران حيث علقت اللجنة بالفعل قواعد "استخدمها أو تخسرها" لمدة أربعة أشهر والتي تفرض على شركات الطيران استخدام أماكن الهبوط في المطار أو المخاطرة بالتخلي عنها للمنافسين. لكن الأزمة سوف تؤدي أيضاً إلى تفاقم الفشل العميق في بعض شركات النقل في أوروبا، إذ لن تتم الموافقة على دعم الدولة لهذا النوع من المشاكل.

دعم الشركات العربية: دبي السباقة

جدد الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا" دعوته لحكومات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إلى التدخل العاجل لمساعدة شركات الطيران، مشيراً إلى التوقعات الصادرة عنه والتي تظهر انخفاض إيرادات الشركات إلى 23 مليار دولار (19 مليار في الشرق الأوسط، و4 مليار في أفريقيا).

في حين توقع الأمين العام للاتحاد العربي للنقل الجوي عبد الوهاب تفاحة ان تدعم الحكومات العربية القطاع في نهاية المطاف وإعادة النظر ببعض الأولويات  لتنشيط الدورة الاقتصادية. فالكثير من الحكومات العربية تعتمد على السياحة كمساهم رئيسي في النمو الاقتصادي وإيجاد فرص عمل. ويساهم قطاع النقل الجوي والقطاعات المعتمدة عليه كالسياحة في العالم العربي بنحو 8.7 في المئة من الناتج القومي. كما يساهم بتوظيف حوالي 7 في المئة من اليد العاملة، لذلك من الضروري أن تبادر الدول العربية إلى دعم هذا القطاع.

وكانت حكومة دبي أول من بادر لتقديم الدعم إلى طيران الإمارات، حيث أكد ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم دعم حكومة دبي الكامل لطيران الإمارات في هذا الظرف الاستثنائي من خلال ضخ رأسمال جديد، وذلك انطلاقاً من التزام الحكومة تجاه الناقلة الوطنية.

ويبدو أن باقي الحكومات ستتبع المسار نفسه، وذلك لأهمية المحافظة على شركات الطيران لما لها دور حيوي في الاقتصاد وهي الداعم الرئيسي لباقي القطاعات الانتاجية لا سيما السياحة كما إنها جسر العبور الأساسي نحو العالم.