حاكمية مصرف لبنان
تدخل طوعا المطب السياسي

14.01.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

تكاد "كرة" الصلاحيات الاستثنائية التي طلبها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن تصرف الاهتمام عن جوهر الازمة المستعصية التي يعانيها لبنان، والمتمثلة أصلا باختلال بنية الدولة في ظل الشغور الصريح في الوضع الحكومي العالق بين عجز عن تأليف حكومة جديدة وبين معوقات موضوعية و "حراكية" تحول دون تعويم الحكومة المستقيلة.

ومن الواضح أن مبادرة سلامة الهادفة إلى الحصول على "تغطية مسبقة" تمكنه من تقوية موقعه في التخفيف من هلع المدخرين والاضطراب الشديد في الاسواق، أدخلته في "فخ" التجاذبات الداخلية. وبذلك تحول مبتغى الصلاحيات إلى مرمى سهام مراكز القرار السياسي، وبما يتجاوزه إلى شخص الحاكم وجل ما نفذه من عمليات وهندسات سابقة للأزمة وما اتخذه من اجراءات في مقاربة نتائجها التي تتفاعل وتتفاقم يوميا في التعاملات داخل ردهات المصارف وفي التبادلات النقدية خارجها.

الحملة على سلامة

في المبدأ، يمكن الجزم بأن الكتاب المرسل إلى وزارة المال لم يلق أي استجابة في ظل التعقيدات السياسية والتيه الذي يطغى على المواقف جراء الضباب الكثيف الذي يكتنف وضعية الحكومة العتيدة. وفي المعلومات أن المرجعية الرئاسية ترفضه وتؤثر أن تنظر وتبت مسبقا بأي تدابير ذات طابع مالي أو نقدي يتخذها البنك المركزي. بينما تجد المرجعية التشريعية أن الاستزادة في الصلاحيات ليست بيد وزير المال وحده، بل تتعداه إلى مجلس الوزراء مجتمعا أو عبر مرسوم جوال ممهور بتواقيع الوزير ورئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس الجمهورية.

المصادر المقربة من رئيس الجمهورية وسعت، على ما يظهر، من نطاق ومضمون الحملة على سلامة، ولم تتردد في الإفصاح عن تمرير التمديد له في السنة الأولى للعهد خلافا لموقفها ورغبتها، انما استجابة لمواقف داخلية وخارجية ضاغطة وداعمة. ومن الواضح أن الفريق الرئاسي لا يستسيغ فقط موضوع الصلاحيات المنشودة، بل يطلب وضع الصلاحيات والقرارات المخولة قانونا تحت راية الحكم لجهة المشاركة في القرار النقدي، لا سيما في ظل الأوضاع والمخاوف من سرعة التدهور وخطر بلوغ خط الدولة الفاشلة.

المرجعية التشريعية بينت موقفها الصريح خلال لقاء الرئيس نبيه بري مع وفد نقابة الصحافة، وخلاصته: "لا يمكن إعطاء مصرف لبنان صلاحيات استثنائية في غياب الحكومة". ورأى "إن خمسين في المئة من أسباب التدهور الاقتصادي سببه سياسي صرف، أعطونا حكومة إنقاذيه وأؤكد لكم أن إنقاذ لبنان ممكن ووقف الإنحدار ليس صعباً. السياسة هي الأساس! وأضاف "ليس واردا عندي إعطاء أي صلاحيات استثنائية لأي حكومة طالما المجلس النيابي حاضر لتلبية الطلبات".

في قراءات المصرفيين، أن مقابلة الحاكم مع قناة MTV  يوم الخميس الماضي، أوقعته في التباسات ساهمت في زيادة توتير الأسواق لا في تهدئتها. وكتاب الصلاحيات أظهره كهاو في ملعب محترفين يتقنون تقاذف كرة النار واختيار الحضن الذي يتوافقون على إيداعها لديه. فالحاكم لم يشر فعلا إلى إمكانية تحويل عملة الودائع من الدولار إلى الليرة، إنما صرح على مسامع كل المشاهدين، بأن البنوك غير ملزمة تسديد السحب النقدي بالدولار بل بالليرة. والمقصود حكما عمليات "البنكنوت"، لكن يحق أن يذهب التأويل إلى الأبعد. أما توسيع الصلاحيات فقد جوبه برفض وتشكيك عارمين.

العلاج بيد السياسيين 

في الخلاصة: يعلم الحاكم أن إشهار الحقيقة كاملة يعفيه من حراجة الوضعية التي بلغها . ويدرك أن تأخير "الضرب" بيد الاستقرار الصعب يحيل التداعيات المحققة الى المسؤولين الفعليين عنها. المطلوب مراجعة نقدية لما سبق ولما لحق، بما يشمل وضع نقاط المصارحة على حروف الوقائع النقدية ومخاطبة الناس بلغتهم، بعدما تأكد الجميع أن دولار الصيارفة بات يتحكم بمفاصل الحياة اليومية للناس ولقطاعات العمل والإنتاج وأسواق البيع والشراء والاستهلاك.

هل فات الأوان؟ يأمل المصرفيون بتحفظ: "بدء العلاج بيد السياسيين. فإن جرى حسم الموضوع الحكومي، يصبح للتدابير الوقائية مفعول مزدوج في تهدئة المتعاملين والأسواق وفي إعادة هيكلة القطاعات وترتيب انشطتها وفقا لمقتضيات "اقتصاد الطوارئ". الأهم هو الوقت حالياً وليس في الترقبات القريبة ما يطمئن حقيقة...