كيف تأثر قطاع صناعة السيارات بأزمة "كورونا"؟
واقع مأساوي ومستقبل ضبابي

23.03.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
خطار زيدان

الشلل التام يًصيب قطاع السيارات في العالم حالياً، صناعة وتسويقاً، نتيجة أزمة "كورونا"، التي كان لتداعياتها تأثيرات كارثية طالت معظم الاقتصادات العالمية، وقطاعاتها التشغيلية. فمنذ نهاية شهر ديسمبر الماضي حيث بدأ الفيروس يتفشى في الصين، لينتقل بعدها إلى البلدان الآسيوية الأخرى، ومن ثم إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ومناطق أخرى من العالم، اتخذت معظم الدول إجراءات احترازية وحمائية قاسية، فانغلقت على نفسها وتوقف العمل بكافة النشاطات التجارية والاقتصادية، وتوقفت رحلات الطيران الخارجية، وبعضها وصل به الأمر إلى فرض حالات طوارئ عامة.

الانعكاسات السلبية التي طالت قطاع السيارات نتيجة هذا الفيروس وتداعياته لم ترحم كافة الشركات المصنّعة، فأعلن العديد منها التوقف عن الإنتاج في لفترة محددة، خصوصاً في الدول والمناطق التي تعتبر الأكثر تأثراً بانتشار وباء "كورونا"، بدءاً من الصين وكوريا إلى فرنسا، اسبانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة وأميركا الشمالية.

وإضافة إلى الشركات الصينية التي توقفت بشكل شبه كلي عن العمل، فإن من أبرز الشركات الأخرى، توقف بي أم دبليو عن الإنتاج في مصانعها في أوروبا وأفريقيا الجنوبية لغاية 19 أبريل، وتوقف مجموعة دايملر عن الإنتاج في كافة مصانعها في أوروبا، ونيسان في بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى. كما قررت تويوتا وقف العمل في مصانعها في بريطانيا، وبولندا وتشيكيا، وتركيا، وفي أميركا الشمالية، وأقفلت شركة هوندا جميع مراكز التوزيع في إيطاليا، وأعلنت فيات كرايسلر الأسبوع الماضي عن توقف عملياتها الإنتاجية في إيطاليا وصربيا وبولندا لفترة أسبوعين، إضافة إلى أميركا، كما قررت فورد اقفال مصانعها في ألمانيا وأسبانيا ورومانيا وفي أميركا الشمالية لفترة محددة، وجنرال موتورز في أميركا الشمالية، وأعلنت مجموعة PSA إغلاق مصانعها في أوروبا، وفيراري إقفال مصنعيها في إيطاليا لغاية 27 مارس، وقررت رينو توقيف العمل في مصانعها الـ 12 في فرنسا، والتي توظف 18 ألف شخص، واغلاق مصانعها في اسبانيا، كما أقفلت مجموعة فولكس واغن عملياتها الإنتاجية في أوروبا، والتي تشمل 72 وحدة تصنيع، منها 28 في ألمانيا. وأقفلت فولفو مصنعها في بلجيكا، وجاكوار لاند روفر مصنعها في سلوفاكيا، وهيونداي وكيا في عدد من الدول، وتيسلا في كاليفورنيا،.... .

هذا التوقف في وحدات الإنتاج حول العالم، كان قد سبقه في بداية الأزمة إغلاق مصانع الشركات لمكونات السيارات وقطع الغيار، والتي تتمركز في دول شرق آسيا تحديداً. كما تم إلغاء عدد من المعارض العالمية الرئيسية للسيارات أو تأجيلها إلى إشعار آخر، مثل معرض جنيف الدولي للسيارات الذي كان مقرراً إقامته بداية شهر مارس الحالي، ومعرض بكين للسيارات الذي كان مقرراً أن ينطلق في 21 أبريل المقبل، وغيرها. كما أن معارض أخرى مهددة بالإلغاء أو إعادة جدولة تواريخها نتيجة الوضع القائم، وحسب تطور مجريات الأمور.

رؤية ضبابية للفترة المقبلة

وعلى الرغم من أن شركات السيارات اتخذت إجراءات اغلاق المصانع لفترة محدودة، تمتد بشكل عام من أسبوعين إلى شهر، لكنها تتوقع أن تمدد اجراءاتها الى آجال جديدة، وحسب مواقع مراكز الإنتاج وتطورات إجراءات القضاء على الفيروس، ما سينعكس نقصاً في الإنتاج يصل الى ملايين السيارات هذا العام. ولندرك حجم التراجع الكارثي في الإنتاج العالمي، يكفي أن نعرف أنه في الصين لوحدها، تراجع الإنتاج بنحو مليوني سيارة منذ بداية العام الحالي، أي نحو 8 في المئة من حجم الإنتاج العالمي للسيارات في العام 2019 والذي بلغ نحو 25.6 مليون سيارة. كما أن مبيعات السيارات انخفضت بنسبة 44 في المئة في الصين خلال شهري يناير وفبراير مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019، و 29 في المئة في كوريا الجنوبية في شهر يناير. وحتى الآن لا يمكن إحصاء حجم التراجع الكلي في الإنتاج العالمي والخسائر التي ستطال هذا القطاع خلال العام 2020، في ظل عدم توفر أي معلومات عن الفترة التي سيتطلبها الخروج من هذه الأزمة، وذلك على الرغم من أن بعض المصانع في الصين عادت لممارسة مهامها، لكنها لن تتمكن من العودة إلى قدراتها الإنتاجية قبل فترة أسابيع على الأقل. كما يتوقع أيضاً أن تؤثر هذه الأزمة على رزنامة طرح الطرازات الجديدة التي كانت مقررة للشركات، وأن تضطر إلى إعادة جدولة عمليات الطرح او الكشف عن أي طراز جديد، لضمان وصوله إلى الأسواق في الوقت المناسب وضمان نجاحه تسويقياً.

هذا السيناريو في أحسن الأحوال، إلا أن تطورات الأمور، تُنذر بما هو أسوأ، وأن هذه الأزمة ستترك آثارها السلبية على كافة القطاعات الاقتصادية، الإنتاجية، الخدماتية والاستهلاكية، في مختلف دول العالم، وستؤدي إلى الاستغناء عن نسبة كبيرة من العمالة، وستؤثر على القدرة الشرائية بشكل عام، وقد يصل الأمر إلى ركود اقتصادي عالمي، في ظل التراجع الكبير في أسعار النفط الخام، والذي وصل حتى اليوم إلى مستويات أقل بنحو 60 في المئة عن ما كانت عليه في يناير الماضي، وذلك بعد انهيار المحادثات بين السعودية وروسيا، لتخفيض نسبي في انتاج النفط ورفع أسعاره.

إذاً، وفي ظل هذا الواقع من الضبابية وغياب الرؤى الواضحة عن الفترة المقبلة، فمن المؤكد أن الأولوية للمستهلكين لن تكون في الفترة الحالية ولا حتى في الفترة المقبلة، وبعد القضاء على وباء "كورونا"، لشراء سيارة جديدة، والطلب لن يعود في المدى القريب إلى ما كان متوقعاً له أن يكون قبل بدء الأزمة، وإلى المستويات التي قدرتها الشركات المصنّعة لتبني من خلالها سياساتها الإنتاجية.  وحتى لو عاد الطلب بعد الخروج من هذه الأزمة إلى مستواه الطبيعي، فإن الشركات لن تتمكن من تلبية متطلبات الأسواق العالمية لفترة قد تطول أو تقصر حسب حجم الشركات المصنًعة والانتشار الجغرافي لمراكزها الانتاجية.