التكنولوجيا تردم فجوة المهارات الرقمية
في الشرق الأوسط

23.03.2020
عمار طبا
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

 بقلم عمار طبا  *

تتسارع خطى مسيرة التحول الرقمي في بلدان منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمها دول مجلس التعاون الخليجي لتدخل بذلك عصراً رقمياً جديداً أكثر ذكاء واتصالاً، فاتحة أمامها آفاقاً واسعة من فرص التنمية والتطوير الاجتماعي والاقتصادي في  ضوء ما تحمله التكنولوجيا الرقمية معها من فوائد وميزات لم تكن في الحسبان، وقد أقرّت نحو 80 في المئة من الشركات الخاصة في الشرق الأوسط بأثر «الرقمنة» Digitalization الكبير على استمرارية أعمالها على المدى الطويل بحسب دراسة نشرتها مؤخراً شركة PwC.

لاشك بأن التكنولوجيا ممثلة بصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات باتت تحمل في طياتها مسارات تغيير وفرص تطوير جديدة لعالم المال والأعمال والمجتمعات البشرية، كما إن مساهمة التقنيات الرقمية في تغيير هياكل العمل التقليدية مع تزايد استقطاب سوق العمل بات واقعاً ملموساً، وهنا تبرز مسألة نقص المهارات الرقمية بوضوح كمشكلة تعيق عملية التحول إلى الاقتصاد الرقمي، إذ تفيد الدراسات بأن التقسيم الجديد لسوق العمل بين البشر والآلات و«الخوارزميات» Algorithms التي قد تنشأ في حلول العام 2022 سيوفر نحو 133 مليون وظيفة جديدة على الأقل بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي. والسؤال هنا: من سيضطلع بهذه المسؤوليات؟

ما هي المهارات الرقمية؟

تواجه العديد من المؤسسات الأكاديمية تحديات جدية بشأن تطوير المناهج بما يتماشى مع الخطى المتسارعة للتطورات الحاصلة في صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات بهدف تمكين جيل الشباب من مواكبة هذه التطورات ليكونوا على أهبة الاستعداد للوفاء بمتطلبات المستقبل الرقمي في بلدانهم. وتتوقع إحدى الدراسات التي أجرتها شركة «ماكينزي» في العام 2018 أن 45 في المئة من الأعمال في منطقة الشرق الأوسط ستتم بشكل آلي في حلول العام 2030، كما توقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن أكثر من نصف القوى العاملة في جميع أنحاء العالم ستحتاج للتزود بمهارات جديدة لتواكب هذه التغيرات الكبيرة في سوق العمل.

ومن أجل العمل على الأهداف والنتائج الواجب تحقيقها في مجال جَسر الفجوة الرقمية، لا بدّ أن نبدأ بتحديد وفهم معنى «المهارات الرقمية» في وقتنا الحالي، إذ إن المفهوم التقليدي لهذه المهارات لم يعدّ صالحاً في ظل التعقيد الذي تنطوي عليه العديد من النماذج النظرية للمهارات الرقمية.

ويرى المتخصصون بأن التعريف المبسط والأهم للمهارات الرقمية هو ذلك الذي ينظر إليه من مفهوم المهارات التي تتيح التواصل والتعاون بين البشر والآلات.

من منطلق هذا التعريف المبسّط، تبرز ثلاثة مفاهيم أساسية حول المهارات المرتبطة بالعصر الرقمي، يتمحور أولها ببساطة حول القدرة على استخدام الوسائل الرقمية مثل تحميل الملفات من الإنترنت وإعداد اللوائح والعروض التقديمية من خلال برنامج «باوربوينت» وغيره، أما المفهوم الثاني فيشمل المهارات الأكثر تعمقاً واللازمة للعمل في المجال الرقمي مثل تحليل البيانات باستخدام لغات برمجية متخصصة مثل«بايثون»، وثالثاً، هناك محور الاهتمام بالمهارات الشخصية من منظور رقمي كإدارة المشاريع وإدارة أنظمة وأدوات اكتساب المعارف.

خطر الأمية الرقمية

خلال العقد المقبل، لن يتمكن الأشخاص الذين يفتقرون الى المعارف الرقمية من استخدام الأدوات الحديثة أو المنافسة التي ستتبناها سوق العمل المستقبلية من دون أي تردد، وسوف يصبح هؤلاء ضمن دائرة «الأميين» بالمعنى الحديث من الناحية العملية خلال العصر الرقمي، وسوف تعاني الشركات والدول التي تفتقر الى ثقافة وأنظمة تطوير المهارات الرقمية من صعوبات بالغة في مواكبة التحوّل الرقمي والقدرة على اللحاق بمسيرة التقدّم على هذا الصعيد، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل قمنا فعلياً بما يكفي لجسر فجوة المهارات الرقمية؟ 

الجواب الجازم أننا للأسف لم نتمكن من بذل ما يكفي من الجهود لإعداد الكوادر البشرية الرقمية بالتوازي مع التطورات المتسارعة الحاصلة في عالم التكنولوجيا، حتى إن شركة كبيرة على مستوى العالم مثل «هواوي» يزيد عدد موظفيها على  194 ألفاً، تستمر جاهدة في رحلة بحثها عن مهارات بشرية ترتقي إلى متطلبات العصر الرقمي وتحدياته والتعامل مع أدواته خصوصاً في مجال البحث والتطوير، الذراع الأهم لإنتاج المزيد من الإبتكارات التقنية الحديثة لعصرنا الرقمي والتي قد تكون معقدة تماماً وتتطلب عقولاً إستثنائية ترتقي إلى احتياجات العالم الرقمي الجديد بالنسبة الى لأفراد والشركات.

الإنترنت للجميع

وبالنظر إلى الاستحقاقات المستقبلية، نعتقد في «هواوي» بأن هناك أولويتين لمنظومة العمل على جَسر الفجوة الرقمية خلال العام 2020 والمستقبل القريب، تبدأ أولهما بتوفير الاتصال للجميع بشكل متكافئ في جميع أنحاء العالم ليحصل كافة الراغبين بنهل العلوم واكتساب المعارف وتنمية مواهبهم وصقل مهاراتهم الرقمية على فرص متكافئة من خلال الانترنت، ويعني ذلك المساهمة في وصول الانترنت الى كافة المناطق النائية ووضعها في متناول يد مختلف الشرائح بشكل ميسر وبأقل التكاليف، إذ لا يجب النظر إلى الانترنت كأداة ترفيهية لا يحصل عليها إلا من يستحقها ويمتلك مصاريف الوصول إليها بل كحاجة أساسية وضرورة حياتية يجب على كافة الجهات المسؤولة العمل على توفيرها بشكل ميسّر للجميع.

وتتمثل الثانية بتمكين الجميع من الوصول إلى المنصات الفعلية المتخصصة بتطوير مهارات تقنية المعلومات والاتصالات، حيث لاتزال هناك صعوبة وتحديات يجب تجاوزها على صعيد توفير هذه المنصات ووصول المستحقين اليها.

وهنا يبرز دور الشركات المتخصصة والهيئات الحكومية والمؤسسات الدولية وكافة الأطراف الأخرى المعنية في العمل بشكل مشترك والتعاون المفتوح في إطار بناء بيئة عمل متكاملة لتنمية مهارات تقنية المعلومات والاتصالات، ما يتطلب تضافر جهود كافة المعنيين بتطوير المهارات الرقمية وتوفير التدريب اللازم على الأدوات الرقمية في بلدان منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك كوادر بشرية هائلة لابدّ وأن ينتج ثماراً مميزة لدى الاستثمار به وتوجيهه على الوجه الصحيح.

الاستعداد للتحديات

يجب علينا ألا نتهاون مطلقاً في مسألة إعداد العدة ووضع الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بالوفاء بمتطلبات المستقبل الرقمية من خلال المهارات البشرية، ويجب على الشركات ألا تتوانى في عملها عن دعم تحقيق هذا الهدف من خلال توليف برامجها للمسؤولية الاجتماعية والانفتاح الكامل على الآخر لتحفيز المزيد من قنوات العمل ضمن هذا الإطار.

يجب أن نتذكر دائماً بأنه مهما بلغت التكنولوجيا من تطور، فإن الفضل يعزى بالدرجة الأولى الى الإنسان والدماغ البشري وهو المحرك الأساسي لتطور التكنولوجيا وضخ المزيد من الابتكارات التقنية التي باتت تلعب اليوم دوراً كبيراً في الوصول الى نتائج التنمية الاجتماعية والاقتصادية المطلوبة، وليست دول منطقة الشرق الأوسط استثناء في هذا المجال بأي حال من الأحوال، بل على العكس تماماً لأن نجاح التحول الرقمي فيها أولوية، لكن الجيد في الأمر أن لدى بلدان المنطقة من المقدرات والقدرات الكفيلة بتحقيق كافة أهدافها في حال الاهتمام بالكوادر البشرية الرقمية ووضعها في الموقع الصحيح ضمن مسارات العصر الرقمي ومختلف سيناريوهاته المستقبلية.  

لمواكبة أولويات التنمية والتطوير وتحقيق أهداف الخطط والرؤى الوطنية الطموحة في دول منطقة الشرق الأوسط، لا بدّ وأن نضع مسألة تعزيز المهارات الرقمية ومعالجة العقبات التي تواجه الحكومات والمؤسسات والشركات التكنولوجية نصب أعيننا وفي مقدم جداول أعمالنا الحالية والمستقبلية القريبة، ولا شك بأن الأعمال الناجحة اليوم ليست تلك التي تعنى بتحقيق الربح فقط، بل تلك التي يتسع صدرها للمساهمة في تحقيق الأهداف الوطنية للبلدان التي تعمل بها، وفي مقدمها المساهمة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ولعل بلدان منطقة الشرق الأوسط بأمس الحاجة للتركيز على نهج تنمية المواهب الرقمية والاستفادة القصوى من التكنولوجيا لبناء جيل المستقبل القيادي الرقمي الجديد الذي سيتولى زمام أمور تحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية وبشكل يواكب تطلعات الشعوب وصالح البشرية عامة. 

* المدير الإقليمي للعلاقات العامة والإعلام في «هواوي» الشرق الأوسط