لبنان: إنقلاب.. بالمقلوب؟

23.12.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف
عنوان أساسي يختصر كل ما يضجّ به اليوم الإعلام والشاشات وهو: حكومة حسان دياب المنتظرة بعد زيارة ديفيد هيل التي انطوت على انطباعات غير منتظرة. 
وفي الصورة مشهدان يعكسان انقلابين على الأقل ينبغي الوقوف عندهما. 
الأول: إنقلاب مزدوج في موقف حزب الله من حكومة الإختصاصيين والأهم في موقفهم من الضيف الأميركي الأخير. فليس تفصيلاً على الإطلاق أن الحزب الذي كان يتّهم ثوار 17 تشرين أو على الأقل جزءاً منهم بأنهم محرّكون من سفارات وينصاعون لأجندات خارجية ولا سيما أميركية، هو نفسه اليوم الذي أطلّ وزيره في حكومة تصريف الأعمال محمود قماطي في حديث صحفي ليصف مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط ديفيد هيل بأنه "براغماتي" وبأنه لم يجد ثغرة دستورية في تكليف الدكتور حسان دياب تشكيل الحكومة. ويرى قماطي "أن الأميركيين يريدون التعاطي مع حكومة قادرة على الإصلاح والانقاذ".  وبرأيه، لهذا السبب "أعطى الرئيس المكلف مواصفات لحكومة تتجاوب مع مطالب الخارج، سواء الأميركي أو الأوروبي أو الخليجي، ولطمأنتهم بأنها ستكون حكومة إصلاحية بعيدة من الكيدية السياسية." وأكثر من ذلك يطمئن قماطي أن لا مصلحة لأميركا أو لأوروبا في أن ينهار لبنان وأن تعمّ فيه الفوضى". 
هذا الإنقلاب الواضح في النظرة والموقف من "الأميركي" الذي لطالما اتُّهم من قبل فريق الثامن من آذار بسوء نواياه وبأن إشادته "تهمة" وتهمته "نيشان"، ترافق أيضاً مع إنقلاب مفاجىء لموقف حزب الله من حكومة الإختصاصيين المستقلين. هذه الحكومة التي وصفها سابقاً أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بأنها لن تمر وإذا مرّت فلن تصمد، وتحدّى بأن من ينادي بها هو نفسه الذي سيلفظها بعد اسبوعين من تشكيلها إذ انها غير قابلة للعيش في ظرف مماثل للذي يعيشه لبنان. فما الذي تغيّر حتى يبدّل الحزب رأيه وينقلب على تصاريحه السابقة، وبات يسوّق لنية الرئيس المكلّف بتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين تماماً، متمنياً له النجاح بذلك. وقد أبدى قماطي صراحةً "استعداد الحزب لتسهيل مهمة الرئيس المكلف في كل الاتجاهات، لجهة الاختصاصية والاستقلالية".
ثانياً: الإنقلاب الناعم إذا جاز التعبير في اللهجة الأميركية حيال لبنان والتي تبدّلت بين ليلة الإستشارات وضحاها حين وصل ديفيد هيل إلى بيروت على وقع تكليفٍ مباغت تصدّر عناوين الإعلام الغربي الذي أجمع على أنه "تكليف من حزب الله". إلا أن حركة هيل ومواقفه جاءت هادئة بعكس ما كان متوقعاً. وهيل الذي أتى بعد زميله ديفيد شينكر صاحب السقوف العالية إزاء المسألة اللبنانية قال لمن التقاهم: أعطوني أسماءً مقبولة وغير مستفزة في الحكومة وخذوا منا دعماً وتسهيلاً". واللافت أن هيل لم يحرّض على حزب الله وهذا أمر مستغرب جداً إذ لا يُعقل أن يتحدث هيل بغير لغة وزير خارجيته مايك بومبيو رئيس الدبلوماسية الأميركية الذي يتعامل عادةً مع حزب الله من دون دبلوماسية فلا يخفي تشدده حيال الحزب ولا يوفر مناسبة للهجوم الشرس عليه.  
إزاء كل ما تقدم، يمكن القول أن ما حُكي عن انقلاب نفذه فريق رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي عبر تسمية حسان دياب لتكليف الحكومة تحت أعين ديفيد هيل وعلى وقع زيارته بيروت، قابله أيضاً إنقلاب "بالمقلوب" من الأطراف نفسها. 
والأسئلة هنا مزدحمة: هل يمكن أن يكون ترسيم الحدود هو القطبة المخفية "المعلومة"، والملف "السحري" في لعبة شد الحبال الحكومي؟ وماذا عن اعتبار "التسهيل الحكومي" كأحد نتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية بمسعى عُماني؟ 
وفي المقابل: هل يمكن القول إن طريق الرئيس المكلف باتت سالكة أمام التأليف الصعب، وخصوصاً مع انسداد طريق الشارع السني أمام الدكتور حسان دياب؟  
وماذا عن موقف المملكة العربية السعودية التي قاطعت أصلاً الإجتماع الدولي حول لبنان في باريس، وهي حتى الساعة تلتزم الصمت الرسمي حيال مسألة التكليف. فهل الصمت السعودي علامة الرضى أم الرفض؟ الجواب لناظره قريب.