إنجازات قطاع البترول المصري:
حرفية الإدارة ودعم القيادة

05.03.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عمر عبد الخالق

بدء التنقيب في البحر الأحمر، عودة «إكسون موبيل» للعمل بعد توقف سنوات عدة، توقيع عقود استيراد الغاز من قبرص وإسرائيل، تحقيق الإكتفاء الذاتي من الغاز، أحداث توالت في قطاع البترول المصري خلال الأشهر الماضية وترافقت مع توقيع عدد كبير من اتفاقات الاستكشاف والتنقيب في ظاهرة لم يسبق لها مثيل حتى في الدول التي تمتلك إحتياطات كبيرة من النفط والغاز، ولتصبح الإنجازات المحققة في قطاع البترول مشابهة لما تحقق في قطاع الكهرباء حيث تمكنت مصر من الانتقال من حال العجز إلى الفائض عبر إضافة 25 ألف ميغاواط خلال أربع سنوات تقريباً.

للإنجازات التاريخية في قطاع البترول عنوان رئيسي هو الحرفية العالية في إدارة القطاع بقيادة وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا، والقناعة والدعم من قبل القيادة السياسية ممثلة بالرئيس عبد الفتاح السيسي.

أكثر من 116 اتفاقية للإستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في دلتا النيل والبحر الأحمر والبحر المتوسط والصحراء الغربية وخليج السويس، وتمّ في السنوات الأربع الماضية توقيع 61 اتفاقية بإستثمارات حدها الأدنى نحو  ستة مليارات دولار مع إمكانية ارتفاع الرقم إلى 27 ملياراً وفقاً لتصريحات وزير البترول والثورة المعدنية طارق الملا الذي كان يشير دائماً بعد توقيعه الإتفاقات إلى «أن حرص شركات البترول العالمية على ضخ المزيد من الاستثمارات والتوسع في أنشطتها في مصر يعدّ شهادة ثقة في المناخ الاستثماري في مصر بصفة عامة وفي قطاع البترول بصفة خاصة». 

وتحولت مصر خلال الأعوام الخمسة الماضية إلى ساحة للتنافس على عقود التنقيب بين كبرى الشركات العالمية حيث تعمل في مصر اليوم أكثر من 53 شركة دولية أبرزها «روسنفت»، «إيني»، «شل»،«بي.بي» ،«مبادلة» ،«شيفرون» ،«وينترشال»، «توتال» وغيرها، بالإضافة إلى مئات شركات الخدمات. 

وكان آخر تلك الشركات «إكسون موبيل» الأميركية التي عادت للعمل في مصر بعد غياب لسنوات عبر توقيعها اتفاقيتي استكشاف مطلع العام الحالي بدعم قوي من وزير الطاقة الأميركي ريك بيري الذي أعلن مراراً عن تشجيع الشركات الأميركية على الإستثمار في مصر مشيداً بما يشهده قطاع الطاقة من تطور خصوصاً على صعيد التعاون الإقليمي والدور المحوري في منتدى غاز شرق المتوسط.

كذلك أعلن الوزير الملا منذ أيام عن إنجاز الاتفاق المبدئي مع اربع شركات عالمية للتنقيب عن النفط والغاز العام 2021 في البحر المتوسط في سبع مناطق وهي ستكون المرة الأولى للعمل في غرب المتوسط.

الإنتاج في وقت قياسي 

وبرزت ظاهرة أخرى في قطاع النفط المصري إلى جانب عدد الاتفاقات وهي السرعة الكبيرة في تطوير الحقول، ولم تقتصر هذه السرعة على حقل ظهر العملاق الذي تم وضعه على الإنتاج في فترة قياسية هي 22 شهراً. في حين أن حقل «ليفياثان» في إسرائيل مثلاً، اكتشف العام 2011 ولم يبدأ الإنتاج إلا في 2019، وحقل «أفروديت» القبرصي أكتشف في 2011 ومن غير المتوقع بدء الإنتاج قبل العام 2024. 

وساهم قطاع البترول في تحقيق فائض في الميزان التجاري المصري للمرة الأولى خلال السنة المالية 2018-2019 حيث بلغت مساهمته في الناتج المحلي نحو 27 في المئة.

ولم تكن مصر لتحقق الإكتفاء الذاتي من الغاز وتبدأ التصدير لولا ثقة الشركات العالمية في إدارة القطاع، وقد نجحت في توفير معظم العوامل المؤثرة في جذب الاستثمارات وتشمل الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، الإطار التشريعي والقانوني، والبنية التحتية. ونجحت مصر في اتباع سياسة براغماتية في التعاطي مع النزاعات ساعدها على تعزيز الاستقرار الأمني والسياسي وعزز ثقة الشركات الدولية بقدرتها على حل أي نزاعات قد تظهر في المستقبل. وللبراغماتية التي اتبعتها مصر أمثلة عدة أبرزها حل قضية جزيرتي «تيران» و«صنافير» في البحر الأحمر بعد اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية العام 2016 ما فتح المجال أمام مصر لتوقيع عقود تنقيب في البحر الأحمر واكتشاف مكامن جديدة في منطقة لم تكن تستغلها في السابق، وتمكنت مصر أيضاً من تحقيق نجاح ديبلوماسي آخر تمثل بتسوية نزاع الغاز مع هيئة كهرباء إسرائيل وتخفيض التعويض المتوجب عليها  وفقاً لحكم صادر من غرفة التجارة الدولية من أكثر من  ملياري دولار إلى 500 مليون دولار على أن تسدده مصر على دفعات تمتد إلى ثماني سنوات ونصف. 

الإطار التنظيمي والتشريعي

كذلك، تمكنت مصر من وضع إطار تنظيمي واضح للقطاع وهي بدأت بتنفيذ مشروع تطوير وتحديث قطاع البترول على ثلاث مراحل حيث تضمنت المرحلة الأولى الدراسة التشخيصية وكانت خلال الفترة بين يونيو وأكتوبر العام 2016، والمرحلة الثانية الخطط التفصيلية التي نفذتها مابين مايو2017 وديسمبر 2019، والمرحلة الثالثة والتي تتضمن مرحلة التنفيذ وقد بدأت في يناير الحالي وتنتهي في يونيو من العام 2021. تهدف هذه الخطة إلى إحداث تغيير شامل في مختلف أنشطة قطاع البترول وتنمية الكوادر البشرية وتطوير الهيكل التنظيمي الحالي للقطاع، والفصل بين الهيئات المعنية بوضع السياسات وتلك التي تلعب الدور التنظيمي والتنفيذي، ووقف ازدواجية الصلاحيات بين الأجهزة المعنية المختلفة وتطوير نظم ومعايير الحوكمة.

وفي موازاة تطوير القوانين استكملت مصر الخطوات اللازمة لتحرير سوق الغاز الطبيعي التي بدأتها العام 2017 لتصبح السوق حرة بالكامل في حلول العام 2022، وستسمح هذه الخطوات للقطاع الخاص بإستيراد وتداول الغاز الطبيعي في السوق المحلية كشريك للحكومة التي تعتبر اللاعب الوحيد في سوق الغاز في مصر. 

إلى جانب كل ما سبق، عزز ثقة المجتمع الدولي بمصر تمكّنها مطلع العام الحالي و«من اللحم الحي» سداد جميع المستحقات المتأخرة منذ سنوات لشركات النفط الأجنبية المتراكمة منذ ثورة يناير 2011 والتي وصلت إلى 6.3 مليارات دولار في السنة المالية 2011-2012، وكان تصريح محافظ البنك المركزي طارق عامر واضحاً في هذا المجال، إذ أشار إلى أن مصر التزمت بتسديد كل المستحقات المتراكمة وفقاً للجدول الزمني المتفق عليه مع الشركات الأجنبية، مشيراً إلى أنه لولا هذا الالتزام  لم تكن الشركات العالمية لتعود إلى مصر مجدداً للتنقيب عن النفط والغاز  .

البنية التحتية 

وتأتي القدرة على تصدير الإنتاج في مرتبة متقدمة في سلم أولويات شركات النفط العالمية بعد الاستقرار السياسي والتنظيمي وهو ما تمكنت مصر من تأمينه عن طريق بنية تحتية متطورة ساهمت في تحويلها إلى مركز اقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول. وبنت الشركات سياساتها الاستثمارية وخططها المستقبلية في مصر انطلاقاً من قدرتها على تصدير الإنتاج والوصول إلى الأسواق العالمية خصوصاً وكون حاجة الأسواق المحلية المصرية للغاز تأتي من حصة الدولة المصرية وفقاً لإتفاقات تقاسم الإنتاج مع الشركات.

وأبرز مقومات البنية التحتية المصرية محطتا التسييل في «إدكو» و «دمياط» إلى جانب خطوط الأنابيب التي تربط مصر من شمالها إلى جنوبها، وتبلغ طاقة المحطتين الانتاجية نحو ملياري قدم مكعب يومياً، وتضم المحطتين موانئ لتصدير الغاز واستقبال الناقلات ومستودعات للتخزين.

كذلك، تمكنت مصر من تنفيذ مشاريع جديدة عدة لتطوير صناعة التكرير ما يمكنها من زيادة طاقة التكرير بالمعامل المصرية إلى أكثر من 41 مليون طن سنوياً ومن رفع حجم إنتاجها من البتروكيماويات، ونجحت مصر في تنفيذ خمسة مشاريع توسعة لمعامل التكرير القائمة ومجمع لإنتاج البنزين والسولار في أسيوط بإستثمارات تقارب 4.5 مليارات دولار، وهي تقوم الآن بتنفيذ أكبر مشروعين لتكرير البترول في الصعيد بإجمالي استثمارات يصل إلى نحو 2.3 مليار دولار. وتسعى الوزارة إلى تطوير مجمع العلمين للتكرير بإستثمارات تفوق8.5 مليارات دولار.

مركز إقليمي للغاز

وبدأت مصر بتطبيق سياستها الهادفة إلى التحول إلى مركز إقليمي للغاز وكانت أولى ثمار هذا التوجه بدء اسرائيل بتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر مطلع العام الحالي بواقع 200 مليون قدم مكعب يومياً في اتفاق تبلغ قيمته نحو 20 مليار دولار ويمتد لمدة 15 عاماً. ووقعت مصر اتفاقية مع قبرص لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز من حقل «أفروديت» إلى محطة «إدكو» للتسييل تمهيداً لتصديره مرة أخرى إلى أوروبا، ومن المتوقع أن يبدأ التصدير فعلياً العام 2022.

كذلك، نجحت مصر في التوسع في العلاقات الدولية البترولية عن طريق الدخول كعضو مؤسس في منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يهدف الى الاستغلال الأمثل للبنية التحتية في مصر بخاصة محطات التسييل بالإضافة الى إنشاء خط أنابيب «إيستميد» لإيصال الغاز إلى أوروبا. هذه الإنجازات أبرزت قوة النموذج التنظيمي والتشريعي والإصلاحي المتكامل الذي ساهم في جذب الإستثمارات ودعم الاقتصاد وحوّل مصر إلى مركز إقليمي ما يشكل حافزاً لدول المنطقة للإستفادة منه من أجل الاستغلال الأمثل لمواردها.