عدنان يوسف:
رجـل «البـركـة»

23.12.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عاصم البعيني

عدنان يوسف مصرفي معروف في الأوساط العربية والدولية، ولاسيما في مجال الصيرفة الإسلامية، إذ إنه يشغل مركز الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية والتي يرأسها رجل الاعمال السعودي المعروف الشيخ صالح كامل. 

ويجمع عدنان يوسف بين كفاءة مهنية عريقة وشخصية محببة يشهد له بها كل من عمل معه وعرفه عن كثب، فهو ابن عائلة أعمال بحرينية عريقة، وهو مهني دؤوب، يجوب العالم ليواكب نشاطات المجموعة ويتفاعل مع قياديها عن كثب.

ومن يزور مكاتب المجموعة في العاصمة البحرينية يكتشف ان المبنى العصري الذي تشغله والذي يوازي أحدث المراكز المصرفية في العالم، يعكس شخصية عدنان يوسف وشخصية مجموعة البركة المصرفية بشكل عام.

يرد  عدنان يوسف جزءاً مهماً من ثراء تجربته إلى انطلاقته في المؤسسة العربية المصرفية، حيث عمل بشكل لصيق تحت قيادة رئيسها عبد الله السعودي، وشكلت المؤسسة المحطة الأهم في مسيرة يوسف لجهة صقل تجربته بالنظر إلى ما ضمته من ثقافات مهنية متنوعة مصدرها انتشارها في أسواق عدة إمتدت من آسيا وأوروبا إلى الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية، وترافق ذلك مع تنوع في الخدمات والمنتجات، وذلك إلى جانب قربه من الأسواق العربية وما كوّنه فيها من علاقات وطيدة. 

الرئيس الشاب 

سريعاً، أثبت يوسف قدرة على التماهي مع تطلعات المؤسسة العربية وقيادتها رغم تجربته الفتية، وجرى تكليفه في العام 1986 من قبل عبد الله السعودي بتأسيس ذراع إسلامية وتولي الإشراف عليها، وهنا يقول:«كان هناك حرصٌ على التقيد بدقة بالشريعة وتعاونت مع كبار الفقهاء في تلك المرحلة، وكان التحدي الأهم يكمن في تقديم منتجات ذات قيمة مضافة، غير إن الثقة التي تحظى بها المؤسسة العربية المصرفية كإسم تجاري مرموق، شكّلت عامل دعم مهماً في انطلاقة مصرفنا الإسلامي التابع في البحرين»، وقبل ذلك، خاض عدنان يوسف تجربة امتدت لنحو خمس سنوات مع «أميركان إكسبرس» الذي دخل منطقة الخليج في ظل الفورة النفطية وكان يملك تحت مظلته مؤسسات متنوعة في قطاعات عدة، ما أكسبه خبرات مهمة.    

من الحديث عن البدايات يُعرّج يوسف على مرحلة مهمة إذ يقول:« عاصرت مجموعة من المصرفيين والمؤسسين المخضرمين ممن كانوا يتمتعون برؤية مستقبلية واضحة، كان انغماسهم في العمل المصرفي العربي يأتي في مقدم أولوياتهم، لذلك، كنا نرى إنخراطاً أكبر لتلك المؤسسات كما هي الحال مع المؤسسة العربية المصرفية في تمويل مشاريع امتدت من موريتانيا إلى سلطنة عُمان»، أما الجيل الثاني فلم يكن متشبعاً بهذه التوجهات، إذ طغى الجانب الفني لديه على الرؤية العامة». 

ويضيف:« في تلك الفترة كنتُ الأصغر سناً بين مجموعة من العمالقة ممثلاً بنك المؤسسة المصرفية العربية رئيساً لمجلس الإدارة، فاكتسبت منهم الكثير وكان من بينهم المرحوم علي محمد نجم الذي تولى قيادة مصارف مصرية عدة قبل توليه مهام محافظ البنك المركزي المصري، محمود عبد العزيز الرئيس السابق للبنك الأهلي المصري، الوزير اللبناني أنور الخليل وغيرهم من الأسماء اللامعة. 

قصة البركة

قبل قدومه إلى مجموعة البركة، كانت مصارفها تعمل تحت أسماء عدة قبل أن يجري دمجها تحت اسم موحد وتصبح مؤسسة مصرفية مترامية الطرف، يعود عدنان يوسف إلى بدايات تلك المرحلة بالقول:« في فبراير من العام 2000، قدمت للشيخ صالح كامل ورقة عمل تضمّنت خطة للتحول والنتائج التي نتطلع إلى تحقيقها، آنذاك كانت الصورة واضحة بالنسبة لي حول الأولويات والأهداف المرحلية وكيفية تحقيقها، واليوم وبعد مرور نحو عقدين، نستطيع القول إن كافة البنود التي تضمنتها تلك الورقة أصبحت واقعاً، فالمؤسسة التي انطلقت من 132 فرعاً في العام 2003 باتت تملك أكثر من 703 فروع بمعدل نمو بلغ 36 فرعاً في كل عام، وارتفع عدد الموظفين من 3233 إلى 12695 موظفاً، وبلغت أرباح العام الماضي نحو 217 مليون دولار، ولو تمّ تحييد تأثر تقلب أسعار العملات الأجنبية في الأسواق الخارجية، لكانت الأرباح وصلت إلى نحو 573 مليوناً. 

وتظهر مختلف المؤشرات المالية الرئيسية للمجموعة نمواً معتدلاً مستمراً ما بين العام 2003 ونهاية سبتمبر الماضي، إذ قفز إجمالي التمويلات والاستثمارات من 2.7 إلى نحو 19.1 مليار دولار بمعدل سنوي يبلغ 13 في المئة، وارتفعت حقوق المساهمين من 490 مليون دولار إلى 2215 مليار دولار بمعدل نمو بلغ 10 في المئة، وارتفع إجمالي الدخل التشغيلي من 182 إلى 677 مليون دولار بنسبة نمو مماثلة. 

ارتفع عدد فروع مجموعة البركة من 132 فرعاً إلى 703 فروع

تمويل التوسعات

بين المحطات المهمة في مسيرة البركة، يتوقف يوسف عند الطرح الأولي لأسهم المجموعة وإصدار الصكوك، ويوضح أن تلك الخطوات كانت من بين العناصر التي تضمّنتها ورقة العمل المشار إليها، إذ جرى الطرح الأولي في العام 2006، وتطلعنا لجمع نحو 300 مليون دولار، لكن الاكتتاب جمع نحو 900 مليون أي ثلاثة أضعاف المبلغ المطلوب، فدخل على إثر ذلك مجموعة جديدة من المساهمين فيما انخفضت حصة الشيخ صالح كامل إلى نحو 30 في المئة.

وبعد نحو عقد جرى إصدار صكوك في وقت لم تكن فيه هذه الأداة شائعة الاستخدام كمصدر للتمويل، ومع ذلك حققت هي الأخرى نجاحاً لافتاً، إذ بلغ حجم الإصدار نحو 400 مليون دولار مستقطبة ثلاثة إلى أربعة أضعاف المبلغ المطلوب، وشكّلت هاتان الخطوتان أساساً مهماً لتمويل التوسعات. 

إدارة مُحكمة

يقول يوسف:«في المحصلة نجحنا في بناء مؤسسة بتناغم وتعاون بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والوحدات خارج البحرين، معتبراً أن هذا التناغم شكّل أحد مقومات النجاح، وحرص الرئيس التنفيذي على اعتماد إدارة مُحّكمة تبقي المؤسسة الأم على إطلاع بتفاصيل كافة المؤسسات التابعة، كان من بينها أن يكون متواجداً شخصياً في تركيبة مجالس إدارات مختلف المصارف التابعة بما يمكّنه من البقاء على إطلاع عن كثب على التطورات الحاصلة فيها. 

كذلك، جرى منذ العام 2000 تكريس مبدأ الاجتماعات الاستراتيجية السنوية للمجموعة وكافة وحداتها التابعة والتي تعقد في شهر ديسمبر من كل عام، ويبدأ التحضير لها من خلال إعداد الميزانية التقديرية للعام التالي منذ شهر نوفمبر من كل عام، إلى جانب إعداد خطة العمل لمدة أربع سنوات، مع التأكيد على أهمية هذه الاجتماعات في تعميق العلاقات وتبادل الخبرات وتطوير المنتجات وغيرها.  

ويضيف يوسف عنصراً آخر يتمثل بتبني المؤسسة الأم في البحرين مفهوم الشركة القابضة التي ركّزت على إدارة المصارف التابعة من دون الدخول في تفاصيل طرح وتصميم المنتجات. كافة هذه الخطوات بحسب يوسف نجحت في تكريس معايير إدارية قائمة على الحوكمة وتحقيق عدم تعارض المصالح.  

 وصفة النجاح 

شكّل التوسع أحد أبرز معالم نجاحات مجموعة البركة المصرفية، والأهم أن التوسعات استمرت على وتيرتها حتى بعد مرحلة الأزمة المالية العالمية، في وقت كانت فيه مؤسسات مصرفية ومالية عدة قد تخلت عن التوسع الخارجي. وفي هذا السياق، يلخص يوسف وصفة النجاح تلك بالإنطلاق من التوسع المدروس وكذلك مدى قدرة الأسواق المستهدفة على النمو، مشيراً إلى أن اقتصادات الدول العربية حيث تتواجد المجموعة حققت أيضاً نمواً جيداً على مدى السنوات الماضية رغم الظروف السياسية التي مرّت بها بعض البلدان. 

إلى ذلك، تبدو طموحات يوسف بنقل البركة إلى أسواق جديدة لا تعرف حدوداً، إذ يقول نجحنا في أسواق شمال أفريقيا العربية، فبعد التواجد في مصر وتونس والسودان والجزائر وليبيا والمغرب، بالإضافة إلى تجربتنا المشجّعة في جنوب أفريقيا، حيث تملك المجموعة عشرة فروع هناك، نتطلع إلى تعزيز تواجدنا في شرق أفريقيا في دول كتنزانيا وكينيا وأوغندا، نظراً الى كون أنظمة هذه الدول مشابهة لأنظمة دولنا كما إنها دول أقرب إلينا في المسافة مقارنة بدول غرب أفريقيا. 

خطة التحوّل التي وضعتها قبل عقدين باتت واقعاً بدعم من الشيخ صالح كامل   

تصويب الصيرفة الإسلامية 

نظراً الى خبرته في العمل المصرفي الإسلامي من الطبيعي أن يتطرق الحديث إلى تقييم هذه التجربة، ولا يتردد يوسف بالقول إنه ومنذ مرحلة التسعينات التي أخذت فيها المصارف الإسلامية تشهد ازدهاراً، فقد استقطبت إليها شريحة هدفت إلى تحقيق الربح أكثر من إيمانها بالنموذج الحقيقي الذي قامت عليه هذه الصناعة، وهو ما أثّر على فلسفة المصارف الإسلامية، ويخلص يوسف إلى القول نحن الآن، ولاسيما على صعيد مجموعة البركة المصرفية وبقيادة الشيخ صالح كامل أمام مرحلة تصحيح للصيرفة الإسلامية، عبر تصويب استخدام بعض المنتجات وإضفاء المزيد من الزخم عليها، إذ إن هناك شريحة واسعة منها لا بدّ من أن تواكب التغيرات الاقتصادية بعد أن مرور سنوات عدة على طرحها ووضع إطار شرعي لها. 

هذا الواقع يفتح الباب على المراحل الأولى، إذ يقول يوسف إنه لا بدّ من استذكار عدد من الشخصيات التي ساهمت في وضع أسس هذه الصناعة، ويأتي في مقدمهم الشيخ صالح عبد الله كامل والأمير محمد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، وسعيد بن أحمد لوتاه من الإمارات وأحمد بزيع الياسين من الكويت، مشيراً إلى الدور المؤثر الذي لعبه الشيخ صالح كامل من خلال «ندوة البركة» السنوية في مناقشة الطابع الشرعي وإصدار الفتاوى الشرعية الخاصة بمنتجات عدة أصبحت في ما بعد في صلب عمل المصارف الإسلامية. ويشير يوسف إلى الدور الذي لعبه مصرف البحرين المركزي في العام 1985 بتأسيس قسم خاص للرقابة على المصارف الإسلامية والتشجيع على تأسيسها، معتبراً أنه لولا اتخاذ مملكة البحرين هذه الخطوة لما كانت هذه الصناعة على ازدهارها اليوم. 

صناعة أكثر مؤسسية 

من جهة أخرى، يرى يوسف بأن المعايير المحاسبية الخاصة بالصناعة المصرفية الإسلامية دخلت مرحلة النضوج وباتت تضاهي نظيرتها الخاصة بالمصارف التقليدية والصادرة عن لجنة بازل أو غيرها، متناولاً أهمية الدور الذي تلعبه هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية «أيوفي» سواء لجهة شرحها المفصّل للمعايير الخاصة بالصناعة أو التوسع في وضعها سلّة من المعايير التي تتجاوز تلك المحاسبية ومن بينها الالتزام والحوكمة وغيرهما، وهنا يتوقف يوسف عند المعايير المحاسبية الدولية المتعلقة بالمصارف التقليدية، مشيراً إلى أنه رغم التجربة الثرية التي توفرها على اعتبار أنها تعدّ «أفضل الممارسات» غير إنها صدرت في بيئة اقتصادية مختلفة عن بيئتنا المحلية، وبالتالي لا بدّ من وضعها في أطر تتلاءم مع بيئتنا.