إخجلوا..

17.12.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف
"بدنا ناكل، وآخر همنا مين بيشكل الحكومة".هذه الحرقة النابعة من صميم قلب أحد الطرابلسيين تختصر كل حكاية العوز والجوع في تلك المدينة وأخواتها. وما زال كثيرون يؤكدون أن "الآتي أعظم".. فما الذي سيكون أعظم من الجوع حتى الموت أو الموت والانتحار رفضاً للجوع؟ 
لعلّ من أبرز حسنات ثورة 17 تشرين الأول أنها فضحت الكثير من المستور الموجع، فأضاءت على واقع إجتماعي مرير كان مطموساً، وعلى حالات إنسانية دُفن ضحاياها أحياءً في مقابر الفقر والبؤس والحرمان.. 
وعندما كانت عدسات الإعلام تنقل مشاهد مفجعة لمواطنين يعيشون "من قلة الموت" بانتظار موتٍ قد يكون أرحم، فاض كل ذلك الوجع من عيون وحناجر ناسٍ ذنبهم أنهم يعيشون في شبه دولة تتحكم بها قيادات ومنظومات هدر وفساد وإن بـ "كرافاتات". 
لا شك في أن مشاهد الجرائم بحق الإنسانية في طرابلس وعرسال وصيدا والنبعة وعكار وغيرها، أدمت القلوب وهزّت الضمائر، فتفجرت مشاعر التضامن سواء من لبنانيين حرّكتهم إنسانيتهم ونخوتهم إذ أعطوا "من اللحم الحي" وقدموا أحياناً "فلس الأرملة"، وأيضاً من غير لبنانيين هبّوا بشهامتهم للوقوف إلى جانب أخوتهم في الزمن الصعب. 
لسنا هنا في معرض كيل المديح للمبادرات أو المؤسسات الإنسانية أو المجتمع المدني، ولكن نتوقف عندها للإضاءة على دورهم في التعويض عن الغياب الفضائحي للدولة وللتدليل على أن لبنان لم يخلُ من فاعلي الخير سواء كانوا من المقتدرين والميسورين أو من الطبقة المتوسطة وحتى الفقيرة الذين يساعدون من دون حساب ويعطون بلا سؤال.  
ولكن نسأل: ما الذي كان ينقص رجال أعمال وأثرياء ومسؤولين لبنانيين من أصحاب الثروات من اتخاذ مثل هذه الخطوة ذات الدلالة الإنسانية؟ ولماذا لا يبلغ مسامعهم أنين الجياع فيبقى وكأنه صوتاً صارخاً في برية اللامبالاة والإهمال! فإلى بعض المستقيلين من واجبهم الإنساني والوطني والمشغولين في تراكم ثرواتهم، فلا تهزهم فواجع ولا مصائب نقول:
أيها السادة.. قد لا تعجبكم مثل هذه المبادرات الإنسانية من أشخاص مستعدين لتقاسم ما عندهم من أموال مع مهددين بالجوع، في وقت ينهمك بعضكم في تهريب أمواله المنهوبة إلى الخارج. 
قد يزعجكم أن يطلق بعض المؤسسات صندوقاً للمساعدات لأنه يفضح صناديقكم السوداء..
لا تعنيكم مبادرات إنسانية عابرة للحدود والطوائف، في وقت تخطّى جشعكم كل الحدود. 
أصحاب الأيادي البيضاء يبحثون عن وسائل لوقف معاناة الفقراء والمعوزين، وأنتم تبحثون عن وسيلة لاستمرار فسادكم. 
هم يحاولون رفع الغبن عن فقراء أصحاب كرامة، وأنتم أغنياء فقراء الضمير تتمادون في الإذلال وجرائم الإهمال. 
هم يغرقون المحتاجين بأفضالهم وأنتم تغرقون بفضائحكم.. 
هم يبادرون وأنتم تتفرجون، ويا ليتكم تتفرجون فحسب بل وتعرقلون. 
نعم، تخشون فاعلي الخير لأنهم يكشفون شرّكم. 
يزعجكم تسليط الضوء على ظلم شعب، لأنه يكشف عتمة وجوهكم المختبئة وراء أقنعة مزيفة.. 
في النهاية، إن أحداً في الداخل لم يعد ينتظر منكم همّة وطنية ولا  نخوة إنسانية هي عندكم نائمة مثل ضمائركم. ولا يسعنا إلى أن نقول لكم: إصمتوا واخجلوا...