لبنان وضرروة اللجوء إلى صندوق النقد الدولـي

21.03.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

تشير التقديرات إلى أن لبنان يحتاج إلى ما بين 20 - 25 مليار دولار من الأموال الخارجية، سواء من المساعدات أم الاستثمارات كجرعة أولى لإيجاد الحلول الآنية لتجنب الانهيار الشامل، وللبدء بإعادة تثبيت الوضع الاقتصادي والنقدي والمالي.لضخ السيولة في الاقتصاد وتصحيح وضعية المصارف ضمن حدود مقبولة، وتسديد الدفعات المستحقة على سندات اليوروبوند توفير النقد الأجنبي المطلوب لإستيراد المواد الحيوية، وغير ذلك من احتياجات لإعادة الاستقرار النسبي الى السوق النقدية وفي سعر صرف الليرة اللبنانية.

الحصول على مساعدات

لكن باستثناء ما يقال بأن البنك الدولي على استعداد لتوفير مساعدة بنحو 400 - 450 مليون دولار لتمويل احتياجات غذائية وإنسانية، لا تبدو اليوم في الأفق استعدادات أو نوايا عربية لتقديم أي دعم يذكر، في ما ستبقى المساعدات والقروض الممكنة أوروبياً محدودة في أفضل الحالات، علماً أنه لا يمكن التعويل أيضاً ولو جزئياً على تقديمات مؤتمر «سيدر» المفترضة، والتي ترتبط بمشاريع واستثمارات محددة وستتطلب وقتاً غير قصير للبدء بصرفها.

بالنتيجة إذاً، يبدو اليوم أن لا خيار للبنان سوى التوجه نحو صندوق النقد الدولي طلباً للدعم والمساعدة، وذلك على الرغم من المواقف الداخلية، السياسية وغيرها، المعارضة للجوء إلى الصندوق والتي قابلها موقف فرنسي أخير بأن لا مفر للبنان من هذا الخيار والقرار وهو موقف أساسي، آخذاً في الاعتبار أن فرنسا تبدو حالياً الدولة الأوروبية الأكثر استعداداً لمساعدة ودعم لبنان.

اللجوء إلى صندوق النقد

الخطوة الأولى التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في هذا المجال بالطلب من الصندوق إرسال فريق خبراء للمشورة والمساعدة في وضع مخطط للبدء بمعالجة الأزمة الشاملة، وتقرير ما يجب القيام به في مجال تسديد استحقاقات سندات اليوروبوند، قد تكون بدورها مدخلاً إلى دور أوسع وأشمل للصندوق تحتمه ضرورات استقدام الدعم التمويلي الدولي، وتجنّب الانهيار المالي وثم الاقتصادي الأوسع، فهل سيكون لهذا الدور مساوئ اقتصادية وسيادية أيضاً كما يتخوف المعارضون له، وكيف يمكن موازنة ذلك مع نتائجه؟ ولعل البرامج التي قام الصندوق بوضعها لكل من مصر والأردن في السنوات الأخيرة قد تساعد على توضيح الصورة وإعطاء الأجوبة المطلوبة.

 بداية، لا بد من إيجاز كيفية عمل البرنامج الأساسي لصندوق النقد الدولي والذي يتمحور حول الاستدانة من الصندوق:

1 - عند الدخول في برنامج إصلاح اقتصادي يدعمه الصندوق من خلال تقديم التمويل الضروري، فإن على الدولة المعنية الموافقة على وضع برنامج إصلاح شامل يوافق عليه الصندوق ويقوم بمراقبة ومراجعة تنفيذه بشكل دوري.

2 - يكون للدولة المعنية مسؤولية اختيار وتصميم البرنامج وسياساته وتقديمه للصندوق بمثابة كتاب نوايا يتم الاتفاق على التمويل الضروري لتنفيذ برنامج الإصلاح ويقوم الصندوق بتوفير هذا التمويل على دفعات وطبقاً لمساعدة تنفيذ البرنامج الإصلاحي المتفق عليه.

3 - قد يضع الصندوق شروطاً أولية على الدولة المعنية اتخاذها قبل موافقته على الدعم التمويلي ومنها مثلاً وقف سياسات الدعم أو القيود على الأسعار أو تعديل الميزانية العامة بما يتناسب مع مخطط الإصلاح وغير ذلك.

4 - يتم الاتفاق على معايير ومؤشرات رقمية ومؤشرات قطاعية أخرى لاعتمادها في مراقبة مسار تنفيذ مخطط الإصلاح وتحقيق أهدافه المرحلية.

 التجربة المصرية

 وبالانتقال إلى أمثلة فعلية حول برامج الصندوق في كل من مصر والأردن ومسار تنفيذها ونتائجها:

- في العام 2016 وافق صندوق النقد الدولي على تمويله لمصر بقيمة 12 مليار دولار ضمن ما يعرف بـ «برنامج التمويل الموسع»

 (Extended Fund Facility) وهو ما يوازي نحو 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر في حينه.

- وصف صندوق النقد الاقتصاد المصري في حينه بأنه يعاني من ضعف هيكلي يتمثل في ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري مما أثر على القدرة التنافسية وأدى إلى استنزاف احتياطي العملات الأجنبية وعجز متكرر في الموازنة العامة نتيجة لإرتفاع تكلفة القطاع العام وسياسات الدعم الخاطئة، وتأثر القطاع السياحي بالوضع الإقليمي غير المستقر، وأوجه التشابه في كل ذلك مع وضع الاقتصاد اللبناني واضحة من دون شك:

1 - تضمن برنامج الإصلاح الذي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد خطوات أساسية ومؤلمة في بعضها لتصحيح الخلل وتحسين الإنتاجية والتنافسية، ومنها تعويم سعر صرف الجنيه المصري وتخفيض الدعم على المحروقات والطاقة وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وتخفيض عجز الموازنة والدين العام وخطوات متعددة لتحفيز القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال، ومجموعة سياسات وإجراءات لمساعدة طبقات المجتمع الفقيرة من خلال جزء من الوفر المتحقق في المالية العامة.

2 - إنتهى برنامج الثلاث سنوات المتفق عليه مع صندوق النقد في شهر يوليو 2019 بنجاح واضح بحسب الصندوق الذي قام في حينه بتسديد الدفعة الأخيرة من التمويل، علماً أن تنفيذ البرنامج تخلله خمس مراجعات من قبل الصندوق للتحقق من مسار الإصلاحات الموعودة.

3 - من أهم مؤشرات نجاح البرنامج بحسب أرقام صندوق النقد، ارتفاع نسبة النمو وتراجع الدين العام وانخفاض عجز الموازنة وكذلك العجز التجاري وعجز الحساب الجاري وارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر في انخفاض الدين الخارجي ونمو احتياطي العملات الأجنبية وذلك كما يتبين أدناه، علماً أن الموازنة العامة حققت في 2018/2019 فائضاً بواقع 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو هدف أساسي للبرنامج.

4 - نتيجة للنمو الذي تحقق خلال الفترة وتنامي الاستثمار الأجنبي المباشر، انخفضت نسبة البطالة من 12 في المئة في 2016/2017 إلى نحو 8 في المئة في 2018 بحسب آخر الأرقام المتوفرة.

5 - يبقى القول إنه نتيجة لتحرير سعر الصرف انخفض الجنيه المصري بشكل حاد في الربع الأخير من 2016 ليستقر بعد ذلك عند  مستوى 18 جنيهاً لكل دولار بالمقارنة مع 8.8 جنيهات كما كان عليه السعر الرسمي في بداية السنة.

التجربة الأردنية

بالانتقال إلى الأردن التي لها تاريخ طويل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وافق الصندوق أيضاً في العام 2016 على برنامج تمويل موسع لمدة ثلاث سنوات بقيمة 723 مليون دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي يهدف إلى تخفيض حجم الدين العام وإصلاح هيكلي واسع يحقق نمواً متكاملاً.

وكما بالنسبة الى مصر، أشار الصندوق إلى خطة إصلاح متكاملة أعدتها الحكومة الأردنية لتحسين شروط النمو المتكامل والمحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي وخلق فرص اقتصادية جديدة وفرص عمل وتقوية الثقة بالاقتصاد بشكل عام.

وجرياً على سياساته العادية، شدد صندوق النقد على ضرورة تخفيض حجم الدين العام تدريجياً خصوصاً من خلال الحد من الإعفاءات من الضريبة على المبيعات والرسوم الجمركية وتحسين أداء شركة الكهرباء ومؤسسة المياه لوقف اعتمادها على الدعم وتحسين إدارة المال العام والمحافظة على مستوى مناسب من احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.

معالجة مشكلة الدين العام 

ومن الأهداف الأساسية التي حددت في هذه المجالات، تخفيض الدين العام إلى 77 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع حلول العام 2021 وذلك مع المحافظة على المستويات المطلوبة من الإنفاق الرأسمالي وكذلك الإنفاق على البرامج الاجتماعية.

 وبمراجعة بعض المؤشرات الاقتصادية الأساسية المتوفرة منذ الدخول في البرنامج في شهر آب/أغسطس 2016 يتبين ما يلي:

1 - بلغ معدل النمو للفترة من 2016 إلى 2019، بحسب آخر الأرقام المتوفرة نحو 2.5 في المئة، وهو أقل مما كان مستهدفاً، أي نحو 3.7 في المئة، ويعزى ذلك إلى التحديات الإقليمية التي واجهت الأردن في الفترة المعنية، بخاصة تأثير النزوح.

2 - بعد انخفاضه في 2015 و 2016، اتجه مؤشر الأسعار الاستهلاكية إلى الارتفاع بداية من العام 2017 وبلغ معدل 80 في المئة سنوياً في 2017-2020 .

3 - اتجه العجز الإجمالي للقطاع العام إلى الانخفاض من 3.8 في المئة من الناتج المحلي في 2017 إلى ما يقدر بـ 3 في المئة في 2019.

4 - انخفض الدين العام الإجمالي من 94 في المئة من الناتج المحلي في العام 2017 إلى ما يقدر بـ 81.7 في المئة في العام 2019.

5 - كذلك، انخفض عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات من 12 في المئة من الناتج المحلي تقريباً في العام 2017 إلى 8.8 في المئة في العام 2020.

6 - يبقى القول إنه نتيجة لتحرير سعر الصرف انخفض الجنيه المصري بشكل حاد في الربع الأخير من 2016 ليستقر بعد ذلك عند  مستوى 18 جنيهاً لكل دولار بالمقارنة مع 8.8 جنيهات كما كان عليه السعر الرسمي في بداية السنة.

التجربة الأردنية

بالانتقال إلى الأردن التي لها تاريخ طويل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وافق الصندوق أيضاً في العام 2016 على برنامج تمويل موسع لمدة ثلاث سنوات بقيمة 723 مليون دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي يهدف إلى تخفيض حجم الدين العام وإصلاح هيكلي واسع يحقق نمواً متكاملاً.

وكما بالنسبة الى مصر، أشار الصندوق إلى خطة إصلاح متكاملة أعدتها الحكومة الأردنية لتحسين شروط النمو المتكامل والمحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي وخلق فرص اقتصادية جديدة وفرص عمل وتقوية الثقة بالاقتصاد بشكل عام.

وجرياً على سياساته العادية، شدد صندوق النقد على ضرورة تخفيض حجم الدين العام تدريجياً خصوصاً من خلال الحد من الإعفاءات من الضريبة على المبيعات والرسوم الجمركية وتحسين أداء شركة الكهرباء ومؤسسة المياه لوقف اعتمادها على الدعم وتحسين إدارة المال العام والمحافظة على مستوى مناسب من احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.

معالجة مشكلة الدين العام 

ومن الأهداف الأساسية التي حددت في هذه المجالات، تخفيض الدين العام إلى 77 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع حلول العام 2021 وذلك مع المحافظة على المستويات المطلوبة من الإنفاق الرأسمالي وكذلك الإنفاق على البرامج الاجتماعية.

 وبمراجعة بعض المؤشرات الاقتصادية الأساسية المتوفرة منذ الدخول في البرنامج في شهر آب/أغسطس 2016 يتبين ما يلي:

1 - بلغ معدل النمو للفترة من 2016 إلى 2019، بحسب آخر الأرقام المتوفرة نحو 2.5 في المئة، وهو أقل مما كان مستهدفاً، أي نحو 3.7 في المئة، ويعزى ذلك إلى التحديات الإقليمية التي واجهت الأردن في الفترة المعنية، بخاصة تأثير النزوح.

2 - بعد انخفاضه في 2015 و 2016، اتجه مؤشر الأسعار الاستهلاكية إلى الارتفاع بداية من العام 2017 وبلغ معدل 80 في المئة سنوياً في 2017-2020 .

3 - اتجه العجز الإجمالي للقطاع العام إلى الانخفاض من 3.8 في المئة من الناتج المحلي في 2017 إلى ما يقدر بـ 3 في المئة في 2019.

4 - انخفض الدين العام الإجمالي من 94 في المئة من الناتج المحلي في العام 2017 إلى ما يقدر بـ 81.7 في المئة في العام 2019.

5 - كذلك، انخفض عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات من 12 في المئة من الناتج المحلي تقريباً في العام 2017 إلى 8.8 في المئة في العام 2020.

وفي ما سار تنفيذ البرنامج من دون عقبات تذكر، فإن صندوق النقد لم يخف انتقاده في نهايته لبطء الحكومة الأردنية في تخفيض عجز الموازنة، وبالتالي الدين العام، ورغم ذلك ورغم قول وزير المالية الأردني في أواخر العام 2019 بأنه لا يقبل تعليمات من صندوق النقد، فقد بدأت الحكومة الأردنية مفاوضات جديدة مع الصندوق على «برنامج تمويل موسع» جديد لمدة ثلاث سنوات يهدف إلى استكمال ما تحقق، وبخاصة إلى تسريع النمو الاقتصادي.

حتمية الاستعانة بالصندوق 

أولاً: إن الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي في لبنان هو اليوم أسوأ بكثير من الوضع المماثل في مصر والأردن والذي دفعهما إلى التوجه نحو صندوق النقد الدولي، ولبنان لا يمكنه الخروج من أزمته من دون مساعدة الصندوق وهي مساعدة أثبتت جدواها ليس فقط في مصر والأردن كما سبق، وإنما في العديد من الدول الأخرى.

ثانياً: إن التوجه نحو صندوق النقد سيجبر لبنان على وضع خطة إصلاح وإعادة هيكلة اقتصادية شاملة والعمل الجاد على تطبيقها، وهو أمر لم يقو على القيام به حتى اليوم رغم الحاجة الملحة له منذ سنوات.

ثالثاً: إن البرنامج الإصلاحي الذي سيطلبه أو يقترحه صندوق النقد الدولي لقاء توفير التمويل والمساعدة سيشمل إجراءات صعبة ومؤلمة كما حدث في دول أخرى، منها ما يتناول الضرائب والدعم وتقليص القطاع العام وترشيد المؤسسات العامة وغير ذلك، لكن الأمر بكل بساطة هو أن هذه الخطوات والإجراءات لا بد منها عاجلاً أم آجلاً وعدم اعتمادها حتى الآن هو ما أدى إلى الانهيار الحالي، فلبنان عاش لسنوات طويلة بأكثر من طاقته ولا يمكنه الاستمرار كذلك.

رابعاً: إن دور صندوق النقد الدولي في لبنان، إضافة إلى البيئة الجديدة التي خلقتها الثورة الشعبية الشاملة سيكون عاملاً أساسياً في التغلب على ثقافة الفساد والهدر التي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم.

 خامساً: ولعل أهم من كل ما سبق، وفيما يواجه لبنان اليوم حالة عدم اكتراث من قبل الدول العربية والأجنبية والمستثمرين، ولا يمكنه بحسب المؤشرات الحالية الحصول على أي دعم أو مساعدات، فإن مجرد الدخول في برنامج انقاذ أو إصلاح مع صندوق النقد سيغير الصورة كلياً ويعيد الاهتمام إليه على الصعيد الإقليمي والعالمي.